إجراءات التحكيم فى المنازعات العقارية “2”
بقلم د/ وليد محمد وهبه أستاذ القانون التجارى كلية الحقوق الجامعة العربية المفتوحة
الدعاوي العقارية بوجه عام هى (الدعاوي التي لم يرتب المشرع جزاء إجرائيا على عدم اتباع اجراءات معينة في رفعها) .
نظمت المادة / 15 من قانون الشهر العقاري والتوثيق رقم 114 لسنه 1946، إجراءات رفع الدعاوي المتعلقة بالعقارات، سواء كانت دعاوي عينية عقارية أو دعاوي شخصية عقارية، حيث تنص هذه المادة علي أنه” يجب التأشير فى هامش سجل المحررات واجبة الشهر بما يقدم ضدها من الدعاوى التى يكون الغرض منها الطعن فى التصرف الذى يتضمنه المحرر وجوداً أو صحة أو نفاذاً كدعاوى البطلان أو الفسخ أو الإلغاء أو الرجوع، فإذا كان المحرر الأصلى لم يشهر تسجيل تلك الدعاوى.
ويجب كذلك تسجيل دعاوى إستحقاق أى حق من الحقوق العينية العقارية أو التأشير بها على حسب الأحوال كما يجب تسجيل دعاوى صحة التعاقد على حقوق عينية عقارية.
وتحصل التأشيرات والتسجيلات المشار اليها بعد إعلان صحيفة الدعوى وقيدها بجدول المحكمة.
الواضح من نص المادة المذكورة أن المشرع قد أوجب شهر صحيفة كافة الدعاوى العقارية عينية كانت أو شخصية، وكذلك شهر الحكم الصادر فيها، ورغم أن المشرع قد أوجب على رافع الدعاوى المذكورة شهر صحفها إلا أنه لم يرتب أى جزاء إجرائى على عدم الشهر، الأمر الذى لا يجوز معه الحكم بأى جزاء إجرائى فى حالة عدم شهر الصحيفة، فمن المقرر قانوناً أنه لا جزاء إلا بنص.
والملاحظ فى العمل أنه غالباً ما يتم الدفع بعدم قبول الدعاوى العقارية لعدم شهر صحفها إعمالاً لحكم المادة/15 من قانون الشهر العقارى والتوثيق رقم114لسنة1946.
وقد استقر قضاء النقض بالنسبة لهذا الدفع على أنه لايترتب على عدم شهر صحف الدعوى العقارية، فيما عدا دعوى صحة التعاقد (دعاوى الصحة والنفاذ)، الحكم بعدم قبولها، لأن المشرع لم ينص على هذا الجزاء فى المادة/15 المشار إليها من قانون الشهر العقارى والتوثيق، ونص عليه فقط بالنسبة لدعاوى الصحة والنفاذ (دعاوى صحة التعاقد)، وذلك فى المادة/65 من قانون المرافعات، حيث تنص هذة المادة على أنه “لا تقبل دعوى صحة التعاقد على حق من الحقوق العينية إلا إذا أٌشهرت صحيفتها”.
وبمقارنة نص المادتين/65 من قانون المرافعات، 15 من قانون الشهر العقارى والتوثيق، يتبين أن جزاء عدم القبول قد ورد النص عليه صراحة فى المادة/65 وبخصوص عدم شهر صحيفة دعوى الصحة والنفاذ فقط، ولم ينص على هذا الجزاء بالنسبة لباقى الدعاوى العقارية الأخرى المنصوص عليها فى المادة/15 المشار إليها، الأمر الذى لايجوز معه الحكم بعدم قبول الدعوى لعدم شهر صحيفتها إلا بالنسبة لدعوى الصحة والنفاذ فقط.
وقد قضت محكمة النقض فى هذا الخصوص بأنه:
“ولئن كانت المادة/15 من القانون رقم 114لسنة1946 بتنظيم الشهر العقارى المعدل بالقانون رقم 25لسنة1976 أوجبت إعلان صحيفة الدعوى وقيدها بجدول المحكمة قبل شهرها إلا أنه لم يرتب جزاء البطلان لمخالفة ذلك، أما وأن المشرع قد وضع نص المادة/65 من قانون المرافعات المدنية والتجارية بخصوص دعاوى صحة ونفاذ عقود البيع ونص فيها على “لاتقبل دعوى صحة التعاقد على حق من الحقوق العينية إلا إذا أشهرت صحيفتها”، ومفاد ذلك أن نص المادة15 من قانون تنظيم الشهر العقارى المشار إليها لم يرتب أى جزاء.(نقض 664لسنة55 ق بجلسة 26/4/1989).
وقد تم التمسك بالدفع بعدم قبول الدعوى التحكيمية لعدم شهر صحيفتها فى إحدى الدعاوى التحكيمية المنظورة أمام مركز القاهرة الاقليمى للتحكيم التجارى الدولى، وقضى برفضه، حيث قضت هيئة التحكيم بأنه:
وحيث إنه عن الدفع المبدى من الشركة المحتكم ضدها بعدم جواز التحكيم فى المنازعات محل الدعوى الماثلة لعدم جواز التصالح فيها فمردود، ذلك أن مبنى هذا الدفع هو أن القرار محل التحكيم لو كان باطلاً لكان باطلاً بطلاناً مترتباً على نص (القانون المادة (76) من القانون رقم 159 لسنة 1981 بإصدار قانون شركات المساهمة وشركات التوصية بالأسهم والشركات ذات المسؤولية المحدودة)، وأن قانون التحكيم فى المواد المدنية والتجارية نص فى مادته رقم (11) على أنه:”لا يجوز التحكيم فى المسائل التى لايجوز فيها الصلح”.
وحيث إن المسائل التى لايجوز فيها الصلح هى الواردة على سبيل الحصر فى المادة (551) من القانون المدنى التى يجرى نصها على أنه “لايجوز الصلح فى المسائل المتعلقة بالحالة الشخصية أو بالنظام العام. ولكن يجوز الصلح على المسائل المالية التى تترتب على الحالة الشخصية أو التى تنشأ عن إرتكاب إحدى الجرائم”. فإن مفاد هذا النص هو إمتناع الإتفاق على التحكيم فى نوعين من المسائل أحدهما هو المسائل المتعلقة بالحالة الشخصية والثانى هو المسائل المتعلقة بالنظام العام. ولامراء فى أن نص المادة (76) من القانون رقم 159 لسنة 1981 وإن كان فى بعض أجزاءه نصا آمرا إلا أنه لايتعلق بالنظام العام ذلك “أن التشريعات إما أن تكون آمرة واجبة الإتباع وإما أن تكون مفسرة أو مكملة لإرادة المتعاقدين، والقواعد الآمرة تتفرع إلى قواعد تتعلق بالنظام العام بحيث تقع مخالفتها باطلة بطلانا مطلقا بقوة القانون لاتمحوه الإجازة ويحق لكل ذى مصلحة التمسك به وتقضى به المحكمة من تلقاء نفسها، وآخرى –رغم وجوب إتباعها- لاتتعلق بالنظام العام”.(محكمة إستئناف القاهرة، الدائرة السابعة التجارية، الحكم فى الطعن رقم 40 لسنة 121 ق، تحكيم تجارى القاهرة، جلسة 8/3/2005).
“فليست كافة القواعد الآمرة من النظام العام … وإنما منها ما يتوقف شأنه عند حد الأمر أو النهى المتضمن فيه، دون أن يكون معبراً عن أى من كليات الجماعة أو أصول إرتكاز الدولة، وإنما مقصد تشريعه تغليب بعض المصالح الخاصة على غيرها من نوعها نفسه”(دكتور عماد البشرى ، فكرة النظام العام فى النظرية والتطبيق، رسالة دكتوراة من كلية الحقوق جامعة الإسكندرية سنة 2002، ط الأولى 2005 ، المكتب الإسلامى فى بيروت، ص 100) وطالعة نص المادة (76) من قانون الشركات السالفة الإشارة إليها تقطع بأن البطلان المقرر فيها بطلان يتغيا مصلحة فئة معينة من المساهمين أو مصلحة المساهمين كافة- وهم فئة وعينة- فلا يجوز الحكم به إلا بناء على طلب المساهمين الذين إعترضوا على القرار فى محضر جلسة الجمعية العامة للشركة أو الذين تغيوا بسبب مقبول، ولا يتصور أن تقضى به المحكمة من تلقاء نفسها من غير طلب. ويتصور عقلاً أن لايطلب المعترضون على قرار ما، أو الغائبون بسبب مقبول، الحكم ببطلان القرار فيبقى قائماً منتجاً لآثارة، بل ويتحصن بمضى المدة المنصوص عليها فى الفقرة الخامسة من المادة (76) من قانون الشركات.
وإتفاق التحكيم غير الجائز هو الإتفاق المخالف لقواعد متصلة بالنظام العام وليس بمجرد قواعد آمرة (دكتور سمير الشرقاوى، التحكيم الدولى، دار النهضة العربية 2007 ص 75؛ ونقض 27/3/1996 فى الطعن رقم 2660 لسنة 59 ق مج سنة 47 ص 558).