أوجه شبهات عدم الدستورية فى مشروع قانون الإيجار

المستشار الدكتور /إسلام إحسان – نائب رئيس هيئة النيابة الإدارية

الوجه الأول .. نصت المادة ( 7 ) من مشروع القانون على أن ” مع عدم الإخلال بأسباب الإخلاء المبينة بالمادة (18) من القانون رقم 136 لسنة 1981 المشار إليه ، يلتزم المستأجر أو من امتد إليه عقد الإيجار، بحسب الأحوال، بإخلاء المكان المؤجر ورده إلى المالك أو المؤجر بحسب الأحوال، في نهاية المدة المبينة في المادة 2 من هذا القانون، أو حال تحقق أي من الحالتين الآتيتين:

إذا ثبت ترك المستأجر أو من امتد إليه عقد الإيجار المكان المؤجر مغلق لمدة تزيد على سنة دون مبرر ،  و إذا ثبت أن المستأجر أو من امتد إليه عقد الإيجار يمتلك وحدة سكنية أو غير سكنية، بحسب الأحوال قابلة للاستخدام في ذات الغرض المعد من أجله المكان المؤجر.

وحال الامتناع عن الإخلاء يكون للمالك أو المؤجر، بحسب الأحوال، أن يطلب من قاضي الأمور الوقتية بالمحكمة الكائن في دائرتها العقار إصدار أمر بطرد الممتنع عن الإخلاء دون الإخلال بالحق في التعويض إن كان له مقتضى.

ومع عدم الإخلال بحكم الفقرة الثانية من هذه المادة يحق للمستأجر أو من امتد إليه عقد الإيجار، بحسب الأحوال، رفع دعوى موضوعية أمام المحكمة المختصة وفقا للإجراءات المعتادة، ولا يترتب على رفع الدعوى الموضوعية وقف أمر قاضي الأمور الوقتية المشار إليه.”

و لما كان نص المادة (7) المشار إليها مخالف للدستور من عدة وجوه على الوجه الأتى :-

أولاً .. تقرر المادة ( 7 ) نهائية القرار الذى يصدر عن قاضى الأمور الوقتية فى منازعة قوامها طرد المستأجر من الوحدة التى يستأجرها سواء أكانت شقة سكنية أو محل تجارى ، فإنه إذ كان الأصل أن قاضى الأمور الوقتية لا يفصل فى تلك المنازعة فصلاً قضائياً، بل فى حدود السلطة الولائية التى خولها له المشرع فى شأن إصدار الأوامر على العرائض والتى نظم قانون المرافعات أحكامها، وكفل من خلالها حق التظلم منها، فإن نهائية القرار الصادر عن قاضى الأمور الوقتية بطرد المستأجر يعد عجلة غير قائمة على أسباب موضوعية سائغة ، و يرتب ضرر داهم بالمستأجر لا يمكن له درأه أو توقيه ، حتى لو أقام دعوى موضوعية أمام القضاء إذ ورد النص صراحة على أنه لا يترتب على رفع تلك الدعوى وقف تنفيذ القرار الولائي الصادر بالطرد ، بما ينطوى على مصادرة لحق المستأجر فى التقاضى وحرمانه من اللجوء إلى قاضيهما الطبيعى بالمخالفة لنص المادة ( 97) من الدستور، إذ أن رفع الدعوى الموضوعية لن يحقق أى إستفادة فعالة للمستأجر قبل أن يتم طرده من العين ، إلى أن يفصل فى تلك الدعوى بحكم نهائي و هو ما يستغرق مدة طويلة ،   فضلاً عن إخلال هذه النهائية بمبدأ المساواة أمام القانون المنصوص عليه فى المادة (53) من الدستور وذلك بتحصينها قراراً غير قضائى وتمييزها فى هذا المجال بين المخاطبين بنص المادة (7) إذ أعطت المالك ميزة  فى مواجهة المستأجر دون تمحيص للأوراق و الوقائع التى تتعلق بموضوع النزاع.

كما أن ولوج سبيل الأوامر على العرائض التى يصدرها قاضى الأومر الوقتية بديلاً عن رفع دعوى قضائية ، يجب أن يكون فى نطاق محدود و يتناسب و طبيعة الأوامر الوقتية ، إذ تصدر عن القاضى فى حدود سلطته الولائية ولا تستند إلى سلطته القضائية ، وبالتالى لا تراعى فى شأنها القواعد التى رسمها القانون فى مجال رفع الدعاوى وتحقيقها والفصل فيها، وإنما تقرر هذه الأوامر إجراءً وقتياً لا تفصل بموجبه فى موضوع الحق المتنازع عليه، ولا تحسم الخصومة المتعلقة به، وهى بالنظر إلى طبيعتها تصدر فى غيبة الخصوم، وبغير إعلان المدعى عليه أو إطلاعه على مستندات خصمه أو تمكينه من دحض إدعاءاته وليس لازماً تسبيبها إلا إذا صدر الأمر خلافاً لأمر سابق. ولأن الإجراء الذى يتخذه القاضى بمناسبتها لا يعدو أن يكون إجراءً وقتياً أو تحفظياً، و لا شك أن تلك الإعتبارات غير متحققة فى  نص المادة ( 7 ) المشار إليه إذ أن شرط إصدار أمر بطرد المستأجر أن تكون الوحدة التى يستأجرها مغلقة بدون مبرر لمدة سنة على الأقل ، و المبرر المسوغ لإصدار الأمر الوقتى لا يمكن لقاضي الأمور الوقتية التيقن من توافره من عدمه دون سماع المستأجر و تمحيص مستنداته ، و هو الأمر الذى لا يمكن تحقيقه وفقاً لنص المادة ( 7 ) الذى دل على أن أمر قاضي الأمور الوقتية منفلتاً من أى قاعدة قانونية يتقيد بها بما يضمن ضمانات كفالة الحق فى التقاضي للخصوم ، إذ لا يصدر الأمر من قاضي الأمور الوقتية بعد سماع وجهة نظر المستأجر وإيضاحاته وقوفاً منه على حقيقة الأسانيد التى يزعمها المالك ، بما يعد إخلالاً بحق المستأجر فى أن يدلى كذلك أمامه بوجهة نظره موضحاً موقفه ، وهو ما لا يمكن الفصل فيه إلا من خلال المنازعة عن طريق خصومة قضائية يسند المشرع الفصل فيها إلى المحكمة المختصة ليحسم الخلاف بصفة نهائية – وعلى ضوء توافر الشروط التى يتطلبها القانون لإخلاء الوحدة – خلافاً بين طرفين فى إطار من الضمانات الرئيسية للتقاضى يكفل بها المشرع أن يكون القاضى ملماً بكافة جوانب الموضوع المعروض عليه وألا يفصل فيه إلا بعد أن تتهيأ له سبل دراستها وفحصها وبعد وقوفه على وجهة نظر كل من الخصمين اللذين يدور بينهما النزاع حول ما إذا كان إغلاق الوحدة له مبرر من عدمه ،  بما يعد معه نهائية  أمر الإخلاء الذى يصدره القاضي وفقاً للمادة ( 7 ) دون مراعاة تلك الضمانات مصادرة للحق فى التقاضي و من عرض النزاع على القاضي الطبيعى بما يخالف أحكام الدستور ، فالقرار الذى يصدر عن قاضى الأمور الوقتية فى هذا النطاق ليس إلا قراراً قضائياً حاسماً للخصومة محدداً به وفقاً للقانون خاتمتها و مرتباً ضرراً محدقاً بالمستأجر لا يمكن درأه ، و بذلك فإن ذلك القرار كان يتعين النص على  أن يكون مشتملاً على الأسباب التى بنى عليها كى يكون له مأخذه من الأوراق وحكم القانون ، و هو ما لم تنص عليه المادة ( 7 ) المشار إليها .

كما أن نص المادة ( 7 )  مخالف  لمبدأ المساواة أمام القانون المنصوص عليه فى المادة (53) من الدستور، ذلك أن التمييز المنهى عنه الذى يهدر مبدأ المساواة فى الحقوق بين المواطنين هو ذلك الذى يكون تحكمياً ، ذلك أن كل تنظيم تشريعى لا يعتبر مقصوداً لذاته ، بل لتحقيق أغراض بعينها تعكس مشروعيتها إطاراً للمصلحة العامة التى يسعى المشرع إلى تحقيقها من وراء هذا التنظيم ، فإذا كان النص التشريعى منطوياً على تمييز يعتبر مصادماً لهذه الأغراض بحيث يستحيل منطقياً ربطه بها أو اعتباره مدخلاً إليها ، فإن التمييز يكون تحكمياً وغير مستند بالتالى إلى أسس موضوعية ، ومجافياً من ثم لنص المادة (53) من الدستور المشار إليها ، إذ كان ذلك ، وكان المشرع قد أفرد تنظيماً قضائياً لحسم النزاع الذى قد يثور بين المالك و المستأجر حول مدى توافر الشروط التى يتطلبها القانون فى مجال إخلاء الوحدات المغلقة ، تقيم فى مجال تطبيقها تمييزاً بين المخاطبين بها المتكافئة مراكزهم القانونية بالنسبة إليها ، مغلباً سرعة إنهاء المنازعة الدائرة بين أطرافها على ضمانات التقاضي ، بما يعد إخلال بما تقتضيه دراستها وفحصها من تهيئة الأسس الكافية للفصل فيها، فإن القواعد التى يقوم عليها هذا التنظيم تعتبر غير مرتبطة بأغراضه النهائية المشروعة ومؤديه إليها بما يخالف مبدأ المساواة أمام القانون.

الوجه الثانى .. نصت المادة ( 2 ) من المشروع على إنتهاء عقود الإيجار الحالية بعد ( 7 ) سنوات من تاريخ سريان القانون للشقق السكنية ، و( 5 ) سنوات للتجارى للأشخاص الطبيعية ، و هو ما يعد تدخلاً من المشرع فى العقود الملزمة للجانبيين بعد إبرامها و دون إتفاق من أطرافها على ذلك ، بما يهدر مبدأ سلطان الإرادة و هو غير دستورى وفقاً لحكم المحكمة الدستورية العليا الصادر فى القضية رقم 16 لسنة 17ق جلسة 7/6/1997 ) .

الوجه الثالث .. اغفل المشروع تنظيم الطعن على قرارات لجان تحديد قيمة الإيجار ، و أعتمد معيار تحكمى لتحديد مستوى العقار بتقسيم الأحياء الى فئات مختلفة متميزة أو متوسطة أو إقتصادية ، بما يفترض أن كافة العقارات فى ذات الحى كلها على ذات المستوى ، و هو أمر غير صحيح على الإطلاق ، ففى نفس الشارع الواحد قد يكون هناك عقار حالته تختلف تماماً عن عقار ملاصق له .

زر الذهاب إلى الأعلى