أوجه الطعن على القرار الإداري | دراسة
أعدها الأستاذ/ أحمد عطا المحامي
تمهيد
يجدر بنا أولا تعريف دعوى الإلغاء التي استقر الفقه والقضاء على تعريفها، بأنها دعوى قضائية يرفعها أحد الأفراد أو إحدى الهيآت للقضاء الإداري للمطالبة بإلغاء أو إعدام قرار إداري صدر مخالفا للقانون فدعوى الإلغاء باعتبارها دعوى مشروعية يكون موضوعها دائما قرارا إداريا يفصل القاضي في مدى مشروعية أيا كانت السلطة التي أصدرت، ويمكن القول بأن دعوى الإلغاء تعتبر بمثابة مخاصمة القرارا لإداري، ولا تخاصم فيها جهة الإدارة، بمعنى أن الطعن يوجه أصلا للقرار الإداري وليس للسلطة الإدارية التي أصدرت
وسوف نقوم بدراسة الأوجه الطعن على القرار الادارى موضوع الطعن في هذا البحث
كالاتى:
المبحث الأول
أوجه الطعن على القرار الادارى
المطلب الأول
عيب عدم الاختصاص
والمطلب الثانى
عيب الشكل والإجراءات
المطلب الثالث
المحل او مخالفة القانون
المطلب الرابع
عيب السبب
المطلب الخامس
عيب إساءة استعمال السلطة
المبحث الأول
أوجه الطعن على القرار الادارى
فمن الجدير بالذكر أن توزيع الاختصاصات بين الجهات الإدارية من الأفكار الأساسية التي يقوم عليها نظام القانون العام ويراعي فيها مصلحة الإدارة التي تستدعي أن يتم تقسيم العمل حتى يتفرغ كل موظف لأداء المهام المناطة به على أفضل وجه كما أن قواعد الاختصاص تحقق مصلحة الأفراد من حيث أنها تسهل توجه الأفراد إلى أقسام الإدارة المختلفة وتساهم في تحديد المسؤولية الناتجة عن ممارسة الإدارة لوظيفتها .
المطلب الأول
عيب عدم الاختصاص
استقر الفقه والقضاء الإداري على تعريف عيب عدم الاختصاص في دعوى الإلغاء بأنه عدم القدرة على مباشرة عمل قانوني معين لأن المشرع جعله من اختصاص سلطة أخرى طبقاً للقواعد المنظمة للاختصاص وبسبب هذا التعريف فقد شبه بعض الفقهاء قواعد الاختصاص في القانون العام بقواعد الأهلية في القانون الخاص لأن كلاهما يقوم في الأساس على القدرة على مباشرة التصرف القانوني .
إلا أن الاختلاف يتضح من حيث المقصود في كل منهما فالهدف من قواعد الاختصاص هو حماية المصلحة العامة أما قواعد الأهلية فالهدف منها هو حماية الشخص ذاته، كما أن الأهلية في القانون الخاص هي القاعدة أما عدم الأهلية فاستثناء على هذه القاعدة.
ويختلف الاختصاص عن ذلك في أنه يستند دائماً إلى القانون الذي يبين حدود أمكان مباشرة العمل القانوني وأن سبب عدم الأهلية يتركز في عدم كفاية النضوج العقلي للشخص بينما يكون الدافع في تحديد الاختصاص هو العمل على التخصص وتقسيم العمل بين أعضاء السلطة الإدارية
ويتميز عيب عدم الاختصاص بأنه العيب الوحيد الذي يتعلق بالنظام العام ويترتب على ذلك أن الدفع بعدم الاختصاص لا يسقط بالدخول في موضوع الدعوى ويجوز إبداؤه في أي مرحلة من مراحلها وأن على القاضي أن يحكم بعدم الاختصاص تلقائياً ولو لم يثيره طالب الإلغاء .
فضلاً عن أن قواعد الاختصاص من عمل المشرع وعلى الموظف أن يحترم حدود اختصاصه لأنها لم تكن قد وضعت لمصلحة الإدارة وإنما شرعت لتحقيق الصالح العام، لذلك لا يجوز للإدارة أن تتفق مع الأفراد على تعديل قواعد الاختصاص ولا يجوز للإدارة أن تتنازل عن اختصاص منحه لها القانون أو تضيف لاختصاصاتها اختصاص آخر .
كما استقر القضاء الإداري على أنه لا يجوز تصحيح عيب عدم الاختصاص أو تغطيته بقرار لاحق من الإدارة التي تملك الاختصاص وإن جاز أن تصدر قراراً جديداً على الوجه الصحيح لا ينتج أثره إلا من يوم صدوره .
صور عيب عدم الاختصاص
اتفق القضاء والفقه الإداريان على وجود صورتين لعيب عدم الاختصاص هما عيب عدم الاختصاص الجسيم وهو ما يعرف باغتصاب السلطة، وعيب عدم الاختصاص البسيط .
الأول يجعل القرار منعدماً وفاقداً لصفته كقرار إداري ويصبح مجرد واقعة مادية لا تلحقه حصانة ولا يزيل عيبه فوات معياد الطعن فيه أما العيب البسيط فيجعل من القرار باطلاً إلا أنه لا يفقد القرار الإداري مقوماته ويتحصن من الإلغاء بمرور الستين يوماً المحددة للطعن فيه .
أولاً- عيب عدم الاختصاص الجسيم:
يطلق الفقه و القضاء على عيب عدم الاختصاص الجسيم اصطلاح ” اغتصاب السلطة ” ويكون من أثره فقدان القرار لصفته وطبيعته الإدارية فلا يعد باطلاً وقابلاً للإلغاء فحسب وإنما يعد القرار معدوماً لا تلحقه أية حصانة ولا يزيل انعدامه فوات ميعاد الطعن فيه ولا يتقيد الطعن فيه بشرط الميعاد إذ يمكن سحبه وإلغاءه بعد انتهاء ميعاد الستين يوماً المحددة للطعن .
وعلى هذا الأساس فأن تنفيذ الإدارة لهذا القرار يشكل اعتداءَ مادياً يسمح للقضاء العادي بالتصدي لتقرير انعدامه وأن كان المنطق القانوني السليم يفضي إلى القول بعدم قبول دعوى الإلغاء ضد القرار الإداري المعدوم لأنه لا يترتب عليه أي اثر قانوني .
ومن هنا القضاء الإداري مستقر على قبول الطعن ضد القرار الإداري المعدوم لا لمجرد إلغاءه وإنما لإزالة الشبهة المتعلقة
ثانياً- عيب عدم الاختصاص البسيط:
عيب عدم الاختصاص البسيط يختلف عن اغتصاب السلطة أو عيب عدم الاختصاص الجسيم في أنه لا يؤدي إلى انعدام القرار الإداري وإنما يجعله قابلاً للإلغاء فقط، فالقرار الإداري يبقى محتفظاً بمقوماته كقرار إداري ويبقى نافذاً حتى يصدر القضاء حكمه بإلغائه .
وهذا العيب أقل خطورة من عيب عدم الاختصاص الجسيم لذلك فإن القرار المشوب به يتحصن من الطعن بفوات مدة الستين يوماً المحددة للطعن بالإلغاء .
ومن الأمور المستقرة في القضاء الإداري أن هناك ثلاث حالات مختلفة لعدم الاختصاص البسيط وهي عدم الاختصاص من حيث المكان وعدم الاختصاص من حيث الزمان وعيب عدم الاختصاص من حيث الموضوع .
. عيب عدم الاختصاص من حيث المكان:
يترتب هذه العيب في حالة تجاوز جهة الإدارة للنطاق الأقليمي أو الجغرافي المحدد قانوناً لممارسة اختصاصها، فلا يجوز للمحافظ أن يتخذ قرار خارج النطاق الجغرافي لمحافظته فإذا اتخذ قرار يدخل ضمن حدود محافظة أخرى فأنه يكون مشوباً بعيب عدم الاختصاص لصدوره خارج النطاق الإقليمي المحدد له .
وهذا العيب قليل الحدوث في العمل لأن المشرع كثيراَ ما يحدد وبدقة النطاق المكاني الذي يجوز لرجل الإدارة أن يمارس اختصاصه فيه وغالباً ما يتقيد رجل الإدارة بحدود هذا الاختصاص ولا يتعداه .
عدم الاختصاص من حيث الزمان:
ويقصد بعيب عدم الاختصاص من حيث الزمان أن يصدر الموظف أو جهة الإدارة قراراً خارج النطاق الزمني المقرر لممارسته، كما أو أصدر رجل الإدارة قراراً إدارياً قبل صدور قرار تعيينه أو بعد قبول استقالته أو فصله من الوظيفة أو إحالته على التقاعد.
كذلك إذا حدد المشرع مدة معينة لممارسة اختصاص معين أو لإصدار قرار محدد فأن القرار الصادر بعد انتهاء المدة الزمنية المعينة لإصداره يعد باطلاً ومعيباً بعدم الاختصاص إذا اشترط المشرع ذلك فإن لم يفعل فقد درج القضاء الإداري المقارن على عدم ترتيب البطلان
عدم الاختصاص من حيث الموضوع:
ويتحقق عدم الاختصاص من الناحية الموضوعية عندما يصدر قرار إداري في موضوع هو من اختصاص موظف أو جهة إدارية غير التي قامت بإصداره فتعتدي بذلك على اختصاص تلك الجهة .
ويكون هذا الاعتداء أما من جهة إدارية على اختصاص جهة إدارية موازية أو مساوية لها، أو من جهة إدارية دنيا على اختصاص جهة إدارية عليا أو من جهة إدارية عليا على اختصاص جهة أدنى منها أو اعتداء السلطة المركزية على اختصاص الهيئات اللامركزية .
المطلب الثانى
عيب الشكل والإجراءات
يتحقق هذا العيب عندما يصدر القرار الإداري من دون مراعاة الإدارة للشكل أو الإجراءات التي نص عليها القانون ويتعلق هذا العيب بالمظهر الخارجي للقرار الإداري ونتناول في هذا الجزء من الدراسة عيب الشكل والإجراءات من خلال بحث مفهومه وصور قواعد الشكل وأخير تغطية هذا العيب .
تعريف عيب الشكل
يقصد بعيب الشكل في القرار الإداري أن تهمل الإدارة القواعد والإجراءات الشكلية الواجب اتباعها في القرار الإداري .
ومن ثم يكون القرار معيبا في شكله إذا لم تحترم الإدارة القواعد الإجرائية والشكلية المقررة لصدوره بمقتض القوانين واللوائح كما لو اشترط القانون إجراءات تمهيدية تسبق اتخاذ القرار أو استشاره جهات معينه أو تسبيب القرار ولم تتبع الإدارة ذلك.
والأصل في القرار الإداري أن لا يتطلب إصداره شكلية معينة ألا أن القانون قد يستلزم إتباع شكل محدد أو إجراءات خاصة لا إصدار قرارات معينة وفي غير هذه الحالات تتمتع الإدارة بحرية تقدير واسعة في إتباع الشكل الملائم لا إصدار قراراتها.
وعندما يشترط القانون إتباع شكل أو أجراء معين إنما يسعى من جهة لتحقيق مصلحة الأفراد وعدم فسح المجال للإدارة لإصدار قرارات مجحفة بحقوقهم بطريقة ارتجالية، ومن جهة أخرى يعمل على تحقيق المصلحة العامة في إلزام الإدارة بإتباع الأصول والتروي وعدم التسرع في اتخاذ قرارات خاطئة .
ويحدد القانون بمعناه العام قواعد الشكل والإجراءات بما ينص عليه الدستور أو التشريع العادي أو الأنظمة كذلك تؤدي المبادئ القانونية العامة دوراً مهماً في ابتداع قواعد شكلية غير منصوص عليها في القانون والأنظمة بالاستناد إلى روح التشريع وما يمليه العقل وحسن تقدير الأمور
صور عيوب الشكل
اعتاد القضاء الإداري على التمييز بين ما إذا كانت المخالفة في الشكل والإجراءات قد تعلقت بالشروط الجوهرية التي تمس مصالح الأفراد وبين ما إذا كانت المخالفة متعلقة بشروط غير جوهرية لا يترتب على إهدارها مساساً بمصالحهم ويترتب البطلان بالنسبة للنوع الأول دون الثاني .
والتمييز بين الأشكال الجوهرية والأشكال غبر الجوهرية مسألة تقديرية تتقرر في ضوء النصوص القانونية ورأي المحكمة وبصورة عامة يكون الإجراء جوهرياً إذا وصفه القانون صراحة كذلك أو إذا رتب البطلان كجزاء على مخالفته . أما إذا صمت القانون فإن الإجراء يعد جوهرياً إذا كان له أثر حاسم في مسلك الإدارة وهي تحدد مضمون القرار الإداري أما إذا لم يكن لذلك الإجراء هذا الأثر فإنه يعد إجراء ثانوياً ومن ثم فإن تجاهله لا يعد عيباً يؤثر في مشروعية ذلك القرار
وقد استقر القضاء الإداري على أنه لا ينبغي التشدد في التمسك بالقيود الشكلية إلى حد تعطيل نشاط الإدارة فالعيب الذي من شأنه أن يبطل القرار الإداري هو ذلك الذي يؤثر في مضمون القرار أو ينتقص من الضمانات المقررة لصالح الأفراد المخاطبين به في مواجهة الإدارة
ونتناول فيما يلي هذين النوعين من قواعد الشكل والإجراءات .
أولاً- الأشكال التي تؤثر في مشروعية القرار الإداري:
لا يمكن أن نحصر الأشكال والإجراءات التي يترتب على مخالفتها بطلان القرار الإداري إلا أن المستقر في الفقه والقضاء الإداري أن أهم هذه الشكليات تتعلق بشكل القرار ذاته وتسبيبه والإجراءات التمهيدية السابقة على إصداره .
أولا شكل القرار ذاته:
من المتفق عليه أنه ليس للقرار الإداري شكل معين يجب أن يصدر فيه فقد يأتي القرار شفوياً أو ضمنياً إلا أن القانون قد يشترط أن يكون القرار مكتوباً وفي هذه الحالة يتوجب على الإدارة إتباع الشكل الذي تطلبه المشرع و إلا عد قرارها مخالفاً لشكل جوهري مما يؤدي إلى أبطاله .
ثانيا تسبيب القرار الإداري:
الأصل أن الإدارة غير ملزمة بتسبيب قراراتها إلا إذا تطلب القانون ذلك، فمن المبادئ المقررة أن القرار الإداري الذي لم يشتمل على ذكر الأسباب التي استند عليها، يفترض فيه أنه صدر وفقاً للقانون وأنه يهدف لتحقيق المصلحة العامة، وهذه القرينة تصحب كل قرار إداري لم يذكر أسبابه وتبقى قائمة إلى أن يثبت المدعى أن الأسباب التي بنى عليها القرار المطعون فيه هي أسباب غير مشروعة
أما إذا اشترط القانون تسبيب بعض القرارات فقد استقر قضاء محكمة العدل العليا على أن هذا التسبيب يعد أحد عناصر الجانب الشكلي للقرار يترتب على إغفاله بطلان القرار ولو كان له سبب صحيح
واشتراط المشرع تسبيب بعض القرارات الإدارية يعد من أهم الضمانات
ولتوفير هذه الضمانة يجب أن يكون التسبيب جدياً ومحدداً وواضحاً بما يسمح للقضاء من بسط رقابته على مشروعية القرار و إلا فإن القرار يعد بحكم الخالي من التسبيب مما يؤدي إلى إبطاله
ثالثا الإجراءات السابقة على اتخاذ القرار:
يشترط القانون في بعض الأحيان على جهة الإدارة سلوك إجراءات قبل إصدار قرارها و ويترتب على إغفال إتباع هذه الإجراءات بطلان قراراها .
ومن قبيل ذلك مخالفة الإدارة للإجراءات الواجب اتباعها في قراراتها التأديبية مثل إعلان المتهم بالوقائع المسندة إليه قبل الجلسة المحددة لمحاكمته وبيان وصف التهمة وتاريخ ارتكابها وزمان ومكان محاكمته وسماع دفاعه عن نفسه إلى غير ذلك من إجراءات جوهرية تحقق الضمانات الأساسية التي يقوم عليها التحقيق .
وقد يشترط القانون استشارة جهة معينة قبل إصدار الإدارة قرارها وقد تكون هذه الجهة فرداً أو هيئة أو لجنة ما وقد تكون الإدارة ملزمة برأي تلك الجهة أو غير ملزمة به وفقاً لما ينص عليه القانون وهنا لا بد من الإشارة إلى أن الإدارة في هذه الحالات جميعاً ملزمة باحترام الشكلية التي فرضها القانون وأخذ رأي تلك الجهة وإلا كان قرارها معيباً وجديراً بالإلغاء .
ثانيا- الأشكال والإجراءات التي لا تؤثر في مضمون القرار:
يتغاضى القضاء الإداري أحياناً عن مخالفة بعض الشكليات التي يعدها ثانوية لا تؤثر في مضمون القرار الإداري ومن قبيل ذلك إغفال الإدارة الإشارة صراحة في صلب قرارها إلى النصوص القانونية التي كانت الأساس في إصداره أو عدم ذكر صفات أعضاء اللجان والمجالس في صلب القرارات الصادرة عنها .
ويبدو ظاهرياً أن هذا الاتجاه من القضاء يهدف إلى التقليل من الشكليات التي تضر بعمل الإدارة وتقيدها عن أداء وظيفتها، إلا أن القول به لا شك سيؤدي إلى تعسف الإدارة وادعائها بأن أغلب الإجراءات والإشكال لا تؤثر في مضمون القرار الإداري ولها سلطة تقديرية في هذا المجال ولا يخفى ما لذلك من تأثير سلبي على سلطة القضاء الإداري في الرقابة على مشروعية قرارات الإدارة .
المطلب الثالث
عيب المحل او مخالفة القانون
من مقتضيات مبدأ المشروعية أن يكون القرار الإداري موافقاً من حيث الموضوع لمضمون القواعد القانونية
تعريف عيب مخالفة القانون
يطلق على عيب مخالفة القانون بمعناه الضيق عيب المحل وهو موضوع بحثنا في هذا المجال أما عيب مخالفة القانون بمعناه الواسع فيشمل عيوب القرار الإداري كافة، عيب الاختصاص والشكل والسبب وعيب الانحراف بالسلطة .
ويقصد بعيب المحل أن يكون القرار الإداري معيباً في فحواه أو مضمونه وبمعنى آخر أن يكون الأثر القانوني المترتب على القرار الإداري غير جائز أو مخالف للقانون أياً كان مصدره سواء أكان مكتوباً كأن يكون دستورياً أو تشريعياً أو لائحياً أو غير مكتوب كالعرف والمبادئ العامة للقانون .
صور مخالفة القانون
تتنوع صور مخالفة القرار الإداري للقانون فتكون المخالفة لنص من نصوص القوانين أو اللوائح أو تطبيقاتها في حالة وجود القاعدة القانونية، فتكون المخالفة في تفسير القوانين واللوائح أو في تطبيقاتها عندما تكون القاعدة القانونية غير واضحة وتحتمل التأويل . ومن صور مخالفة القانون التي اعتمدها القضاء الاداري الصور الآتية :
المخالفة المباشرة للقانون .
الخطأ في تفسير القاعدة القانونية .
الخطأ في تطبيق القاعدة القانونية.
أولاً- المخالفة المباشرة للقاعدة القانونية:
تتحقق هذه الحالة عندما تتجاهل الإدارة القاعدة القانونية وتتصرف كأنها غير موجودة وقد تكون هذه المخالفة عمدية كما لو منح رجل الإدارة رخصة مزاولة مهنة معينة لشخص وهو يعلم أنه لم يستوف شروط منحة الرخصة وقد تكون المخالفة غير عمدية نتيجة عدم علم الإدارة بوجود القاعدة القانونية .
والمخالفة المباشرة للقاعدة القانونية أما أن تكون مخالفة إيجابية تتمثل بقيام الإدارة بتصرف معين مخالف للقانون كما لو أصدرت قراراً بتعيين موظف من دون الالتزام بشروط التعيين أوان تكون المخالفة للقاعدة القانونية سلبية تتمثل بامنتاع الإدارة عن القيام بعمل يوجبه القانون مثل امتناعها عن منح أحد الأفراد ترخيصاً استوفي شروط منحه .
والمخالفة المباشرة للقاعدة القانونية من أكثر حالات مخالفة القانون وقوعاً ووضوحاً في الواقع العملي، ومن ذلك مثلا أن يتم احالة الموظف على التقاعد قبل بلوغة السن القانونية المحدده قانونا.
ثانياً- الخطأ في تفسير القاعدة القانونية:
تتحقق هذه الحالة عندما تخطأ الإدارة في تفسير القاعدة القانونية فتعطي القاعدة معنى غير المعنى الذي قصد المشرع .
والخطأ في تفسير القاعدة القانونية أما أن يكون غير متعمد من جانب الإدارة فيقع بسبب غموض القاعدة القانونية وعدم وضوحها، واحتمال تأويلها إلى معان عدة . وقد يكون متعمداً حين تكون القاعدة القانونية المدعى بمخالفتها من الوضوح بحيث لا تحتمل الخطأ في التفسير، ولكن الإدارة تتعمد التفسير الخاطئ فيختلط عيب المحل في هذه الحالة بعيب الانحراف السلطة .
ثالثاً- الخطأ في تطبيق القاعدة القانونية
يكون الخطأ في تطبيق القاعدة القانونية في حالة مباشرة الإدارة للسلطة التي منحها القانون إياها بالنسبة لغير الحالات التي نص عليها القانون، أو دون أن تتوافر الشروط التي حددها القانون لمباشرتها
المطلب الرابع
عيب السبب
رقابة القضاء الإداري على سبب القرار الإداري تمثل جانباً مهماً من جوانب الرقابة القضائية على مشروعية القرار الإداري ومقتضاها أن يبحث القاضي في مدى مشروعية الدوافع الموضوعية التي دعت الإدارة لإصدار قرارها
تعريف عيب السبب
سبب القرار الإداري هو الحالة الواقعية أو القانونية التي تسبق القرار وتدفع لإصداره . وبهذا المعنى فأن عيب السبب يتحقق في حالة انعدام وجود سبب يبرر إصدار القرار فيكون جديرا بالإلغاء وقد تدعي الإدارة بوجود وقائع أو ظروف مادية دفعتها لا صدارة ثم يثبت عدم صحة وجودها في الواقع .
فإذا صدر قرار أداري دون أن يستند إلى سبب صحيح كما لو أصدرت الإدارة قرار بمعاقبة موظف لأنه أهان رئيسة ثم يتبين عدم صحة واقعة لإهانة فان القرار يكون معيبا بعدم مشروعية سببه
لا أن الرأي المستقر فقها وقضاء أن عيب السبب مستقل عن العيوب الأخرى فقد تقدم أن عيب مخالفة القانون يتعلق بمحل القرار الإداري وهو الأثر القانوني المترتب على القرار أو مادته أو محتواة وبمعنى أخر فانه ذلك التغيير الذي يحدثه القرار سواء بإنشاء أو تعديل أو إلغاء مركز قانوني معين أما السبب فيتعلق بالحالة الواقعية أو القانونية التي قامت قبل إصدار القرار ودفعت إلى إصداره.
وفي عيب الانحراف بالسلطة يتعلق العيب في الغاية أو الهدف الذي يسعى مصدر القرار إلى تحقيقه وهذه الغاية متصلة بالبواعث النفسية للشخص أو الجهة التي اتخذت القرار في حين يتمثل عيب السبب بعناصر ذات طبعية موضوعية متصلة بالقانون أو الوقائع ومستقلة عن الحالة النفسية لمصدر القرار .
شروط السبب في القرار الإداري
استقر القضاء علي ضرورة توفر شرطين في سبب القرار الإداري :
أولاً- أن يكون سبب القرار الإداري موجوداً:
وهنا يجب أن يكون القرار الإداري قائما وموجودا حتى تاريخ اتخاذ القرار ويتفرع من هذا الشرط ضرورتان الأولى أن تكون الحالة الواقعية أو القانونية موجودة فعلا وألا كان القرار الإداري معيباً في سببه والثاني يجب أن يستمر وجودها حتى صدور القرار فإذا وجدت الظروف الموضوعية لإصدار القرار ألا أنها زالت قبل إصدارة فإن القرار يكون معيبا في سببه وصدر في هذه الحالة كما لا يعتد بالسبب الذي لم يكن موجودا قبل إصدار القرار ألا أنه تحقق بعد ذلك وأن جاز أن يكون مبررا لصدور قرار جديد .
ثانياً- أن يكون السبب مشروعاً:
وتظهر أهمية هذا الشرط في حالة السلطة المقيدة للإدارة عندما يحدد المشرع أسبابا معينه يجب أن تسند إليها الإدارة في إصدار بعض قراراتها فإذا استندت في إصدار قرارها إلى أسباب غير تلك التي حددها الشرع فأن قرارها يكون مستحقا للإلغاء لعدم مشروعيته ويجري القضاء في هذه الحالة على رقابة الأسباب القانونية من حيث وجودها أو عدم وجودها وقصر سلطته على تطبيق حكم القانون أي علي رقابة المشروعية أما في حالة تعدد الأسباب التي يستند إليها القرار، وتبين أن بعض الأسباب صحيح ومشروع والأسباب الأخرى غير مشروعة فقد استقر القضاء الإداري على التفرقة بين الأسباب الدافعة أو الرئيسية وبين الأسباب غير الدافعة أو الثانوية والحكم بإلغاء القرار إذا كانت الأسباب المعيبة وغير الصحيحة هي الأسباب الدافعة أو الرئيسية في إصدار القرار ولا يحكم بإلغاء القرار إذا كانت الأسباب المعيبة هي الأسباب غير الدافعة أو الثانوية .
رقابة القضاء الإداري على السبب
تطورت الرقابة علي سبب القرار الإداري من الرقابة على الوجود المادي للوقائع إلى رقابة الوصف القانوني للوقائع إلي أن وصلت إلي مجال الملائمة أو التناسب بين القرار الإداري والوقائع التي دفعت ألى إصداره .
وبناء علي ذلك سنبحث في رقابة القضاء الإداري على السبب في ثلاث مراحل الرقابة على وجود الوقائع والرقابة على تكييف الوقائع والرقابة على ملائمة القرار للوقائع :
أولاً- الرقابة على وجود الوقائع:
الرقابة على وجود الوقائع المادية التي استندت أليها الإدارة في إصدار قرارها أول درجات الرقابة القضائية على سبب القرار الإداري فإذا تبين أن القرار المطعون فيه لا يقوم علي سبب يبرره فأنه يكون جديرا بالإلغاء لانتفاء الواقعة التي استند عليها.
ثانياً- الرقابة على تكييف الوقائع:
وهنا تمتد رقابة القاضي الإداري لتشمل الوصف القانوني للوقائع التي استندت أليها الإدارة في إصدار قرارها فإذا تبين له أن الإدارة أخطأت في تكييفها القانوني لهذه الوقائع فإنه يحكم بإلغاء القرار الإداري لوجود عيب في سببه فإذا تحقق القاضي من وجود الوقائع التي استندت إليها الإدارة في إصدار قرارها ينتقل البحث فيما إذا كانت تلك الوقائع تؤدي منطقيا إلى القرار المتخذ .
ثالثاً- الرقابة على الملائمة:
الأصل أن لا تمتد رقابة القضاء الإداري لتشمل البحث في مدى تناسب الوقائع مع القرار الصادر بناء عليها لان تقدير أهمية الوقائع وخطورتها مسألة تدخل في ضمن نطاق السلطة التقديرية للإدارة إلا أن أحكام مجلس الدولة في مصر وفرنسا أخذت تراقب الملائمة بين السبب والقرار المبني عليه لا سيما إذا كانت الملائمة شرطا من شروط المشروعية وأتضح ذلك جلياً في صدد القرارات المتعلقة بالحريات العامة وامتدت هذه الرقابة إلى ميدان القرارات التأديبية كذلك .
المطلب الخامس
عيب إساءة استعمل السلطة
سلطة التي تتمتع بها الإدارة ليست غاية في ذاتها أنما هي وسيلة لتحقق الغاية المتمثلة بالمصلحة العامة للمجتمع فإذا انحرفت الإدارة في استعمال هذه السلطة بإصدار القرارات لتحقق أهداف تتعارض مع المصلحة العامة فأن قرارها يكون مشوباً بعيب إساءة استعمال السلطة أو الانحراف بها ويعد هذا العيب من أسباب الطعن بالإلغاء التي ترد على القرار الإداري ونتأول في هذا الجزء من الدراسة التعريف بهذا العيب وصورة ورقابة القضاء الإداري بشأنه .
تعريف عيب إساءة استعمال السلطة
يكون القرار الإداري معيبا بعيب إساءة استعمال السلطة إذا استعمل رجل الإدارة صلاحياته لتحقق غاية غير تلك التي حددها القانون ويتصل هذا العيب بنية مصدر القرار وبواعثه، لذلك يقترن هذا العيب بالسلطة التقديرية للإدارة ولا يثار إذا كانت سلطة الإدارة مقيدة بحدود معينة.
وقد حظي هذا العيب بأهمية كبيرة في القضاء الإداري في فرنسا ومصر والأردن على السواء ألا أن أهميته تضاءلت لأنه يتصل بالبواعث النفسية الخفية لجهة الإدارة، وإثباته يتطلب أن يبحث القضاء في وجود هذه البواعث وهو غاية بعيدة المنال لذلك أضفي القضاء علي هذا العيب الصفة الاحتياطية فلا يبحث في وجوده طالما أن هناك عيب أخر شاب القرار الإداري مثل عيب عدم الاختصاص أو عيب
تم بحمد الله
الخاتمة
دعوى الإلغاء هي دعوى مقامة ضد القرارات الإدارية التي تصدرها الهيئة التنفيذية وتخرج فيها على ضوابط مبدأ المشروعية أو الخضوع للقانون.
ومن هنا فإن قضاء الإلغاء يُوصف بأنه قضاء موضوعي يُخاصم القرار الإداري لعدم مشروعيته، فإذا ما تبين للقاضي الإداري مجانبة القرار للقواعد القانونية النافذة حكم بإلغائه، وعلى هذا الأساس يُوصف قضاء الإلغاء بأنه حامي حمى المشروعية.
ويختلف قضاء الإلغاء عن القضاء الكامل لأن القضاء الكامل قضاء شخصي يُطالب فيه المُدعي خصمه بحق شخصي ويكون للقاضي فيه سلطات كاملة فيحق للقاضي تقويم وتعديل القرارات غير المشروعة والحكم بالتعويض عن الأضرار التي تسببها.
ولقد كان الأمر في بدايته مقرراً على أساس فصل دعوى الإلغاء عن دعوى القضاء الكامل فإذا ما أراد المُدعي الطعن في القرار الإداري غير المشروع بالإلغاء والتعويض فإنه يتعين إقامة دعويين مستقلتين، دعوى المطالبة بإلغاء القرار غير المشروع، ودعوى التعويض.
ورأينا ان أوجه الطعن في القرار الادارى سبب او موضع دعوى الإلغاء هي خمسة أوجه وهى عيب عدم الاختصاص وعيب الشكل وعيب المحل وعيب السبب وعيب الغاية او الانحراف بالسلطة ولقد علمنا ان عيب عدم الاختصاص اهمهم وهو تقريبا الوحيد المتعلق بالنظام العام واهمهم في الواقع العملى بالإضافة الى عيب الانحراف بالسلطة او عيب الغاية الذى يكون من اكثر أوجه الطعن في القرارات الإدارية في الواقع القضاء الادارى حيث انه دفع او عيب من العيوب المشهورة في دعوى الإلغاء وهو عيب صعب الاثبات لانه يجب على المدعى اثبات ان الغاية من القرار الادارى ليس المصلحة العامة.