أهمية التفرقة بين العمل التجاري والعمل المدني
بقلم: كريم عبد القوي
من المقرر أن الأعمال التجارية لاغنى لها عن عنصري السرعة والإئتمان، فعنصر الوقت له قيمته وأهميته في حياة التاجر نظرا لتكرار إبرام العقود من جانبه وتنوعها وسعيه الدائم لتحقيق أكبر قدر ممكن من الربح، الأمر الذي يحتم وضع تنظيم كاف يتلائم مع عنصر السرعة الذي يعد عصب الحياة التجارية.
ومن ناحية أخرى فإن الإئتمان يمثل الدعامة الأساسية للمعاملات التجارية عموما؛ لكون الأخيرة غالبا ما تتم بأجل.
لذا فقد رعا المشرع عند تنظيمه للأعمال التجارية؛ فأفرد لها نظاما خاصا عن تلك المنظمة للأعمال المدنية، من حيث أولا: حرية الإثبات في المواد التجارية بعكس المواد المدنية حتى وإن كان الدين يجاوز مبلغ النصاب المقرر بمواد الإثبات في المعاملات المدنية ( ألف جنيه ) . وإن كان هناك إستئناءات قليلة في بعض العقود التجارية والتي أوجب المشرع أن تكون مكتوبة.
وعليه فيجوز للتاجر مثلا أن يثبت من واقع دفاتره المنتظمة دين ما على مدينه، خروجا عن القواعد العامة في الإثبات بعدم جواز إصطناع الشخص دليلا لنفسه.
وثانيا : من حيث قسوة وصرامة القواعد الخاصة بالوفاء
ويظهر ويتجلى ذلك من خلال سبع قواعد عامة وهامة تحكم عملية الوفاء في المعاملات التجارية، وهي كالآتي :
1- التضامن بين المدينين: فحيث لا يفترض التضامن بين المدينين في المعاملات المدنية بحسب الأصل إلا في أحوال معينة ( منها ما يكون بنص القانون مثل المسئولية التقصيرية ومنها مايكون بالإتفاق بين الخصوم فيما بينهم). نجد على العكس أن التضامن بين المدينين يفترض في المعاملات التجارية ، وبذلك فإن الدائن بدين تجاري يجد ضمانة كبيرة باستيفاء حقه من أموال أي من مدينيه، حتى لو أعسر أحدهم.
2- نظرة الميسرة : فبينما نجد أن القانون المدني يجيز للمدين أن يطلب أجلا للوفاء إذا كانت حالته تستدعي ذلك ( م 157/ 2 مدني – 346/ 2 مدني ) , نجد أن المحكمة لا تملك سلطة واسعة في منح أجلا للمدين بدين تجاري. من ذلك ما نص عليه المشرع بالمادة 156 تجاري والتي تمنع صراحة المحكمة من إعطاء أجل للوفاء بدين ورقة تجارية.
3- الفوائد التأخيرية : حيث تقضي م 226 مدني بفوائد تأخيرية بحد أقصى بنسبة أربعة في المائة بالنسبة للديون المدنية، بينما في المواد التجارية بنسبة خمسة في المائة . ناهيك عن بدء حساب الفائدة .. حيث تحتسب الفوائد في المواد التجارية من تاريخ الإستحقاق، بينما في المواد المدنية من تاريخ المطالبة المدنية بحسب الأصل.
4- التقادم : حيث يكون بحسب الأصل تتقادم الحقوق في المواد المدنية بخمسة عشر سنة ، نجد أن الحقوق في المعاملات التجارية تتقادم بمدد أقل ( من خمس سنوات إلى سنة واحدة فقط ).
5- النفاذ المعجل : حيث إن النفاذ المعجل بالنسبة للأحكام الصادرة من محكمة أول درجة في المواد التجارية يكون بقوة القانون بشرط سداد الكفالة المقضي بها في الحكم . أما القضاء في المعاملات المدنية فلاتكون الأحكام الإبتدائية مشمولة بالنفاذ المعجل بحسب الأصل إلا في حالات بعينها.
6- الإعذار : وإن كان الإعذار مهما في كل المعاملات مدنية كانت أو تجارية إلا أن الأمر يفرق من حيث الإثبات ، فبينما في المعاملات المدنية يكون الإعذار بطريق الكتابة ( إلا إذا اتفق بين المتعاقدين على خلاف ذلك ) . نجد أنه نظرا لما تتميز بها المعاملات التجارية من يسر وسرعة فيكفي في إثبات حدوث الإعذار أن يكون شفوي أو عن طريق الهاتف أو الواتس آب أو غير ذلك.
7- الإفلاس : فقد نصت المادة 195 من القانون التجاري على أن كل تاجر وقف عن دفع ديونه يعتبر في حالة إفلاس ويلزم شهر إفلاسه بحكم يصدر بذلك.
فلم يكتف المشرع بكل الضمانات السابقة لوفاء التاجر بديونه ، بل جعل تأخر التاجر عن سداد ديونه عرضة للحكم ضد بإفلاسه وبالتالي إخراجه من الحياة التجارية بالكلية، وفي هذا تهديد قاس يجعل من التاجر أحرص الناس على الوفاء بديونه.