أهم (100) قاعدة وضابط في فن التفسير القانوني [1]
بقلم/ الدكتور محمد عبد الكريم أحمد الحسيني – أستاذ القانون المساعد بكلية الشريعة القانون IUM والمحامي.
للتفسير القانوني مبادئٌ عامَّة حصرية تستمدُّ مشروعيتها من مُقوِّمات وأصول “نظرية التفسير القانوني”، وتعبِّرُ هذه النظرية بدورها عن الإطار العلمي للدلالة القانونية للنص التشريعي وللأوراق القانونية القضائية والرسمية، إذ يجري على جمعيها ما يجري على إحداها.
كما وتعطي نظرية التفسير القانوني رؤية كلية وصورة مكبرة لمفاتيح الدلالات القانونية للنصوص التشريعية وأوراقها وتكشف عن خريطة ارتباط أصولها بفروعها وأبنيتها بدلالاتها، ومقدماتها ومدخلاتها بمخرجاتها ونتائجها، فضلا عن تصدِّيها لتفسير كافة الدلالات القانونية أيًّا كانت وحيثما وُجِدتْ بناءً على مبادئ وقواعد عامة منضبطة.
وتيسيرا على القانونيين ممن هم في حاجة ماسَّة إلى وسائل التفسير القانوني المباشرة وأدواته العملية وآلياته التطبيقية فهذه (100) مائة قاعدة وضابط وإرشاد عملي وظيفي للسادة القانونيين لتذليل دروب تفسير النص القانوني، وتيسير فهم أوراقه القضائية، سوف نطرحها على مدى عدة مقالات متواصلات.
القاعدة الأولى:
تتعدد النصوص التشريعية وتتنوع الأوراق القانونية ذات الحاجة إلى الفهم العميق والتفسير القانوني الدقيق.
ضوابط وإرشادات حول القاعدة:
- النصوص القانونية المراد تفسيرها بفنية ودقة هي “النصوص التشريعية” –ابتداء- سواء أكان التشريع دستوريا أو تشريعا عاديا.
- جميع القرارات التي تحمل صفة تشريعية تدخل تحت طائلة النصوص التشريعية في أنظمة تفسيرها وفنيات استخراج دلالاتها واستنباط أحكامها.
- اللوائح النافذة تحمل الصفة التشريعية وإن كانت صادرة من غير السلطة التشريعية، وبسري عليها ما يسري على النصوص التشريعية.
الأوراق (القضائية والقانونية) التي تسري عليها قواعد التفسير القانوني
تتعدد الأوراق القضائية وتلك القانونية التي يسري عليها ما يسري على التشريعات القانونية، وبيان ذلك في الآتي:
- بعض الأوراق القانونية تقارب التشريعات في بنائها النصي ومن ثم تأخذ حكمها التفسيري.
- تعليمات النيابة يعتد بها باعتبارها من الأوراق القانونية التي ذات الطبيعة التشريعية، إذ تحمل في طياتها صفة تنظيمية يمكن البناء عليها، ومن ثم يسري عليها أصول وقواعد التفسير القانوني
- المدونات السلوكية العامة للقانونين ولغيرهم –مادامت معتمدة رسميا- أيا كانوا تحمل الصفة التنظيمية ويسري عليها أصول وقواعد التفسير القانوني.
- تعدُّ الأحكام القضائية من أهم الأوراق القانونية ويسري على فهمهما وتفسيرها ما يسري على فهم وتفسير النصوص التشريعية من قواعد وضوابط.
- العقود الإدارية من أهم الأوراق القانونية المشمولة بالتفسير القانوني الدقيق لأنها تتصل بتسيير المرفق العام للدولة.
- تحتاج العقود القانونية المدنية إلى دقة قاعدية وأطر قانونية في فهمهما وتفسيرها بين أطرافها.
- محاضر التحريات ومحاضر التحقيق من الأوراق القانونية ذات الأهمية القضائية وتحتاج إلى فنية عالية في تفسيرها .
- مذكرات الدفاع من الأوراق القضائية ذات الأهمية في فهمها وفي الرد عليها من قبل المحكمة بما يقتضي دقة تناولها وفنية تفسيرها.
القاعدة الثانية:
اتصال المفسر بالنص القانوني المراد تفسيره اتصالا صحيحا يؤدي إلى نتائج دلالية قانونية صحيحة.
وهذه قواعدها الجزئية التي تبين عن مضمونها:
1- تناول وثيقة النص القانوني المراد تفسيره ومطالعتها وقراءة نصها مباشرة والتمعن في أجزائه وفي سياقاته يعد من الاتصال القانوني الصحيح بالنص .
2-يعدُّ الاستماع الواعي والإنصات المتمعن من أنواع الاتصال الصحيح بالنص القانوني المراد تفسيره.
3-الوقوف على سياق النص القانوني المراد تفسيره من خلال سوابقه ولواحقه يعتبر اتصالا قانونيا صحيحا.
4- وضع واقعة النص القانوني في الحسبان عند الاتصال به يعدٌّ اتصالا قانونيا صحيحا بالنص.
وهذه إرشادات وضوابط على القاعدة وعلى ضوابطها
أ- كلما كان اتصالك بالنص حسيا.. تمسك به إمساكا، وبصريا توجه إليه ناظرك توجيها، وصوتيا تقرؤه بصوت شبه مسموع، كلما كان تفاعلك معه أعلى وكان حضوره إلى ذهنك أدني..
ب- افعل ما يلي مع النص القانوني المراد فهمه وتفسيره، إنها خطوات صغيرة ولسوف تثمر عن نتائج كبيره في اتصالك الصحيح بالنص:
- استخدم ورقا وأقلاما.
- عاود كتابة النص القانوني المراد تفسيره بخط يديك .
- حدِّد النص المراد تفسيره ..
- ضع خطا .. ضع لونا…
- حاصِر الكلمات والجمل في النص المراد تفسيره…
- أحط بها لإجبارها على إخراج مضامينها
- كل هذا يُعدُّ من وسائل وأدوات الاتصال الصحيح بالنص.
القاعدة الثالثة:
اقرأ النص القانوني المراد تفسيره قراءة جيدة ومتعددة، فعلى قدر قراءتك وتمعنك تبسط نفوذك وتمكنك إلى جوهر النص.
ضوابط وإرشادات القاعدة :
أولا: النصوص القانونية نصوص مترابطة متراكبة متصلة (لا يمكن إدراك بعضها إلا في ضوء مجموعها)
ثانيا: النصوص القانونية نسق واحد يفهم جزؤها في سياق مجموعها، ويفهم مجموعها من خلال فهم أجزائها.
ثالثا: لا يمكن لأحد كان من كان أن يُدرك منطوق أو مفهوم النصوص المركبة المترابطة من مرة واحدة.
رابعا: في إحدى أهم نظريات التعلم “العقل البشري مصمم على رؤية الكل أولا، وإدراكه أولا… ثم بعد ذلك يأتي إدراك الأجزاء”، إنه يدرك الكل إنه يستوعب المجموع أولا، ثم بعد ذلك يأتي إدراك التفاصيل –وفقا لنظرية الجشطلت في التعلم.
وبناء على ذلك :
1- اقرأ النص القانوني –المراد تفسيره- قراءة أولية ( للإلمام بمجموعه وبكلياته).
2-اقرأ النص القانوني –المراد تفسيره- قراءة جزئية (لإدراك تفاصيله وأجزائه).
3-اقرأ النص القانوني –المراد تفسيره- قراءة متأنية (لتعَرُّف كلياته وأجزائه ولإدراك مفاصله وتفاصيله..جميعا)
4-عاود قراءة النص القانوني المراد تفسيره مثنى وثلاث ورباع ( فكثرة قراءتك تعنى نفوذك إلى داخل النص وسيطرنك على مبانيه ومن ثم معانيه).
تلك كانت أكثر من (30) قاعدة وضابط وإرشاد في سبيل التفسير القانوني الصحيح، وباستكمال مجموعها سوف تستبين خريطتها وينكشف مخططها الكلي، وسنأتي على تطبيقات عملية بشأنها في لاحق المقالات بإذن الله تعالى.
خاتمة في المرجعية القانونية للقاعدة الأولى :
للاطلاع على أهمية الأوراق القضائية بخاصة والأوراق القانونية بعامة إليك بعض أحكام النقض حيث تعرضت لها وبنت عليها توجهاتها بل وأحكامها، وللتفصيل راجع دراستنا المطولة [ النظرية العامة لغة القانونية أصولها وأحكامها وواقعها القانوني المعاصر، دراسة تأصيلية تحليلية، كلية الشريعة والقانون IUM 2021م د. محمد عبد الكريم الحسيني].
أما عن تعرض محكمة النقض للأوراق القضائية والقانونية قيمكن ملاحظته في التلميحات الآتية:
أولا: العناصر الموضوعية بالأوراق القضائية
جاء في مدونة الحكم “الأسباب المتعلقة بالنظام العام. لمحكمة النقض والخصوم والنيابة إثارتها ولو لم يسبق التمسك بها أمام محكمة الموضوع أو في صحيفة الطعن. شرطه توافر عناصرها الموضوعية بالأوراق وورودها على الجزء المطعون فيه من الحكم” [الطعن رقم ١٨٥٥٠ لسنة ٨٥ قضائية، من أحكام الدوائر التجارية- الصادر بجلسة ٢٠٢٢/٠٢/٢١ ].
ثانيا: الأوراق القانونية وتلك القضائية من محددات عناصر الفصل في الأحكام بالصحة أو الفساد وبقبول الطعون ورفضها
جاء في الطعن [رقم ٤٢٧٥ لسنة ٧٠ قضائية الصادر بجلسة ٢٠٢٢/٠١/١٧] :”أسباب الطعن المتعلقة بالنظام العام . لمحكمة النقض من تلقــــــاء نفسها وللخصوم والنيابة العامة إثارتهــا . شرطه . توافر عناصر الفصل فيها من الوقائع والأوراق السابق عرضها على محكمة الموضوع وورودها على الجزء المطعون فيه من الحكم .وبمثله في [الطعن رقم ٩٧٧ لسنة ٨٦ قضائية الصادر بجلسة ٢٠٢١/١٢/٢٠ ].
ثالثا: معطيات الأوراق وأهميتها في بناء الأحكام عليها.
أوردت محكمة النقض في الطعن رقم ١١٨٤٥ لسنة ٨٥ قضائية الصادر بجلسة ٢٠٢١/١٢/١٥ بأن:” التعويض مقصوده تخفيف ألم المضرور لا نكأ جراحه وزيادة ألمه وأساه ، تقدير التعويض عن الضرر الأدبي، وجوب أن يكون متكافئاً مع مقدار الضرر بغير تفريط ولا إفراط وقائماً على أساس سائغ ومردود لعناصره الثابتة بالأوراق .”
رابعا: اعتبار الأوراق القضائية في الحكم بالصحة والفساد
1- الطعن رقم ٤٦٣٩ لسنة ٧٦ قضائية الصادر بجلسة ٢٠٢١/١٢/٠٧ وفيه :”ثبوت تضمن عقود البيع الصادرة للمطعون ضدهم …. بما تقدم . فساد ومخالفة للثابت بالأوراق”
2- الطعن رقم ٨١٩٩ لسنة ٨٠ قضائية الصادر بجلسة ٢٠٢٢/٠٣/٢٢وفيه: “ورود عبارة “بعد المداولة قانونًا” في صدر أسباب حكم التحكيم وخلو الأوراق من اتخاذ الطاعنة لإجراءات الطعن بالتزوير على ما أثبت بحكم التحكيم من تمام المداولة . أثره . انتفاء مسوغ القضاء ببطلان ذلك الحكم ”
3- الطعن رقم ١٠٨١٤ لسنة ٩١ قضائية الصادر بجلسة ٢٠٢٢/٠٣/١٥ وفيه “الثابت من الأوراق أن الطاعن وقت إقامة الاستئناف الصادر فيه الحكم المطعون فيه وحتى تاريخ الفصل فيه كان …. فإنه يكون معيباً بالخطأ في تطبيق القانون”.
4- الطعن رقم ٩٥٤٢ لسنة ٩١ قضائية الصادر بجلسة ٢٠٢٢/٠٣/١٦، وفيه :” وخلص الحكم من ذلك إلى أن الأوراق بذلك تكون قد خلت مما يفيد أن.. ومن ثم لا يعدو النعي عليه بما ورد بأسباب الطعن إلا أن يكون جدلًا موضوعيًا في سلطة محكمة الموضوع في فهم الواقع في الدعوى وتقدير الدليل فيها بما تنحسر عنه رقابة هذه المحكمة.