أسباب الإخلاء الجديدة: تحليل قانوني معمّق للمادة السابعة من قانون 164/2025
بقلم/ مايكل بساده أديب باحث الدكتوراه بقسم القانون المدني- المحامي بالنقض و الإدارية العليا
المقدمة
شهدت القوانين المنظمة للعلاقة بين المؤجر والمستأجر في مصر تطورات متلاحقة، سعيًا نحو تحقيق التوازن المفقود بين حق المالك في الانتفاع بملكيته وحق المستأجر في الاستقرار. ومع صدور القانون رقم 164 لسنة 2025، يأتي التشريع الجديد ليُقدم حلولًا حاسمة لبعض المشكلات التي استعصت على القوانين السابقة.
وتُعد المادة السابعة من هذا القانون محورًا رئيسيًا في هذا التغيير، حيث تُضيف أسبابًا جديدة للإخلاء لم تكن موجودة من قبل، وتُعزز من قدرة المالك على استرداد عقاره في حالات محددة. إن تحليل هذا النص ليس مجرد قراءة للحروف، بل هو فهم لمنطق تشريعي يهدف إلى تحرير السوق العقاري من قيود الماضي، مع الحفاظ على حماية حقوق الأطراف
تنص المادة (7) من القانون رقم 164 لسنة 2025 بشأن بعض الاحكام المتعلقة بقوانين إيجار الأماكن وإعادة تنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر على انه: –
مع عدم الإخلال بأسباب الإخلاء المبينة بالمادة (۱۸) من القانون رقم ١٣٦ لسنة ١٩٨١ المشار إليه، يلتزم المستأجر أو من امتد إليه عقد الإيجار. بحسب الأحوال، بإخلاء المكان المؤجر وردة إلى المالك أو المؤجر، بحسب الأحوال. في نهاية المدة المبينة في المادة (2) من هذا القانون، او حال تحقق أي من الحالتين الآتيتين:
1- إذا ثبت ترك المستأجر أو من امتد إليه عقد الايجار للمكان المؤجر مغلقاً لمدة تزيد على سنة دون مبرر.
2- إذا ثبت أن المستأجر أو من امتد إليه عند الايجار يملك وحدة سكنية أو سكنية، بحسب الأحوال، قابلة للاستخدام في ذات العرض المعدة من أجله المكان المؤجر.
وحال الامتناع عن الإخلاء يكون للمالك أو المؤجرة بحسل الأحوال، أن يطلب من القاضي الأمور الوقتية بالمحكمة الكائن في دائرتها العقار إصدار أمر بطرد الممتنع عن الإخلاء دون الإخلال بالحق في التعريض في كان له مقتض.
ومع عدم الإخلال بحكم الفقرة الثانية من هذه المادة بحق المستأجر أو من امتد اليه عقد الإيجار، بحسب الأحوال، رفع دعوى موضوعية أمام المحكمة المختصة وفقا للإجراءات المعتادة، ولا يترتب على رفع الدعوى الموضوعية وقف امر قاضي الأمور الوقتية المشار إليه.
تنص المادة رقم 18 من القانون رقم 136 لسنة 1981 بشأن بعض الأحكام الخاصة بتأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر على انه: –
لا يجوز للمؤجر أن يطلب إخلاء المكان ولو انتهت المدة المتفق عليها في العقد* إلا لأحد الأسباب الآتية:
(أ) الهدم الكلي أو الجزئي للمنشآت الآيلة للسقوط والإخلاء المؤقت لمقتضيات الترميم والصيانة وفقاً للأحكام المنظمة لذلك بالقوانين السارية.
(ب) إذا لم يقم المستأجر بالوفاء بالأجرة المستحقة خلال خمسة عشر يوماً من تاريخ تكليفه بذلك بكتاب موصى عليه مصحوب بعلم الوصول دون مظروف أو بإعلان على يد محضر ولا يحكم بالإخلاء إذا قام المستأجر قبل إقفال باب المرافعة في الدعوى بأداء الأجرة وكافة ما تكبده المؤجر من مصاريف ونفقات فعلية.
ولا ينفذ حكم القضاء المستعجل بطرد المستأجر من العين بسبب التأخير في سداد الأجرة إعمالاً للشرط الفاسخ الصريح إذا ما سدد المستأجر الأجرة والمصاريف والأتعاب عند تنفيذ الحكم وبشرط أن يتم التنفيذ في مواجهة المستأجر**.
فإذا تكرر امتناع المستأجر أو تأخره في الوفاء بالأجرة المستحقة دون مبررات تقدرها المحكمة حكم عليه بالإخلاء أو الطرد بحسب الأحوال.
(ج) إذا ثبت أن المستأجر قد تنازل عن المكان المؤجر، أو أجره من الباطن بغير إذن كتابي صريح من المالك للمستأجر الأصلي، أو تركه للغير بقصد الاستغناء عنه نهائياً وذلك دون إخلال بالحالات التي يجيز فيها القانون للمستأجر تأجير المكان مفروشاً أو التنازل عنه أو تأجيره من الباطن أو تركه لذوي القربى وفقاً لأحكام المادة 29 من القانون 49 لسنة 1977.
(د) إذا ثبت بحكم قضائي نهائي أن المستأجر استعمل المكان المؤجر أو سمح باستعماله بطريقة مقلقة للراحة أو ضارة بسلامة المبنى أو بالصحة العامة أو في أغراض منافية للآداب العامة.
إن المادتين (7) من القانون رقم 164 لسنة 2025 و(18) من القانون رقم 136 لسنة 1981، هما من النصوص الأساسية التي تُنظم العلاقة الشائكة بين المؤجر والمستأجر في قوانين إيجار الأماكن. إن تحليل هذين النصين معًا يُظهر تطورًا تشريعيًا يهدف إلى تحقيق التوازن بين حقوق المالك والمستأجر، مع إعطاء الأولوية لمصلحة المجتمع.
تُقدم المادة (7) من القانون الجديد أسبابًا إضافية للإخلاء، وتُحيل صراحة إلى المادة (18) من القانون القديم.
- المادة (18) تُحدد الأسباب التقليدية للإخلاء. المادة (7) تُضيف أسبابًا جديدة مثل “ترك المستأجر للمكان مغلقاً لمدة تزيد على سنة” أو “تملك المستأجر لوحدة سكنية قابلة للاستخدام”. هذا يُظهر أن المادة (7) ليست بديلة للمادة (18)، بل هي مكملة لها، مما يُعزز من حقوق المالك.
- الهدف الأسمى من هذه النصوص هو تحقيق التوازن بين مصلحة المالك والمستأجر. فالمادة (18) تحمي المستأجر من الطرد التعسفي، بينما المادة (7) تهدف إلى مكافحة ظاهرة احتكار الوحدات السكنية المغلقة.
- هذه النصوص تعكس تطورًا في التشريع لمواكبة التغيرات الاجتماعية. فالمادة (18) جاءت في فترة كانت فيها الدولة تُقدم حماية قوية للمستأجر. أما المادة (7) الجديدة، فهي تأتي في سياق يهدف إلى تحرير العلاقة الإيجارية ومعالجة مشكلة السكن99.
- القصد التشريعي من المادة (7) هو إنهاء حالة عدم الاستفادة من العقارات، وحل مشكلة أزمة السكن. أما العلة التشريعية فتكمن في أن القانون يجب أن يخدم المصلحة العامة، وهي في هذه الحالة توفير الوحدات السكنية المتاحة للاستخدام.
- من منظور العدالة التوزيعية، يُنظر إلى المادة (7) على أنها عادلة، لأنها تمنع المستأجر من الاحتفاظ بوحدتين في وقت واحد على حساب آخرين قد يكونون بحاجة إلى سكن. من منظور العدالة الإجرائية، النص يعطي الحق للمستأجر في رفع دعوى موضوعية، وهو ما يضمن له الحق في الدفاع عن نفسه، وإن كان أمر قاضي الأمور الوقتية لا يتوقف على هذه الدعوى1313.
- وضوح النص وغموضه: المادتان واضحتان في تحديد أسباب الإخلاء. لكن بعض المصطلحات مثل “مبرر” في المادة (7) تُترك لتقدير القاضي.
- المادة (7) تبدأ بالإحالة إلى المادة (18)، مما يوضح أنها جزء من نظام قانوني متكامل. هذا التناسق التشريعي يُظهر أن المشرع لم يُلغِ القواعد القديمة، بل أضاف إليها.
- يمكننا أن نستنتج منطقيًا أنه إذا ثبت أن المستأجر يمتلك وحدة سكنية أخرى، فإن العلة التي كانت تمنحه الحق في الإقامة في الوحدة المؤجرة (وهي الحاجة إلى السكن) قد زالت. هذا يُبرر منطقيًا حق المالك في استرداد عقاره.
- تعكس المادة (7) تطورًا في دور القانون كأداة لحل المشكلات الاجتماعية، خاصة مشكلة أزمة السكن2020. إنها استجابة لظاهرة اجتماعية حقيقية وهي احتكار بعض الأفراد للوحدات السكنية دون استخدامها.
- تطبيق هذا النص يؤدي إلى استقرار في سوق الإيجارات، ويزيد من المعروض من الوحدات السكنية، مما يعود بالنفع على المجتمع ككل.
- هذه المادة تُعد أداة لتصحيح عدم التوازن في القوة بين المالك والمستأجر. فالقانون يتدخل لمنع المستأجر من استغلال القوانين القديمة لصالحه على حساب حق المالك في الانتفاع بملكيته.
الخاتمة: -مسار جديد في العلاقة الإيجارية: نحو سوق عقاري أكثر ديناميكية
في الختام، تُشكل المادة السابعة من القانون رقم 164 لسنة 2025 إضافة جوهرية ومحورية لقانون الإيجارات، فهي تُمثل إقرارًا بأن العلاقة الإيجارية يجب أن تقوم على أسس عادلة وواضحة، وأن استغلال الوضع القانوني القديم للاحتفاظ بعقارات غير مستخدمة أو لتجاهل المسؤولية الاجتماعية لم يعد مقبولًا.