نشر بجريدة المال الأربعاء 2/3/2022 ـــــــــــــــــ بقلم: الأستاذ/ رجائى عطية نقيب المحامين
ونعود إلى الوفد الذى وقع فيه هذا الانقسام الأول ، فنرى الدكتور عبد العظيم رمضان يفسر موقف سعد زغلول بأنه يتفق مع عقليته القانونية التى رأت أنها أبرمت عقدًا مع الشعب على تمثيله ، لذلك فلا يحق لأحد سواه أن يمثل الشعب ، فهو الذى يمثله ، ورأيه من ثم هو الممثل للشعب .
وظنى أن هذا التفسير غير دقيق ، فالشعب لم يفوض أو لم يوكل سعدًا بمفرده ، وإنما فوض ووكل معه أقطابًا آخرين لهم مكانتهم ، كما وأن ســعدًا لم يكن الوحيد دارس القانون صاحب العقلية القانونية ، وإنما كان هذا هو حال جل من معه . ينطبق ذلك على عبد العزيز فهمى ، وأحمد لطفى السيد ، وإسماعيل صدقى ، وعلى ماهر ، ومحمد على علوبة ، ومحمود أبو النصر وغيرهم ، ومع ذلك لم يَمِلْ أحدٌ منهم إلى الانفراد بالرأى ومصادرة الآخرين أو إدراج المخالفين فى الرأى فـى قائمة « الخصوم » !
وقد نقل الدكتور علاء الحديدى فى كتابه : « مصطفى النحاس ـ دراسة فى الزعامة السياسية المصرية » ـ نقل عن مذكرات سعد زغلول نفسه ، أنه كتب فى يومياته 14 نوفمبر 1920 ، أنه قدم مشروعًا إلى الوفد ينص على أن أى عضو فى الوفد ــ أى عضو ــ يثبت أنه يعارض رئيس الوفد بشكل أساسى يجب فصله لأن وجوده سيعرقل عمل رئيس الوفد ، ويضيف الدكتور الحديدى أن مصطفى النحاس رغم تأييده لسعد زغلول ، عارض ذلك بشدة لأن معناه الاستبداد ، إلاَّ أن النحاس نفسه خالف ذلك فى خلافه مع مكرم عبيد ، وطبق بشأنه ما خالف فيه سعد زغلول .
وأورد الدكتور عبد المنعم خلاف فى كتابه : « الهيئة السعدية » ــ أنه إثر الخلاف الذى وقع بشأن مشروع ملنر ، وعودة « إسماعيل صدقى » ، و« محمود أبو النصر» إلى مصر ، لم يلبث الوفد أن « فصلهما » فى 24 يوليو 1919 ، واستشهد على ذلك ــ فيما استشهد به ــ بما ورد لأحمد شفيق باشا فى « حوليات مصر السياسية : التمهيد ــ جــ 1 ــ ط 1926 » ص 509 ــ 511 ، إلاَّ أن أحمد شفيق باشا وإن أورد قالة الفصل ، المقول بأنها شملت إسماعيل صدقى ومحمود أبو النصر وحسين واصف ، إلاَّ أنه عزا إلى الثلاثة أنهم نفوا هذا الفصل أو الاستقالة فى تصريحاتهم ، ومع ذلك فإن تصريح محمود بك أبو النصر يورى بأن وراء الأكمة ما وراءها ، إذ طلب فى نهاية تصريحه من الأمة : « إرجاء الحكم فى حادثة انفصاله عن الوفد حتى يجىء اليوم الذى يحل فيه أن يكشف للناس عن حقيقة الأمر فيحكموا عن بينة » .
وعبارة هذا التحفظ تقول الكثير ، وتؤكد أن هناك فى الأمور ما لا يجوز البوح به فى ذلك التوقيت .
ولم يكن طيبًا وصف سعد زغلول للجنة التى شكلت لوضع الدستور الذى عرف بدستور 1923 بأنها لجنة الأشقياء ، ولا يبرر هذا التوصيف أن الوفد امتنع عن الاشتراك فيها ، لأنه رأى أنه يجب تشكيلها بانتخاب من الشعب وليس بالتعيين ، فهذا الأمر يحتمل اختلاف الآراء ، حالة كون العناصر القادرة على وضع مبادئ الدستور وصياغته ، يجب أن تكون على علم وخبرة بهذه المهمة ، وهو ما لا يستقيم فرزه بواسطة الانتخاب الشعبى ، وعلى أية حال فإن اعتناق ما اعتنقه الوفد ، لا يبرر وصف اللجنة بأنها « لجنة الأشقياء » ـ فقد كان فيها أعلام لهم مكانتهم وعلمهم وخبرتهم وتاريخهم الوطنى ، ولا يجوز دمغهم بهذا الوصف الثقيل ، وفيهم حسين رشدى باشا رئيس الوزراء الذى ناصر الوفد وناصر قضية سفره إلى الخارج لعرض القضية المصرية على مؤتمر الصلح ، والأستاذ أحمد حشمت باشا ، والأستاذ محمد على علوبه بك ، والأستاذ النقيب عبد العزيز فهمى بك ، والأستاذ النقيب محمود بك أبو النصر ، والأستاذ حسن عبد الرازق باشا ، والأستاذ عبد الحميد البدوى بك ، والأستاذ على ماهر بك ، والأستاذ توفيق دوس بك ، والأستاذ إسماعيل باشا أباظة ، والأستاذ عبد اللطيف المكبانى بك ، وغيرهم من ذوى المقام الرفيع .
فلماذا يتحول الاختلاف فى الرأى إلى قذائف ومطاعن ، فيوصف عدلى يكن بأنه جورج الخامس يتفاوض مع جورج الخامس ، وتوصف لجنة الدستور التى ضمت هؤلاء الأعلام بأنها لجنة الأشقياء ؟!!