أثر جائحة كورونا على تنفيذ العقود في القانون المدنى الكويتي
بقلم الدكتور/ محمد طرفاوى محمد
بدأ فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19) انتشاره في مدينة ووهان الصينية أواخر سنة (2019) ثم انتشر في بقاع الصين كاملة وانتقل لكل دول العالم وسّبب آثاراً مدمرة على الصحة والاقتصاد وأدى إلى عمليات إغلاق كاملة في كل بلدان العالم، وقد أعلنت منظمة الصحة العالمية اعتبار فيروس كورونا (كوفيد-19) جائحة عالمية بتاريخ 11/3/2020 ودخلت دول العالم أجمع في عداد الدول المصابة مما حدى ببعضها إلى اتخاذ إجراءات إغلاق كلى لحماية للصحة العامة.
تدرجت الإجراءات بحظر الطيران بين الدول وتوقفت معظم وسائل النقل البحرى والبري إضافة إلى وقف العمل لدى الجهات الرسمية وغير الرسمية ووصل الأمر إلى حظر التجّول وانشأت أغلب الدول مستشفيات ميدانية للحجر الصحى ومع هذا الشكل في وسائل المواصلات تعّذر تنفيذ معظم الالتزامات التعاقدية الناشئة عن عقود النقل البحري والجوي أو الانشطة المّترتبة عليها كما أدى الحظر والإغلاق إلى توقف تنفيذ العقود المّبرمة في أغلب المجالات داخل مختلف الدول وصاحب انتشار الإغلاق تقاعس المتعاقدون عن الوفاء بالتزاماتهم التعاقدية خاصة مع توقف وشلل الحياة بشكل كامل فتوقفت الحركة الاقتصادية في مختلف بقاع الأرض.
وقد فرضت معظم الدول العربية حالة من الإغلاق الجزئي أو الكامل وقد أصدرت دولة الكويت بتاريخ 19/3/2020 شأنها شأن غيرها من دول العالم مجموعة من الإجراءات الاحترازية لمواجهة الفيروس شملت حظر جميع الأنشطة والاجتماعات في الأماكن العامة وأغلقت المطاعم وعلّقت الرحلات الجوية وكأغلب الدول انتهى الأمر لحظر شامل.
تكمن مشكلة الحظر الشامل والشلل الذي أصاب الحياة بالنسبة للحياة الاقتصادية في توقف حركة النشاط الاقتصادي وهو ما أدى إلى التوقف عن تنفيذ أغلب التعاقدات المّبرمة والتي لم يتم السير فيها بسبب الحظر الكلى في معظم دول وقد العالم وقد عجز الأفراد عن الوفاء بالتزاماتهم التعاقدية في موعدها وهنا ظهرت فكرة تطبيق نظرية الظروف الطارئة على مختلف أنواع العقود لمواجهة الوضع الصحى والاقتصادي السيء والاستثنائي في العالم أجمع وقد بادرت دول عديدة إلى خفض نسب الفائدة على الاقراض والاقتراض وجدولة القروض ومنح مهلة للسداد دون غرامات تأخير خشية أن تصاب الحياة الاقتصادية بالشلل التام كما قامت الكثير من الدول فيما يتعلق بالنشاط القانوني بمّد مواعيد الطعون في الأحكام حتى انتهاء فترة الحظر وسَهلت بعض العمليات الإجرائية حتى تواجه المتطلبات الجديدة والمعطيات الخاصة بالحالة الصحية في البلاد.
ولجأت دول عديدة إلى تفعيل نظرية الظروف الطارئة والتي تعد استثناءً على مبدأ حرية التعاقد فالعقد شريعة المتعاقدين ولا يجوز نقضه ولا تعديله إلا باتفاق الطرفين والظرف الطارئ هو حدث لا يمكن توقعه وقت التعاقد وله شروط أربعة وهى:
- أولاً: أن يكون العقد الذي تثار النظرية في شأنه متراخى التنفيذ بمعنى أن جزئاً من الالتزامات المتفق عليها لا ينفذ حال التوقيع على العقد ولكن يتفق على تنفيذه في المستقبل.
- ثانياً: أن تستجد أمور بعد إبرام العقد وقبل حلول أجل التنفيذ تُعد حوادث استثنائية ومن المؤكد أن تفشي الوباء كان أمراً لا يمكن توقعه وقت التعاقد.
- ثالثاً: أن تكون تلك الحوادث من النوع الذي ليس في الوسع توقعها.
- رابعاً: أن تجعل تلك الحوادث تنفيذ الالتزام مرهقاً ولكن ليس مستحيلاً.
وبمطالعة تلك الشروط نجدها منطبقة تماماً على جائحة كورونا (كوفيد-19) فهى حدث استثنائي لا يمكن توقعه أدت إلى صعوبة (وليس استحالة) تنفيذ الالتزامات المّترتبة على العقد ونوضح (في هذا الشأن) أن العقود متراخية التنفيذ هى العقود الزمنية أو عقود المدة وهى العقود التي يكون فيها الزمن عنصراً أساسياً (كعقد الإيجار) كذلك جميع العقود التي لا تنفذ في الحال فأي عقد يتراخى فيه تنفيذ أي التزام لوقت لاحق (بناء على اتفاق المتعاقدين) يكون من العقود متراخية التنفيذ وفي ذلك
قضت محكمة التمييز الكويتية بأنه [إذا كانت المادة (198) من القانون المدني تنص على أنه إذا طرأت بعد العقد وقبل تمام تنفيذه ظروف استثنائية عامة لم يكن في الوسع توقعها عنه ابرامه وترّتب على حدوثها أن تنفيذ الالتزام الناشئ عنه (وإن لم يصبح مستحيلاً) صار مرهقاً للمدين بحيث يهدده بخسارة فادحة جاز للقاضي بعد الموازنة بين مصلحة الطرفين أن يَرُدَ الالتزام المرهق إلى الحد المعقول بأن يضيق من مداه أو يزيد في مقابله ويقّع باطلاً كل إتفاق على خلاف ذلك].
ومؤدى هذا النص وعلى ما أفصحت عنه المذكرة الايضاحية لهذا القانون أنه إذا حدث بعد انعقاد العقد وقبل تمام تنفيذ الالتزام الناشئ عنه أن وقّعَت نازلة استثنائية عامة لم تكن في الحسبان ولم يكن في الوسع توقعها عند التعاقد وكان من شأن هذه النازلة أن أصبح تنفيذ الالتزام (وإن ظل ممكناً) شديد الإرهاق بالمدين بحيث يهدده بخسارة فادحة فإنه يجوز للقاضي بناء على طلب المدين وبعد الموازنة بين مصلحة الطرفين أن يَرُدَ الالتزام المرهق الى الحد المعقول و المعّيار في اعتبار ما إذا كان الحادث الاستثنائي متوقعاً أو غير متوقع الحصول وقت التعاقد هو ألا يكون في مَقدُور الشخص العادي أن يتوقع حصوله وهو في ظروف المدين وقت التعاقد بصرف النظر عن توقع المدين فعلاً حصول الحادث الطارئ أو عدم توقعه ومناط الارهاق الذي يهدد المدين بخسارة فادحة من الاعتبارات الموضوعية بالنسبة للصفقة ذاتها لا بالظروف المتعّلقة بشخص المدين).
وكنتيجة لاعتبار جائحة كورونا (كوفيد-19) ظرفاً استثنائياً طبقاً للمقّرر في قواعد القانون المدنى فإن ذلك يعنى إثقال كاهل القضاء بالكثير من القضايا لبحث رد الالتزام إلى الحد المعقول فلا يمكن لغير القاضي القيام بهذا العمل لذلك اتخذ المشرع الكويتي عدة إجراءات هامة لمواجهة هذه الاشكالية فأصدر القانون رقم (6 لسنة 2020) بتأجيل تحصّيل الأقساط المسّتحقة على عملاء صندوقي المتعثرين ودعم الأسرة ونصت المادة الأولى منه على أن ( يؤجل سداد الأقساط المسّتحقة على العملاء المستفيدين من صندوق معالجة أوضاع المواطنين المتعثرين في سداد القروض الاستهلاكية
والمقّسطة تجاه البنوك وشركات الاستثمار وصندوق دعم الأسرة لمدة ستة أشهر اعتباراً من القسط المسّتحق لشهر أبريل لسنة 2020م) وحذت حذوها بشكل أو بآخر كافة دول العالم كما صدر القانون رقم (15 لسنة 2020) بتعّديل بعض أحكام قانون الإيجار رقم (35 لسنة 1978) فأضاف حكماً جديداً بنهاية الفقرة الأولى من نص المادة (20) والمتعلقة بالأثر المتّرتب على عدم سداد الأجر فنص على أنه ( وفي جميع الأحوال لا يجوز الحكم بإخلاء العين المؤجرة إذا تخلّف المستأجر عن سداد الأجرة خلال الفترة التي يقّرر مجلس الوزراء تعطيل أو وقف العمل خلالها في جميع المرافق العامة للدولة حماية للأمن أو السلم العام أو الصحة العامة والتي تقتضيها المصلحة العليا للبلاد علي أن تحدد المحكمة طريقة سداد المستأجر الأجرة المتأخرة وفقاً لظروف الدعوى).
يعد ارتباط جائحة كورونا (كوفيد-19) بنظرية الظروف الاستثنائية تسهيلاً على المتعاقدين لتنفيذ التزاماتهم التعاقدية فمع الركود الاقتصادي المصاحب لانتشار الفيروس نظراً لعمليات الإغلاق المتّتابعة لا يمكن بحال من الأحوال تنفيذ الالتزامات التعاقدية على النحو المتفق عليه وجاء الحل في الدفع بتوافر نظرية الظروف الطارئة ويقّع إثبات ذلك على عاتق من يدعيه وإن كان إثبات جائحة كورونا (كوفيد-19) لا يحتاج إلى وسيلة لإثباته فقّررات الدول المتعددة والمتعاقبة والتشريعات الاستثنائية تقطع بتوافر الظروف الطارئة أمام المحكمة غير أنه يلّزم ملاحظة أن تطبيق نظرية الظروف الطارئة لا يعنى إلغاء الالتزام أو اعتباره كأن لم يكن بل يقوم القاضي برد الالتزام إلى الحد المعقول وهو ما قّررته التشريعات الاستثنائية الصادرة في هذا الشأن فعلى سبيل المثال القانون رقم (15 لسنة 2020) لم يعفى المستأجرين من سداد التزاماتهم المتعلقة بالأجرة ولكن أجّل فقط تنفيذ الالتزام مع إمكانية تقسيطه وهو ما يتوافق مع فكرة نظرية الظروف الطارئة.
وختاماً يلزم أن نلاحظ أن تطبيق نظرية الظروف الطارئة على الالتزامات التعاقدية في ظل جائحة كورونا (كوفيد-19) لا يعنى بحال من الأحوال إلغاء أو إنهاء تلك الالتزامات بل مجرد رد الالتزام المرهق إلى الحد المعقول سواء بتعّديله أو تأجيله لا إلغاؤه وعليه تبقي الالتزامات التعاقدية سارية تنفيذاً لقاعدة العقد شريعة المتعاقدين ومبدأ سلطان الإرادة.
خلاصة ما سبق فإن جائحة كورونا (كوفيد-19) ظرفاً طارئاً لكونها حدثاً استثنائياً ليس في الوسع توقعه ويترتب على ذلك أنه لا يجوز الاتفاق على مخالفتها لكون أحكام الظروف الطارئة متعلقة بالنظام العام ولا يمكن الاتفاق على مخالفتها ولا تعد الجائحة قوة قاهرة فهى ليست حدثاً فردياً استثنائياً بل هي حدث عام كما يتّرتب على ذلك تدخل القاضي لا لإلغاء العقد أو التزاماته أو إعفاء أحد المتعاقدين من تنفيذ التزاماته ولكن يتمثل تدخله في رد الالتزام إلى الحد المعقول مراعاة للظرف الاستثنائي (الجائحة) كما حدث في مصر تطبيقاً للقاعدة العامة الواردة بنص المادة (147) من القانون المدنى وكذلك القانون الكويتي بنص المادة (198) من القانون المدنى وكذلك ما أدخله المشرع من تشريعات استثنائية متعلقة بالجائحة كالقانون رقم (15 لسنة 2020) المعّدل لبعض أحكام قانون الإيجار الكويتي.