أثر الأمراض المزمنة على عقود اللاعبين.. أمراض القلب
بقلم/ الدكتور أحمد عبد الظاهر ـ أستاذ القانون الجنائي بجامعة القاهرة
مقدمة
الأمراض القلبية الوعائية – وفقاً لموقع منظمة الصحة العالمية – هي السبب الرئيسي للوفاة في العالم، إذ تتسبب في وفاة نحو 17.9 مليون شخص كل عام. والأمراض القلبية الوعائية هي مجموعة اضطرابات تصيب القلب والأوعية الدموية وتشمل مرض القلب التاجي، ومرض الأوعية الدماغية، وداء القلب الروماتيزمي واعتلالات أخرى. ويعزى أكثر من أربعة أخماس وفيات الأمراض القلبية الوعائية إلى النوبات القلبية والسكتات، ويحدث ثلث هذه الوفيات مبكراً عند أشخاص تقل أعمارهم عن 70 عاماً.
وبحسب موقع منظمة الصحة العالمية أيضاً، فإن أهم عوامل الخطر السلوكية لأمراض القلب والسكتة القلبية هي اتباع نظام غذائي غير صحي، والخمول، وتعاطي التبغ، وتعاطي الكحول على نحو ضار. وقد تتجلى آثار عوامل الخطر السلوكية عند الأفراد في ارتفاع ضغط الدم، وارتفاع نسبة السكر في الدم، وارتفاع نسبة الدهون في الدم، وزيادة الوزن والسمنة. وتشير «عوامل الخطر الوسيطة» هذه التي يمكن قياسها في مرافق الرعاية الأولية إلى زيادة احتمال الإصابة بالنوبة القلبية والسكتة وقصور القلب ومضاعفات أخرى.
وبناء على ذلك، فإن الحد من احتمال الإصابة بالأمراض القلبية الوعائية يكون من خلال الإقلاع عن تعاطي التبغ، والإقلال من الملح في النظام الغذائي، والإكثار من تناول الفواكه والخضروات، والمواظبة على النشاط البدني المنتظم، وتجنب تعاطي الكحول على نحو ضار. ومن أجل تحفيز الأفراد على اتباع سلوكيات صحية والمواظبة عليها، من الضروري وضع سياسات صحية تهيئ بيئات مواتية لإتاحة خيارات صحية ميسورة التكلفة وفي المتناول.
وبالنظر لأسباب الأمراض القلبية، والارتباط بينها وبين الخمول والسمنة وتعاطي الكحول على نحو ضار، يتبادر إلى الذهن مباشرة أن إصابة الرياضيين بالأمراض القلبية قد يكون أمراً نادراً. ومع ذلك، وربما يكون التعرض للضغوط العصبية أثناء المباريات والمنافسات الرياضية سبباً في إصابة الرياضيين بالأمراض القلبية. وقد حدث فعلاً أن أصيب بعض الرياضيين المحترفين بأمراض قلبية.
Richard Coleman, Study reveals more footballers are suffering from heart problems – is it time for more screening?, February 18, 2020.
وباستقراء الحالات الواقعية التي حدثت فيها إصابة لأحد اللاعبين أو أحد الرياضيين بأحد الأمراض القلبية، دون أن تؤدي إلى الوفاة، يبدو سائغاً القول إن تأثير هذه الإصابة على المسيرة الاحترافية للاعب قد اختلف من حالة إلى أخرى، وذلك على النحو الذي يبدو جلياً من خلال استعراض بعض الأمثلة، وذلك في مطالب ثلاثة، متبعين إياها بمطلب رابع عن الأثر النسبي لأمراض القلب على عقود اللاعبين، كما يلي:
المطلب الأول
اعتزال كاسياس كرة القدم عقب إصابته بأزمة قلبية
في يوم الثلاثاء الموافق الرابع من شهر أغسطس 2020م، أعلن الحارس الإسباني المخضرم إيكر كاسياس، اعتزاله كرة القدم نهائياً، بعد أكثر من عام من الابتعاد عن الملاعب عقب إصابته بأزمة قلبية في شهر مايو 2019م. وجاء إعلان الحارس السابق التاريخي لريال مدريد وللمنتخب الإسباني، والذي احتفل بلقب الدوري البرتغالي مع بورتو آخر فريق لعب لصفوفه، عبر حساباته الرسمية على شبكات التواصل الاجتماعي.
والواقع أن إعلان كاسياس اعتزاله كان متوقعاً لاسيما بعد أن ابتعد عن المنافسات مع نادي بورتو البرتغالي الذي انتقل اليه عام 2015م، وذلك منذ تعرضه لأزمة قلبية مطلع شهر مايو 2019م.
المطلب الثاني
تعرض كريستيان إريكسن لسكتة قلبية أثناء إحدى المباريات الدولية
في يوم السبت الموافق الثاني عشر من شهر يونيو 2021م، وأثناء المباراة المقامة بين منتخبي الدنمارك وفنلندا، ضمن منافسات بطولة كأس الأمم الأوربية المقامة في الدنمارك 2020م، سقط لاعب وسط منتخب الدنمارك كريستيان إريكسن مغشياً عليه أثناء اللعب وخضع لإنعاش قلبي رئوي من قبل مسعفين على أرضية الملعب. وانهار إريكسن فجأة وهو يركض بالقرب من الخط الجانبي للملعب. وشكل زملاء اللاعب حلقة حوله بينما كان المسعفون يحاولون إنعاش قلبه قبل نهاية الشوط الأول في المباراة المقامة ضمن منافسات المجموعة الثانية. وبعد نجاح المسعفين في إنعاش قلبه، جرى نقل اللاعب الدولي الدنماركي إلى المستشفى، حيث خضع لزراعة جهاز تنظيم ضربات القلب.
وخلال شهر ديسمبر 2021م، أنهى إريكسون عقده مع ناديه إنتر ميلان الإيطالي بالتراضي بسبب حظر الدوري الإيطالي على اللاعبين استخدام أجهزة تنظيم ضربات القلب. وبذلك، أصبح لاعباً حراً برحيله عن نادي إنتر ميلان، حيث إن القوانين في إيطاليا لا تسمح باستمرار لاعب خضع لعملية تركيب جهاز تنظيم ضربات القلب.
وفي الخامس من يناير 2022م، وفي تصريحات صحفية، قال اللاعب الدولي البالغ من العمر آنذاك 29 عاماً، إنه يتطلع للعودة مرة أخرى للمنتخب واللعب معه في بطولة كأس العالم لكرة القدم المقامة في دولة قطر نهاية العام 2022م، لتكون خاتمة لمشواره الرياضي، مؤكداً قناعته بتقديم مستوى يؤهله للعب المونديال رغم خضوعه لتركيب جهاز ينظم ضربات القلب. إذ تلقى اللاعب الضوء الأخضر بالعودة للملاعب وممارسة كرة القدم، وأن تركيب جهاز تنظيم ضربات القلب لن يعوقه عن ممارسة هذه اللعبة.
وفي الحادي والثلاثين من شهر يناير 2022م، وفي اليوم الأخير من سوق الانتقالات الشتوية، وبعد حوالي سبعة أشهر على تعرض اللاعب لأزمة قلبية وسقوطه على أرض الملعب، عاد اللاعب الدولي إلى الملاعب الرياضية عبر التعاقد مع نادي برينتفورد الإنجليزي الذي يلعب في الدوري الإنجليزي الممتاز، وذلك بعقد استمر حتى نهاية الموسم.
Ben Church, How Christian Eriksen returned to football after suffering cardiac arrest on pitch, CNN, Wed January 4, 2023.
المطلب الثالث
اعتزال سيرجيو أجويرو كرة القدم بسبب مرض في القلب
في يوم الأربعاء الموافق الخامس عشر من ديسمبر 2021م، أعلن المهاجم الأرجنتيني الدولي سيرجيو أجويرو، لاعب نادي برشلونة الإسباني، اعتزال كرة القدم لأسباب صحية بعد ثبوت إصابته بمرض في القلب، وهو في الثالثة والثلاثين من العمر، ليسدل بذلك الستار على مسيرة حافلة في الملاعب استمرت على مدار ثمانية عشر عاماً أحرز خلالها أكثر من أربعمائة هدف. وعقد أجويرو مؤتمراً صحفياً شارك فيه رئيس النادي جوان لابورتا ولاعبو الفريق الأول في مقر النادي لإعلان عدم قدرته على الاستمرار. وقال أجويرو وهو يبكي أمام عدد كبير في ملعب «كامب نو»: الهدف من هذا المؤتمر الصحافي هو إبلاغكم بأنني قررت اعتزال كرة القدم. هذه لحظة صعبة للغاية لكني راض عن القرار الذي اتخذته.
وعانى أجويرو أحد أعظم نجوم مانشستر سيتي الإنجليزي، من آلام في الصدر في القرعة مع ديبورتيفو ألافيس في الثلاثين من شهر أكتوبر 2021م، وأكد النادي أنه يعاني من اضطراب في ضربات القلب. وأسفرت فحوصات أخرى عن استبعاد أجويرو لمدة ثلاثة أشهر للخضوع «لعملية تشخيصية وعلاجية»، وبعد التشاور مع المتخصصين، قيل للاعب الأرجنتيني الدولي أن الاستمرار في اللعب يشكل مخاطرة كبيرة. وانضم أجويرو إلى برشلونة في صفقة انتقال مجانية من سيتي في يوليو، لكن إصابة في ربلة الساق أدت إلى عدم ظهوره لأول مرة حتى أكتوبر. وخاض سيرجيو خمس مباريات في جميع المسابقات مع برشلونة، حيث لعب 166 دقيقة فقط، وكان هدفه الوحيد في شكل تعزية متأخرة في الهزيمة 2-1 أمام ريال مدريد.
المطلب الرابع
الأثر النسبي لأمراض القلب على عقود اللاعبين
كما سبق أن رأينا، فإن تأثير الإصابة بمرض قلبي على المسيرة الاحترافية للاعب قد اختلف من حالة إلى أخرى. ويمكن القول إن هذا التأثير يتوقف على اللياقة الصحية للاعب ومدى قدرته على الاستمرار في ممارسة الرياضة، ومدى وجود خطر على حياة اللاعب من الاستمرار في ممارسة الرياضة. والمرجع في هذين الأمرين هو لرأي الأطباء. وبالإضافة إلى ذلك، وكما حدث في حالة اللاعب الدنماركي كريستيان أريكسن، فإن بعض الدوريات الأوربية قد تحظر استمرار لاعب خضع لعملية تركيب جهاز تنظيم ضربات القلب، كما هو الشأن في الدوري الإيطالي. ومن ثم، وبغض النظر عن رأي الأطباء في مدى لياقة اللاعب وقدرته على الاستمرار في ممارسة اللعبة، فإن هذا الحظر لابد وأن يلقي بظلاله على العلاقة التعاقدية بين اللاعب والنادي. ويمكن أن يعتبر ذلك أحد بنود التعاقد. إذ الفرض أن اللاعب يعلم وقت تعاقده بوجود مثل هذا الحظر، ويمكن بالتالي افتراض موافقته على فسخ العقد بالتراضي إذا حدثت له إصابة بأحد الأمراض القلبية، وبحيث اقتضى علاجه تركيب جهاز تنظيم ضربات القلب.
ومع ذلك، فإن هذا الحظر قد يكون محلاً للطعن في المستقبل أمام المحكمة الأوربية لحقوق الإنسان أو محكمة العدل الأوربية. ووجه الطعن في هذا الشأن أن دراسة حديثة توصلت إلى أن الرياضيين النخبة المصابين بأمراض القلب الوراثية يمكنهم العودة بأمان إلى اللعب بالتشخيص والعلاج. وقد كانت هذه الدراسة ثمرة لتجربة إكلينيكية متطورة قام بها بعض الباحثين، وتم تقديمها يوم الاثنين الموافق السادس من مارس 2023م في الجلسة العلمية السنوية للكلية الأمريكية لأمراض القلب مع المؤتمر العالمي لأمراض القلب. وقد أثبتت هذه الدراسة أن معظم الرياضيين النخبة الذين تم تشخيصهم بأمراض القلب الوراثية لم يتعرضوا لأعراض خطيرة أو قاتلة لحالتهم، مثل الموت القلبي المفاجئ. ويشير البحث إلى أنه يمكن أن يكون «ممكناً» و «آمناً» للرياضيين لمواصلة المشاركة في رياضتهم.
ووفقاً لهذه الدراسة، ومن بين عينة من 76 رياضياً من النخبة المصابين بمرض القلب الوراثي، والذين تنافسوا أو لا يزالون يتنافسون في أي جامعة من القسم الأول أو في الرياضات الاحترافية، لم يتعرض 73 من أصل 76 لحدث قلبي ناجم عن مرضهم خلال فترة الدراسة. ووجد ملخص الدراسة أيضاً أنه من بين هؤلاء الرياضيين النخبة المصابين بأمراض القلب الوراثية، كان 40 منهم، بما يمثل نسبة 52٪ من مجموع العينة التي تمت عليها الدراسة، بدون أعراض. راجع بشأن هذه الدراسة:
Jacqueline Howard, Elite athletes with genetic heart disease can safely return to play with diagnosis and treatment, early study suggests, CNN, March 6, 2023.