حقائق الإسلام وأباطيل خصومه 

بقلم/ الأستاذ رجائي عطية نقيب المحامين رئيس اتحاد المحامين العرب

نشر بجريدة الشروق الخميس 21 / 10 / 2021

هذا العنوان هو لواحدة من درر الأستاذ العقاد فى المنافحة عن الإسلام , وكان هذا العنوان المعبر فى ذهنى حينما كتبت لدار الشروق كتاب « حقائق القرآن وأباطيل الأدعياء» . والأدعياء الذين قصدتهم هم مجموعة من انتماءات شتى , أصدروا فى باريس دعوة إلى حذف آيات من القرآن الكريم , بدعوى أنها تُحرّض على اليهود وتعادى السامية , ومن هؤلاء الذين اجترءوا على القرآن هذا الاجتراء , الرئيس الفرنسى السابق ساركوزى الجارى محاكمته الآن عن اتهامات فساد مالى , والمغنى شارل آز ناقور الذى توفى بعد شهور من اصدارهم هذا اللغو .

أما كتاب الأستاذ العقاد الذى استوحيت من عنوانه فإنه درة بحق , يدور حول العقيدة ، والمعاملات ، والحقوق ، والأخلاق والآداب ـ فى الإسلام ، وصدرت أولى طبعات هذا الكتاب الضافى سنة 1957 بطلب من المؤتمر الإسلامى الذى صار المجلس الأعلى للشئون الإسلامية فيما بعد ، واحتفى المؤتمر الإسلامى بالكتاب احتفاءً خاصًّا ، وصدرت أولى طبعاته فى طبعة قشيبة ، بتقديم من أنور السادات سكرتير عام المؤتمر آنذاك ، وأعادت دار الهلال نشر الكتاب لأهميته ضمن مطبوعات الهلال ، ثم عاودت نشره بكتاب الهلال ليعم نفعه ، بالعدد / 169 فى أبريل 1965 ، حاملاً ذات مقدمة أنور السادات . وتعددت طبعات الكتاب بعد ذلك لأهمية ومستوى معالجة ما تضمنه من موضوعات ومن إيضاح متين لحقائق الإسلام ، ورد مفحم على الأباطيل التى يزعمها خصومه . ونشر الكتاب بعد ذلك بالمجلد الخامس من المجموعة الكاملة لمؤلفات العقاد . بيروت ، ثم بالمجلد الخامس من موسوعة العقاد الإسلامية . بيروت ، كما نشرته نهضة مصر سنة 2003 ، وتوجد منه عدة طبعات بالأسواق.

وجرى هذا الكتاب الضافى على فصول أربعة رئيسية ، الفصل الأول فى العقائد ، وتناول الحديث عن العقيدة الإلهية ، ثم عقيدة النبوة ، ثم العقيدة فى الإنسان ، ثم عن الشيطان ، ثم عن العقائد فى العبادات ، ودار الفصل الثانى عن المعاملات ، بينما دار الفصل الثالث حول الحقوق ، فشمل الحرية الإسلامية ، والأمة ، والأسرة ، وزواج النبى ، والطبقة ، والرق ، وحقوق الحرب ، وحقوق الإمام . أما الفصل الرابع والأخير ، فعن الأخلاق والآداب الإسلامية أعقبته خاتمة الكتاب .

وفى تقديم أنور السادات سكرتير عام المؤتمر الإسلامى للكتاب ، أشار إلى طول التصدى للإسلام بقصد النيل منه ، واستمرأ كثيرون التخفف من أحكامه ، بدعوى حرية الفكر

والبحث ، دون أن يتفطنوا إلى أن الفكر يتطلب غزارة المعرفة واتساع الأفق ، وعمق

البحث ، وسلامة المنطق ، وإيمان القلب ، ونصوع الحجة ، والإنصاف والاستقامة والتنزه عن الهوى .

وأنه إذ كان المتفق عليه أن الأستاذ عباس محمود العقاد موفور النصيب من هذا كله ، لذلك اتجه التفكير إلى الأستاذ العقاد ليضع كتابًا لبيان الإسلام ومؤازرة الحق وتأييده ، ومقاومة الباطل وتفنيده ، وأنه إذ لاقى ذلك ارتياحًا من الأستاذ العقاد ، كان هذا الكتاب :

« حقائق الإسلام وأباطيل خصومه » ، والنية متجهة إلى ترجمته إلى الإنجليزية ، وإلى اللغات الآسيوية ، ليعم الانتفاع به .

 

فاتحة

 

وقدم الأستاذ العقاد لكتابه بفاتحة ، ارتآها تمهيدًا واجبًا ، أبان فيه أن خطاب الدين لا يتجه فقط إلى المؤمنين المصدقين ، إنما يجب أن يتجه الخطاب أيضًا إلى المتشككين والمترددين ، بل المنكرين والمعطلين ، لأن المنكر المتعطل أولى بتوجيه الخطاب والبيان الصحيح إليه .

فهل للدين حقيقة قائمة ؟

وهل للدين ضرورة لازمة ؟

والسؤالان لا يتشابهان فقط ، ولكن يتحدان فى سؤال واحد ، اقتضت الإجابة عنه صفحات هذا الكتاب ، والأستاذ العقاد يبادر إلى تقرير أن جلال هذا الموضوع يستوجب أكثر من كتاب ، لمحاصرة وكشف أغاليط شكوك المترددين والمنكرين ، للقضاء ابتداءً على أسباب الشك والتردد ، وبيان جوانب الحقيقة ، ومصاحبة القارئ على وعدٍ ببيان فضل وعمق ما ارتضاه المؤمنون ، وتفضيله وإنكار ما عداه .

 

* * *

 

وأكبر الشبهات ـ فيما يقول ـ التى تعترض عقول المنكرين والمتشككين، شبهتان : شبهة الشر فى العالم ، وشبهة الخرافة فى كثير من العقائد الدينية ، وعن هاتين الشبهتين يستهل الأستاذ العقاد مادة هذا الكتاب .

 

شبهة الشر

هذه أقدم الشبهات التى صادفت عقل الإنسان منذ عرف التفرقة بين الخير والشر ، وأنهما متعارضان لا يتصف بهما كائن واحد .

وربما كانت تفرقة الإنسان الهمجى بين شعائر السحر وبين شعائر العبادة هى المقدمة الأولى لحل هذه المشكلة العصية .

ومع معارج الحضارة والإدراك ، اهتدى الإنسان إلى حل آخر أوفى وأقرب للمعقول ، حيث آمن بإلهين سمى أحدهما إله النور والآخر إله الظلام ، وجعل النور عنوانًا للخيرات ، والظلام عنوانًا للشرور .

إلاَّ أن هذا الحل لا يرضى عقول المؤمنين بالتوحيد ، ولا يحل مشكلة الشر فى الوجود .

ولعل من أوفى الحلول ما يطلق عليه حل الوهم ، والحل المسمى حل التكافل بين أجزاء الوجود .

وخلاصة حل الوهم اعتقاد القائلين به أن الشر وهم لا نصيب له من الحقيقة ، وأنه محض عرض زائل يتبعه الخير الدائم . بيد أن هذا لا يحل الإشكال ولا يغنى ضمير المعتقد به فضلاً عن المعترضين عليه .

وخلاصة ما يُطلق عليه حل التكافـل بين أجـزاء الوجـود ، اعتقـاد القائلين به أن الشر لا يناقض الخير فى جوهره ولكنه جزء متمم أو شرط لازم لتحقيقه ، فلا معنى للخير بغير شر ، مثلما لا معنى للشجاعة بغير خطر ولا للكرم بغير حاجة . ولكن هذا الحل على قربه من الإقناع ، لا يغنى عن سؤال الحائر : لماذا هذا التكافل لازم فى طبيعة الوجود ؟

ويرى الأستاذ العقاد بعد ما عرضه ، أن المشكلة كلها هى مشكلة الشعور الإنسانى ، وليست فى صميمها بالمشكلة العقلية ولا بالمشكلة الكونية .

وهنا ينبه إلى خطأ فروض أو افتراضات البعض فى شأن الإله ، من ناحية وجود النقائص والآلام ، وعدم بلوغ مرتبة الكمال المطلق .

ومن البديهى أن يكون الخالق أكمل من المخلوق ـ وألاَّ يخلو المخلوق من نقص يتنزه عنه الخالق ، فاتفاقهما فى الكمال المطلق مستحيل وغير متصور ، ولا يحل تصوره مشكلة من المشكلات ، وأى نقص فى العالم المخلوق فهو حقيق بأن يتسع لهذا الشر الذى نشكوه ونشكو ما يقترن به من آلام .

وعلى ذلك فوجود الشر فى العالم لا يناقض صفة الكمال الإلهى ولا صفة القدرة الإلهية .

هذا وقد يختلف مدلول القدرة الإلهية ومدلول النعمة الإلهية بعض الاختلاف فى هذا الاعتبار ، فقد يرى الله ألاَّ ينعم بنعمة قادر بقدرته عليها .

وليس الشر إذن مشكلة كونية ولا مشكلة عقلية ، ولكنه فى حقيقته مشكلة الهوى الإنسانى الذى يرفض الألم ويتمنى السرور الدائم الغالب على طبائع الأمور .

وإذا كان فى هذا الوجود حكمته التى تطابق كل حالة من حالاته ، فلا بد من حكمة فيه تطابق طبيعة ذلك الشعور ، ولا توجد حكمة تطابق أو يمكن أن تطابق هذا الشعور غير الدين .

فالشعور الإنسانى فى هذه المشكلة ، يتطلب الدين ويتنادى إليه ، وهنا يتجلى فساد منطق المترددين والمعطلين الذى يخلطون خلطًا معيبًا الخرافات بالعقل ، بحيث يعسر عليه أحيانًا أن يوفق بين عقائد الدين وحقائق المعرفة العلمية .

زر الذهاب إلى الأعلى