في دوحة الإسلام (77)

في دوحة الإسلام (77)

نشر بجريدة صوت الأزهر الأربعاء 28/7/2021

بقلم: الأستاذ/ رجائي عطية نقيب المحامين

لا زعامة في الدين

وإنما هي أخوة في الله

واتجاه إلى الله

الهداية قوام الإسلام، بلا قهر ولا قسر ولا إرغام.. وكسبت دعوة الإسلام ـ الأرواح والقلوب التي استيقظت فطرتها تجاه الإسلام ـ بمشاهدة المسلمين المخلصين وما تحلّوا به من ثبات عماده الصدق والصبر.

لا يسمح الإسلام بتوجيه أي قوة لقهر الفرد على اعتناق الإسلام:

« لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ » ( البقرة 256 )

« قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إَلاَّ بَشَرًا رَّسُولاً  » ( الإسراء 93 )

والنبوة المحمدية هي نبوة هداية للعقل والضمير، ولم يُطلب منها غير هذه الهداية.. فقال الله تعالى لصفيّه المبعوث رحمة للعالمين:

« إِنْ عَلَيْكَ إِلاَّ الْبلاَغُ » ( الشورى 48 )

« يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُّنِيرًا » (الأحزاب 45، 46 )

« وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ » ( الأنبياء 107 )

وعلى رشاد النبوة المحمدية، واعتمادها على الهداية بالحكمة والموعظة الحسنة، فإن الله تعالى ضَرَبَ المثل للجميع على أنه لا إكراه بتاتًا في الدين، فقال لنبيه في كتابه العزيز:

« وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ » (يونس 99 ).

« فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنتَ مُذَكِّرٌ * لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ » ( الغاشية 21، 22 )

« وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ » ( الكهف 29 )

ولم تزد الآية إلاَّ بيان ما أعده الله تعالى للكافرين.

وقال تعالى آمرًا نبيه المصطفي عليه السلام:

« قُلِ اللّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ » ( الأنعام 91 )

فلا إسلام بلا روح ولا حرية ولا إخلاص، ولا إسلام بلا ولاءٍ حقيقىًّ إلى الله.

ومن أسلم كرهًا من المحال أن يحمل أي صفة من هذه الصفات الأساسية للإيمان الذى يعتد به الإسلام.

انتشر الإسلام انتشارًا واسعًا في بلدان عديدة لم يدخل إليها جندى مسلم، وامتد انتشاره إلى الأصقاع الشمالية، وإلى مجاهل أفريقيا، وبلغ تعداد هؤلاء المسلمين ما يناهز الآن نحو بليونين.. منقادون على اختلاف أوطانهم وبيئاتهم ـ منقادون لله عز وجل، متمسكون بالولاء له ولكتابه المجيد وسنة نبيه عليه الصلاة والسلام.. لا يمحو أحدٌ منهم أو يجور على شخص غيره، وإنما يصافيه ويعينه على الاستمرار في التوجه إلى الله تعالى.

تعالى الحق سبحانه علوًّا كبيرًا عن أن يكون حكرًا لشعب أيًّا كان، أو أن تكون معرفته أو الهداية إليه وعبادته والولاء له ـ امتيازًا لشعب أيًّا كان ـ دون سواه.

وفي آية جامعة عامة شاملة، تنوّه بأن إسلام الوجه لله هو الأساس، يقول تبارك وتعالى في كتابه المبين:

« بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِندَ رَبِّهِ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ » (البقرة 112 ).

ولا يفوت المتأمل الفاهم البصير، أنه خلال الأربعة عشر قرنًا التي مرت، لم يفلح أي شعب مسلم في أن يتزعم زعامة دينية ـ سائر الشعوب المسلمة الأخرى.

فلا أفضلية لشعب على آخر في الإسلام.

ولا أفضلية لأحد في الإسلام إلاَّ بالتقوى والعمل الصالح.

وبذلك تكرر البيان في القرآن الكريم وفي السنة الصحيحة.

الرغبة في الزعامة الدينية لا تتفق ورسالة الإسلام، ولا تصلح معها دعوة الحق..

وما يصدق على الأمم والشعوب، يصدق بداهة على الأفراد..

لا زعامة دينية لأحدٍ على أحدٍ في الإسلام.

الإسلام والنهي عن الإساءة إلى النساء

من مناقب الإسلام، التي حض عليها القرآن الكريم، وأوجبها، وأكدتها السنة النبوية، إنصاف المرأة، أمًّا كانت أو أختًا أو زوجةً أو ابنةً.. حتى المطلقة ؛ شملها الإسلام برعايته، ونهي عن الإساءة إليها..

إمساك الزوجة لا يكون إلاَّ بالمعروف، وإمّا بالتسريح بإحسان.. واحتجاز المطلّقات كرهًا وإضرارًا بهن ـ وزرٌ كبير وذنب عظيم..

يقول الحكم العدل، سبحانه وتعالى:

« وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النَّسَاء فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلاَ تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لَّتَعْتَدُواْ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ » ( البقرة 231 )

ويقول لنا عز وجل في كتابه المبين:

« وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ أَن يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْاْ بَيْنَهُم بِالْمَعْرُوفِ ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ مِنكُمْ يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ » ( البقرة 232 ). صدق الله العظيم

ولا يسمح الإسلام بإرث النساء كرهًا، وينهي عن ذلك، فيقول عز وجل في كتابه المجيد:

« يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُواْ النِّسَاء كَرْهًا وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُواْ بِبَعْضِ مَآ آتَيْتُمُوهُنَّ » ( النساء 19 )

هذا ما يأمرنا به القرآن الكريم، فهل قرأه المتعنتون الذين يغتالون ميراث النساء ويستولون على أموالهن كرهًا، والذين يتفننون في إعضالهن، منهم من يطلّق ولا يوثق طلاقه، فيحرم المطلّقة من حقها في إثبات تطليقها ويعضلها حتى لا تتزوج، أو يجبرها على معاشرته في الحرام !! ومنهم من يمسكها ضرارًا لا يبتغى بإمساكها سوى الإضرار بها وحجب حقها العادل في الحياة.. ومنهم من يمسك النفقة الواجبة عليه للمطلّقة ولبنيه وبناته إنْ كانوا في حضانتها !! ومنهم من يعضل زوجته أو مطلّقته للاستيلاء بغير حق على ما سبق أن آتاها بإرادته حلالاً طيبًا ! ومنهم من يتغوّل على حقوق وإرث أخواته الإناث، ويستولى عليه كرهًا بغير حق ؟!

يكره الله تعالى الظلم والظالمين، ويقول لنا في كتابه العزيز:

« إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَظَلَمُواْ لَمْ يَكُنِ اللّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلاَ لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقاً » ( النساء 168 ).

« وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِن قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُواْ وَجَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ وَمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ » ( يونس 13 ).

« إِنَّ اللّهَ لاَ يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَـكِنَّ النَّاسَ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ » ( يونس 44 ).

مقابل ذلك، جاءتنا البشارات الربانية بثواب الرحمة والرفق والحلم وحسن الخلق، فهو سبحانه لم يبعث رسوله المصطفي عليه الصلاة والسلام إلاَّ رحمةً للعالمين، وقال له:

« وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ » ( الأنبياء 107 ).

وقال عز وجل:

« لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ » ( التوبة 128 ).

سبحانه وتعالى القائل في كتابه العزيز:

« وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ » ( الروم 21 ).

* * *

  • قال ذو النون المصرى: « أدب العارف فوق كل أدب، لأن معروفَهُ مؤدبُ قلبه ».
  • رعاية لأدب الحضرة مع الله، لم يقل عيسى عليه السلام: لم أقـل، وإنمـا قال: « إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ » ( المائدة 116 ).
  • في الصلاة تحقيق العبودية، وأداء حق الربوبية.
  • قال بعض العارفين: من الساجدين من يتسع دعاؤه، وينتشر ضياؤه، يبسط الجناحين، ويتواضع بقلبه إجلالاً، ويرفع بروحه إكرامًا وإفضالاً.. فيجتمع له الأنس والهيبة، والحضور والغيبة، ويكون في سجوده سابحًا في بحر شهوده، لم يتخلف منه عن السجود شعرة.
  • سبحانه وتعالى القائل: « وَلِلّهِ يَسْجُدُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلالُهُم بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ » ( الرعد 15 ). صدق الله العظيم
زر الذهاب إلى الأعلى