هل هي حلم يقظان
من تراب الطريق (1133)
هل هي حلم يقظان
نشر بجريدة المال الاثنين 5/7/2021
بقلم: الأستاذ/ رجائي عطية نقيب المحامين
كثيرًا ما شبهت الحياة بأنها حلم يقظان، ولكن قدرًا يسيرًا منها هو الذي يتسم بالوضوح، وكذلك الجزء الأكبر من التجربة لدى غالبية الناس، قد تكون مشوشة غير متناسقة وفظيعة أحيانا، ولكن التعرض لهذه المثيرات هو الذي يحفز على الشعور والفكر. وهنا يكون المحفز: كيف يتم التحول أو الانـتقال مــن الدوافع اللا إرادية إلى الاستجابات غير الخاضعة لضابط أو رابط ؟ كيف يعيد الفنان تشكيل التجربة وتحويلها إلى شيء وادع حاد، مستأنس ومستغرب في نفس الوقت ؟ وما الدور الذي تلعبه الفنون في تجربتنا وما الذي يضفي عليها ما فيها مـن إغراء وبهجة ؟
من أهم وظائف الفنان أن يجعل التجربة أخّـاذة بأن يمنحها الحياة. الفنان سواء أكان شاعـرًا أم رسامـًا أم مثالاً أم مهـندسًا معماريًا ـ يتناول الأشعار كما يتناول الشاعر والقصاص الأحداث على نحو يجبر العين على التوقف ونشدان المتعة في الرؤية، كما يجبر الآذان على الاستماع، والعقل على لذة الاكتشاف لذاته دون سعى إلى نفع. عندئذ لا يصبح المقعد مجرد إشارة لراغب في الجلوس أو الوجه المعبر مجرد شيء يغرى، بل يصبح هذا أو ذاك ـ بؤرة لون وشكل يتخذ في الرسم مغزى تصويريا، أو يصبح الوجه شيئا يستحق النظر إليه من حيث كونه قد صار ذا أهمية تصويرية يرضى ويثير في آن واحد.
هذا وتوجد آلاف الأسباب التي تدعو الفنان ومحب الجمال للهروب إلى الفنون الجميلة، وقد لوحظ أن الفنانين كثيرا ما يعجزون عن مواجهة مطالب الحياة المادية التي تبدو لهم مشاكلها كليلة أو محيرة، بينما عقولهم مدربة على التكيف مع دائرة واحدة جميلة بقدر ماهي صغيرة. ومع ذلك لا يجب أن نشعر بالدهشة حين نرى الفنان غير خبير بأمور الدنيا وشواغلها، وينظر إليها في بعض الأحيان على أن شواغلها حماقة وجنون. فماذا في وسع عقل معدنه ثمين، صعب الإرضاء، أن يفعل إزاء ما في الأحداث أحيانا من سماجة وغلظة ؟ وماذا تصنع روح الفنان ـ التي ترى التنافر شرا ـ في منابذات السياسة والأخلاق ؟
تعلقنا بحياتنا ليس تعلقا بشيء نملكه.. لأننا لا نملكها بل هي التي تملكنا.. وهذا الواقع يخفي عنا أغلب الأحيان دوام اشتغال الوعى بنصيب كل منا من المتاح أو المرجو أو المأمول كأحياء موجودين.. وقد نظن بعض الوقت أنها ضمن ما تملكه (الأنا) لكل منا. والحال أن الحياة هي التي أوجدت (الأنا) وأنها هي التي أوجدت وعينا ولا وعينا وسائر أجهزتنا النفسية والفسيولوجية والاجتماعية.. وهي بداية كل شيء ونهايته بالنسبة للآدمي ـ الذي يفقد كل ما عنده أو معه بما في ذلك ذاته إذا فقدها، ويصبح لديه إذا عاش كل شيء يتخيله ممكنا.. على الأقل في أحلامه وخياله.. لأن خيالنا وأحلامنا ليست إلا امتدادًا لوعينا الحي وتعبيرا من التعابير التي ليس لها حصر على أننا أحياء.