في افتتاحية مجلة المحاماة.. نقيب المحامين يكتب: المحاماة كما يجب أن تكون
كتب: محمد علاء
أصدرت نقابة المحامين العدد الأول من مجلة المحاماة لعام 2021، وجاءت افتتاحية العدد لنقيب المحامين الأستاذ رجائي عطية بمقال تحت عنوان: المحاماة كما يجب أن تكون.
وقال نقيب المحامين: «لذلك لم يكن حميدًا احتجاب مجلة المحاماة لسنوات طوال، وقد كان ينهض بها وبكل ملاحقها الأستاذ الكبير عصمت الهواري، رحمه الله، وكانت عودتها إلى الحياة ضرورة يحرص عليها كل محام محب للمحاماة، مدرك لدور العلم والمعرفة في إعطاء الكلمة حقها المتفق مع رسالتها ومع رسالة المحاماة».
واعتمد نقيب المحامين الأربعاء، العدد الأول من المجلة التي قد أجرت النقابة ممارسة عامة لطباعتها رست على دار أخبار اليوم بتكلفة بلغت 581 ألف جنيه، وذلك لطبع 60 ألف نسخة بالمواصفات الواردة بكراسة الشروط.
نص المقال الافتتاحي للمجلة:
رجائي عطية يكتب: المحاماة كما يجب أن تكون
المحاماة ليست ظاهرة كلامية وحشاها أن تكون. فالكلمة وإن كانت عمادها وروحها وركازها وسنادها وسلاحها، إلا أن هذه الكلمة ليست محض حروف أو صيغ أو تراكيب، وإنما هي علم ومعرفة وبيان، وحجة وبرهان.
لذلك لم يكن حميدًا احتجاب مجلة المحاماة لسنوات طوال، وقد كان ينهض بها وبكل ملاحقها الأستاذ الكبير عصمت الهواري، رحمه الله، وكانت عودتها إلى الحياة ضرورة يحرص عليها كل محام محب للمحاماة، مدرك لدور العلم والمعرفة في إعطاء الكلمة حقها المتفق مع رسالتها ومع رسالة المحاماة.
يحق لأي آدمي يتقن صناعة الكلمة، ويربطها بالفعل والسلوك – أن يفاخر بأنه أديب أو شاعر أو صحفي أو كاتب أو مؤلف أو حكيم أو روائي، وأن يباهي الدنيا بأنه من صناع الكلمة الموهوبين في نحتها وتركيبها ومعرفة أسرار معانيها وإيماءاتها وجَرْسِها ومعمارها، المتمكنين في التوليف وسبك مترادفاتها في صياغة تجلي المعنى وتحفظ الجرس وتستقر شحنتها في وجدان المتلقي.
بيد أن الكلمة -عُدّة المحاماة- تعبير حقيقي عن رسالتها ولب القيام بأمانتها، وهي لن تحقق هذه الغاية إلا إذا كان سنادها العلم والمعرفة.
لم يكن صدفة أن تعانقت الكلمة والمحاماة، فبينهما علاقة حميمة وتأثير متبادل يصل حد الاندماج، كلاهما يأخذ من الأخر ويصب فيه، لذلك ظلت المحاماة على صلة دائمة لم تنقطع أبدًا بالأدب والفكر والثقافة، وارتفع إلى قمة الأدب قمم في المحاماة، وسطر عمالقة المحاماة صفحات رائعة في الآداب والفكر والثقافة، حتى بات عسيرًا أن ترد أحدهم إلى هذه دون تلك.. عرف الأدب والفكر الدكتور محمد حسين هيكل في زينب أول رواية مصرية وفي حياة محمد والفاروق عمر ومنزل الوحي وجان جاك روسو وغيرها، مثلما عرفته ساحات المحاكم محاميًا لامعًا ووزيرًا بارعًا ورئيسًا شامخًا لمجلس الشيوخ المصري.. وعرفت الحيادة الأدبية توفيق الحكيم الذي كان أول إلهاماته في عالم الأدب مستوحى من تجربته في ساحة القضاء برائعته: يوميات نائب في الأرياف، وكتابه: عدالة وفن، إلى أحر عنقود المؤلفات الأدبية والفكرية الرائعة الذي مثل به الحكيم أحد أضلاع التنوير في القرن العشرين.. وعرفت الحياة الأدبية يحيى حقي خريج الدفعة ذاتها (1925) التي تخرج فيها توفيق الحكيم، ووالدي عطية عبده، يرحمهم الله، أيام كان مسماها مدرسة الحقوق الملكية، وعاينت دوره -أقصد الأستاذ يحيى حقي- الذي امتزجت فيه رؤيته بالمحاماة وتجربته كمعاون إدارة، مع تراب مصر، وعبق تاريخها، ورحلاته الخارجية، وسياحاته في الفكر والأدب الإنساني، ليقدم مزيجًا رائعًا لأديب مفكر فذ التقت فيه هذه الروافد في عطاء متبادل: عشق الكلمة، خليها على الله، صح النوم، قنديل أم هاشم، دماء وطيبن، أم العواجز، وباقة من أميز ما قدم إلى المكتبة العربية في القرن العشرين.. قليلون يعرفون أن الدكتور محمد مندور أستاذ النقد والنقاد، وصاحب كتاب النقد المنهجي عند العرب وتصانيف نقد الشعر والمسرح والأدب، خريج حقوق القاهرة دفعة 1930 التي كان أولها المحامي الأشهر والمفكر والأديب والشاعر الفذ الدكتور محمد عبد الله محمد.. لا أحسب أحدًا بلغ القمة التي ارتقاها محمد عبد الله محمد في صمت جليل وتواضع لافت، وقليلون اطلعوا على عالم هذا الرجل الذي قدم سوامق الفكر وروائع الأدب والأشعار.. فكما ظلمت رواية: قنديل أم هاشم، يحيى حقي، فتغولت على باقي أعماله فإن كتاب محمد عبد الله محمد: «في جرائم النشر»، شد انتباه الجميع فلم يعد أحد يدرك أن لهذا المحامي العالم الأديب –إلى جوار جرائم النشر وبسائط علم العقاب- كتاب فذ في «معالم التقريب»، وأشعار بالغة الإتقان والجزالة والعمق؛ قمت بجمعها له بعد لأي في ديوانه «العارف» و«الطريق».. وقليلون -بعد مضي الزمن!- من بقوا يتذكرون كيف اجتمع الأدب والمحاماة في الأفذاذ إبراهيم الهلباوي وعبد العزيز فهمي وأحمد لطفي السيد أستاذ الجيل وصاحب كتاب أرسطو ورئيس تحرير الجريدة وأول رئيس لمجمع اللغة العربية، وقاسم أمين صاحب كتابي: تحرير المرأة والمرأة الجديدة، ومصطفى مرعي وفكري أباظة ومحمد التابعي وأحمد حسين، والمحامي المؤرخ عبد الرحمن الرافعي، وفتحي رضوان وغيرهم من حبات هذا العقد الذين ازدانت بهم صفحات الفكر والأدب مثلما ازدانت صفحات المحاماة!
ويبدو أن فنون المرافعات، الشفوية والمكتوبة، هي التي «أقامت صلة متينة» بين الأدب والمحاماة، فجوهر المحاماة أنها رسالة إقناع.. شحنة من الحجج والبراهين، يعرضها المحامي على قضاته.. شفاهةً في الأصل، وكتابةً إذا لزم الأمر..
يحق لنا إذن أن نبتهج بعودة مجلتنا إلى الصدور بعد طول غياب، وأن نحتفي بتلك العودة لأنها عودة بنا إلى المحاماة كما يجب أن تكون. لقد قام على هذا العمل الجليل نخبة من الزملاء عملوا بجد وإخلاص، بلا ضجيج ولا استعراض، يحق لهم أن نشكرهم، وواجب علينا أن نتواصل معهم، ونتعاون في إثراء مجلتنا بالبحوث والدراسات والمقالات والأحكام، وأن نتخذ من مجلتنا مائدة كمائدة المسيح عليه السلام، نتغذى منها بكل صائب وجميل ولازم لحياة رسالة المحاماة.