من توابع الفوضى ! (7)
من توابع الفوضى ! (7)
نشر بجريدة الوطن الجمعة 23 / 4 / 2021
بقلم: الأستاذ/ رجائي عطية نقيب المحامين
من المؤسف أن تلك الفوضى متراكمة الصور والنتائج، أدت إلى العجز عن أن نستخلص أنفسنا من وهدة الاشتجارات والانحيازات لنرتفع إلى متطلبات وضع دستور يُفْترض أن يتيح لنا التقدم للأمام لا أن يرجع بنا إلى الخلف، ومن المؤسف أن نجد أنفسنا بعد عام ونصف في قاع أزمة دستورية مستعصية، تورى بأزمات قادمة، أسوأ ما فيها أنها تهدد دستورية الدولة، بأن جعلت الدستور المأمول نهبًا للعجز والمآرب والأغراض، وتعرض مضمونه لأن يكون مطية لانحيازات ضريرة، بدلًا من أن يكون بوصلة قائدة رائدة لمستقبل يتآلف فيه أبناء الوطن في رعاية دستور يعبر عنهم وينظم مسيرتهم لمتابعة الانطلاق في عالم لا يجوز أن نتخلف عنه !
ومن المؤسف أيضًا أن الفوضى قد أغرت وتفشت وانتشرت حتى تجذرت في النفوس، وصارت غاية وأسلوبًا في كل شيء، حتى انبهمت القيم، واختلطت الأوراق، وساءت النذر والمؤشرات بتعدد الأزمات، وغياب العقل مع ضياع النظام، حتى صارت دولة القانون في مهب الريح !!!
لم يكن المراقب لتوابع الفوضى يحتاج أن ينتظر ما سوف يُسفر عنه الحكم المتوقع بشأن مجلس الشورى وأثره على ما تعجل إهداره في استهدافه للصحافة والصحفيين، ولا أن ينتظر الأحكام المتوقع صدورها من القضاء الإداري بشأن إقصاءات متعسفة واضحة الجور كحالة الأستاذ عبد الفتاح الجبالي رئيس مجلس إدارة الأهرام الذي استخدم حقه في اللجوء بمظلمته إلى القضاء.. ولا يحتاج المراقب ـ تدليلًا على توابع الفوضى ـ أن ينتظر ما قد عساه يحكم به القضاء الإداري بشأن الجمعية التأسيسية التي شاب البطلان قرار تشكيلها، ولا ما لحق هذا التشكيل من أعضاء انسحبوا ولم يجر استعواضهم، وآخرين عينوا في الحكومة وفي مؤسسة الرئاسة بوظائف رئيسية ما بين مساعدين وهيئة استشارية إلى جوار الرئيس، وقام التعارض بين مهامهم التنفيذية والرئاسية، وبين ما ينبغي توفره في أعضاء الجمعية التأسيسية من تجرد تام ليؤدوا واجبهم القومي بلا تأثر أو تعارض أو انحياز !!!
لا يحتاج المراقب إلى انتظار ما ستقذف به الأحكام المتوقعة من إثبات لتوابع الفوضى وما أفضت وتفضى إليه، ولا ما سوف تأتى به الأيام ـ وربما أحكام قضائية ـ بشأن الإعلان الدستوري الذي أصدره الرئيس في 12 أغسطس 2012 وأعطى به لنفسه، فيما أعطى، سلطة التشريع إلى جانب سلطات أخرى كثيرة منها الانفراد بتشكيل الجمعية التأسيسية إذا قام مانع ـ يحول بينها وبين القيام بمهمتها !
لا يحتاج المراقب إلى شىء من ذلك لتتضح له توابع الفوضى، فالإدارة الإخوانية القائمة على شئون البلاد لا تنتظر ولا تتمهل، وإنما تعاجلنا كل يوم بالجديد المنبئ عن تفشى الفوضى في الحكم ذاته وفي الإدارة بغير ضوابط اللهم إلاَّ ضابط الأخونة.. حتى القَسَم المعتاد من عشرات السنين أن يكون معبرًا عن احترام الدستور والقانون، وعن الولاء للدولة
لا لشاغل منصب، رأينا رئيس المخابرات العامة وهيئة الأمن القومي، يوضع أمامه مصحف ليضع عليه يده في إشارة لا تفوت إلى أسلوب القسم بالبيعة والولاء الذي يؤديه الإخوان في جماعتهم، وتملى عليه صيغة القسم التي أُدخلت عليها التعديلات التي خرجت به عن المعنى العام للولاء للدولة واحترام الدستور والقانون، إلى الولاء الشخصي !!
طبعًا كمسلم لا اعتراض لي على «المصحف».. فهو كتاب الله الذي أومن به كمسلم، ولكنى أعلم من القرآن ذاته أنه حثنا على ألا نجعل منه أو من الله عرضة لأيماننا، فقال عز وجل: « وَلاَ تَجْعَلُواْ اللّهَ عُرْضَةً لأيْمَانِكُمْ أَن تَبَرُّواْ وَتَتَّقُواْ » (البقرة 224).. وقبل أن يعاجلني أحد بأن هذا القسم تفرضه موجبات الوطن وحقوقه، أجيب بأن هذه الموجبات والحقوق قد أقصيت بتعديل صيغة اليمين تعديلًا يسحب من صيغة الولاء للوطن وحقوقه العامة، إلى ولاء شخصي وضع حالف اليمين في حرج من رفض القسم به وربما خشية رد فعل هذا الرفض، فانطبقت بذلك تحذيرات الآية القرآنية أن نجعل الله تعالى عرضةً لأيماننا !!
لم أصدق عيني حين أتاني على الفيس بوك صفحات من الطبعة الجديدة لكتاب التربية الوطنية للصف الأول الثانوي، وتعجبت متى وكيف أتيح للإخوان إجراء هذا التعديل الخطير على مناهج التعليم.. فأمامي بالكتاب حديث متكرر عن الولاء للجماعة لا الولاء للوطن، ومعنى الجماعة حاضر لا يغيب مقصوده عن اللبيب وغير اللبيب.. حتى وإن تحايلت العبارات بذكر جماعة الأسرة ثم المدرسة، فسرعان ما أفصحت وقالت : «الجماعة الدينية»، لتعود إلى التمويه بجماعات العمل المهنية في المؤسسة أو المصلحة الحكومية أو خارج العمل كالنقابات. فقد رجعت العبارات في التو واللحظة لتفصح عن مرامها ومقصودها فتقول بحصر اللفظ : « إن الشعور بالانتماء إلى أعضاء الجماعة ينتج عن اندماج الإنسان مع الجماعة التي ينتمى إليها لأنها ترضى دوافعه وحاجاته مما يزيد من شعوره بالأمن وثقته بنفسه ورغبته في الإنجاز ».
ثم تقفي العبارات الإخوانية، فتضيف وبحصر اللفظ أيضًا : « والمنتسب إلى جماعة عليه حق الولاء لها والتضحية من أجلها مهما كلفه الأمر » !!!
أعود فأقول متى أدخل الإخوان هذه التعديلات على كتاب التربية الوطنية ليتحول من تربية وطنية إلى تمهيد صارخ لبيعة إخوانية ؟! وما الذي ذهب بالكتاب من المطبعة الأميرية التي تطبع كل كتب وزارة التربية والتعليم، وطبعت الطبعات السابقة من ذات هذا الكتاب ـ من الذي ذهب بالطبعة الجديدة 2012/2013 إلى « دار الرحمة » وهى مطبعة إخوانية ؟!! ثم إن هذه المعاجلة دالة على أنهم دخلوا إلى المسرح بوجبات جاهزة تامة التجهيز قبل تولى دست الحكم.. وفي مقدمة هذه الوجبات الجاهزة، تامة التجهيز، الدستور المزمع الذي يتحاور حوله المخدوعون أو المنخدعون، ظنًا أو تصويرًا أنهم يتناقشون ويتحاورون حول دستور، بينما الدستور قابع سلفًا في مكمنه في انتظار لحظة الخروج به إلى استفتاء يطمئن الإخوان إلى قدرتهم في السيطرة عليه !!!
لقد بادرت يومها بإبلاغ المسئولين عن الكتب وعن المناهج في التربية والتعليم، منبهًا إلى ما يجرى من وراء أستار الخفاء، لتربية النشىء على تلك المفاهيم التي تخدم المشروع السياسي ــ وليس الديني ــ للإخوان..
ويبدو لي أنّ من توابع هوجة الفوضى بلا أي ضابط، القرار الذي أصدره الرئيس الإخواني في 12 أغسطس 2012، ونشر بذات اليوم بالجريدة الرسمية، وتضمن إلغاء الإعلان الدستوري المكمل، وإصدار إعلان دستوري أعطى به الرئيس الإخواني لنفسه بنفسه سلطات واسعة بالغة الاتساع، نص فيما نص عليها فيه على السلطات المقررة بالمادة 56 من الإعلان الدستوري الصادر 30 مارس 2011، والذي أقسم الرئيس الإخواني على احترامه، ولا يزال ساريًا آنذاك وتصدر على مقتضاه القرارات الجمهورية التي تورده في ديباجتها كمرجعية وسند لإصدار هذه القرارات.