سخاء وتوالد الحياة !
سخاء وتوالد الحياة !
نشر بجريدة أخبار اليوم السبت 31/10/2020
بقلم: الأستاذ/ رجائي عطية نقيب المحامين
هل تأّمل أحد في آيات الحياة الولاَّدة من حولنا !!.. لو تأملنا بذور الجوافة والتين والعنب ولب الخيار والقرع والبطيخ والشمام وحب الحبوب والبقول ـ لرأينا فيها دليلا ماثلا أمام كل عين على سخاء الحياة وغناها الهائل ، وعلى إصرارها الذي لا يكاد يُغلب …
فهي لا تسمح بإفلات أية فرصة قريبة أو بعيدة للبقاء والتوالد ، وتتخذ من الانتشار والإكثار وسيلة من وسائل المزيد من بقاء الحياة كأصل ، وبقاء النوع كفرع ، وأنه بما أودع فيه يكفى أي حركة للبذرة أو ما في حكمها في أي اتجاه ، ولأي سبب .. واع أو غير واع .. لإيجاد فرصة لانطلاق حياة جديدة .. ففي مصادفة عجيبة تتلاقى فيها ـ لحظة الاجتماع ـ كل الشرائط اللازمة والملائمة لهذا الانطلاق الذي يبث إلى الوجود حياة جديدة .
ومن يتأمل يرى أن الكائن الحي لا يكف قط عن محاولة الإبذار .. تهيأت تلك اللحظة أو لم تتهيأ .. تحقق التوالد بالإبذار أو بغيره ـ أو لم يتحقق .. لا يستغنى الكائن قط عن هذا الإبذار وما في حكمه .. لأن الحياة دءوبة وفى صيرورة لا تعرف اليأس ، وإصرارها أبدا لا ينفد .. وليس لها عمر ببداية ونهاية كأعمار الكائنات .. وهى في ديمومتها واستمرارها وإصرارها تتعامل مع الأحداث والأشياء ومدى روابطها وكيفيتها ـ على أساس لا تبديل له أنها هي الباقية والأحداث والأشياء غير دائمة !
بخلاف تعامل الآدميين معها ، فإننا نوجد ونزول كما تزول الأحداث والأشياء .. ويحتاج وعينا إلى أن يكون له زمان ومكان ، وتاريخ وماض وحاضر ومستقبل ، ومقر وموطن .. لنحيا حياتنا الواعية المدركة التي نتصورها ونتذكرها في إطار الزمان والمكان فقــط ! .. وبـدون هـذا ” الإطار ” لا يكون في وسعنا أن نتصور أو نتذكر ما مر أو يمر بحياتنا الواعية !
* * *
وقد يتساءل المتأمل : هل يوجد « تصميم » لخلقة وتكوين أي كائن حي سابق على وجود ذلك الكائن .. وأين ومتى وكيف ؟ هل هذا السؤال وارد أم أنه من أصداء وعينا الذي يعيش في إطار الزمان والمكان ؟
قالوا إن مادة الـ D . N .A موجودة في الكروموزومات والمادة الخلوية ، وإنها هي التي توجه أنشطة الخلايا في الكائن إلى أنواعها واختصاصاتها ووظائفها ، وتكوّن وتشكل الأعضاء والأجهزة المختلفة للكائن على مدى حياته .. بيد أن هذه كلها أمور كلية لا تفسر خصائص واستعدادات الكائن الفرد . ومـن أين جاءت وما هي الأسرار والقدرات الذاتية الكامنة فيها ؟! هذه الأسرار والقدرات هي التحدي الذي يواجه الإنسان ، ولا يعي مصدره ، وهو يحتاج إلى تأمل طويل وتبصر لما في داخله من عالم واسع لا يدرك كنهه ، فما أوتينا من العلم إلاَّ قليلاً ، وقد دعانا الله وقال لنا في كتابه المبيـن :
« وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلاَ تُبْصِرُونَ »
« وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلاَ تَتَفَكَّرُونَ »
« وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ »
ومن يتأمل منا الحياة في نفسه ، يجدها بأنواعها وألوانها نظامًا كاملاً متكاملاً عميقًا شديد العمق صارم القواعد والضوابط ، وليست كما يقول البعض ـ صدفة من صدف الكون ولا خبطة عشوائية جزافية غير مقصودة . وصدق الخالق جل شأنه إذ يقول في محكـم تنزيله : « سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِن يَـرَوْاْ كُـلَّ آيـَةٍ لاَّ يُؤْمِنُواْ بِهَا وَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ الرُّشْدِ لاَ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً وَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَكَانُواْ عَنْهَا غَافِلِينَ » ( الأعراف : 146 )