لا أصل للخلافة في الإسلام !(10) صواب رؤية الأستاذ العقاد

من تراب الطريق (952)

لا أصل للخلافة في الإسلام !(10)

صواب رؤية الأستاذ العقاد

نشر بجريدة المال الأحد 11/10/2020

بقلم: الأستاذ رجائي عطية نقيب المحامين

حين كتب الأستاذ العقاد كتابه الضافي : « الفلسفة القرآنية » الصادر سنة 1947 ، كان قد صدر من أكثر من عشرين عامًا كتاب « الإسلام وأصول الحكم » للشيخ على عبد الرازق ، ورسالة « فقه الخلافة » للأستاذ السنهوري ، وما رمت إليه هذه الرسالة ـ مع إقرارها بأن الخلافة كانت « ناقصة » ، بعد عهد الراشدين ، من تحقيق وحدة الأمة في صورة تنظيم سياسي يضمن لها المكانة الدولية ، مع تسليمه بأن الظروف الحاضرة ـ آنئذ ـ يتعذر فيها إقامة الخلافة الكاملة الصحيحة .

ويلاحظ أن الأستاذ العقاد قد تحاشى بكتابه « الفلسفة القرآنية » الدخول في هذه المنطقة التي تباينت فيها الآراء ، ورأى كفايته فيما تضمنه القرآن الكريم من آيات واضحة صريحة تقرر مبادئ الحكم في الإسلام ، وتحكم أي حكومة أيًّا كان شكل النظام السياسي الذى تتبعه .

واحتكم الأستاذ العقاد من البداية ، إلى سبع آيات قرآنية ، يستهل بها حديثه :

« وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ » ( الشورى 38 )

« وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ » (آل عمران 159 )

« وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ » ( الشعراء 215 )

« إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ » ( الحجرات 10 )

« إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ » ( الكهف 110 )

«  قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ » (آل عمران 64 )

« وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِجَبَّارٍ » ( ق 45 )

وجملة ما يقال في هذه الحكومة المحكومة بهذه الآيات القرآنية ، أنها الحكومة التي لمصلحة المحكومين ، لا لمصلحة الحاكمين .. يُطاع الحاكم ما أطاع الله ، فإن لم يطعه فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ..

« أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ » ( النساء 59 )

« وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ » ( النساء 58 )

ويرى الأستاذ العقاد أن كل أركان حكم الأمة قائم في هذه الحكومة التي أرسى القرآن مبادئها.

ولا يفوت المتمعن ، أن الأستاذ العقاد أفصح عن أن الحكومة التي وصفها القرآن ، هي حكومة توافق الحكومات العصرية ، وأن سمتها البارز هو الديمقراطية ، وتدار على مبدأ الشورى والمساواة ، ولمصلحة المحكومين ، ورفض السيطرة الفردية أو الاستبداد .

وهو بذلك يؤصل أن هذه الحكومة ليست حكومة ثيوقراطية تحكم باسم الإله ، أو تدعى أنها ظله في الأرض ، وقد رأينا في مقالة له عن « حكومة النبي وخلفائه » ، إفصاحه عن أن حكومة النبي عليه السلام وخلفائه الراشدين لم تكن حكومة « ثيوقراطية » ، أي حكومة يستأثر بها رجال الدين أو طائفة من الرهبان والأحبار ، ولا تشارك فيها الأمة برأي ، وإنما الحكم في الإسلام حق لجميع المسلمين ، يتولاه الأكفأ الصالح له , الذى تتفق الجمهرة على صلاحيته للحكم .

هذا وليس رفض « الثيوقراطية » والانحياز إلى حكومة مدنية خروجًا عن الإسلام ، وإنما رفض للحكومة الدينية التي ترى أنها تحكم باسم الله ، وأنها ظله في الأرض ، تتحدث بمشيئته وتعمل بإرادته كما أبدى أبو جعفر المنصور صراحة في إحدى خطبه ، أما الحكومة المدنية فإنها لا تنسلخ من الإسلام ، وتطبق أحكامه ومبادئه المنظمة للحياة دون أن تتماحك بأنها تحكم باسم الله أو أنها ظل الله في الأرض ، وعلى العكس من هذا النظر« الثيوقراطي »  بدأ أبو بكر خلافته بخطبة قال مما قاله فيها : « قد وليت عليكم ولست بخيركم ، فإن أحسنت فأعينوني ، وإن صَدفت ( أي حدت ) فقوموني » .

وقال عمر بن الخطاب في أول حديث له بعد مبايعته : « أيها الناس ! ما أنا إلاَّ رجل منكم ، ولولا أنى كرهت أن أردَّ أمر خليفة رسول الله ـ ما تقلدت أمركم » ، وعاد فقال في اليوم الثالث لولايته : « ولكم علىّ ألا أجتبى شيئًا من خراجكم ولا ما أفاء الله عليكم إلاّ من وجهه ، ولكم علىّ إذا وقع في يدى ألا يخرج منى إلاّ بحقه .. فاتقوا الله ، وأعينوني على أنفسكم بكفها عنى ! وأعينوني على نفسي بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وإحضاري النصيحة فيما وليت من أمركم » .

عود على بدء

لقد ألممنا إلمامة سريعة بما قاله الشيخ على عبد الرازق فى الإسلام وأصول الحكم وقلب عليه الدنيا من نحو قرن ، وعادت فاتسعت له عقول وآراء بعد سنين ، وبما قاله الأستاذ الدكتور عبد الرزاق السنهورى فى فقه الخلافة ، والذى لم يمنعه تشيعه لها من أن يصف ما بعد الخلفاء الراشدين بأنه « خلافة ناقصة » لأنها لم تطبق المبادئ التى أوردها القرآن والسنة فى شأن الحكم .

ولا أحسب أننا فى تلمس ورؤية طريقنا إلى الله وإلى طاعته والتزام أوامره ونواهيه ـ بحاجة إلى كل هذا التنظير ، وحسبنا أن المبادئ التى يتعين التزامها فى الحكم ، مبادئ واضحة جليّة فى عشر آيات قرآنية ، وفى السنة الشريفة التى لم تخالف الكتاب المبين . وأن ما التزمها كان فى الطريق إلى الله وعلى أحكامه وشريعته ، وأن ما خالفها أو ناقضها أو تحايل عليها ـ ليس من الدين فى شىء ، وإنما هو بمعزل عن الطريق الواضح الجلى إلى الله عز وجل .

وواضح أن الإسلام قرآنًا وسنةً ، قد اكتفى بهذه المبادئ العامة ، وهى تصلح للحكم والحكومة والحاكم ، وتصلح للحياة العامة وما تستلزمه الحياة الخاصة أيضًا .

بيد أنه لم يرد فى القرآن الكريم ، ولا فى السنة النبوية ، إلزام بشكل ونظام حكومة معينة ، ولو أراد الله تعالى أن يلزم المسلمين بشكل ونظام وحكم بعينه ، لنص عليه فى القرآن المجيد ، وهو سبحانه القائل عنه فيه : « مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ »( الأنعام 38) ، ولازم ذلك أن خلو القرآن من تحديد شكل ونظام معين للحكم ، أن إرادة الله تعالى لم تشأ ذلك ، وإلاَّ لنصت عليه .

ولو كان النبي عليه الصلاة والسلام ، أراد شيئًا من ذلك ، لتحدث به حديثًا صريحًا محددًا ، ولو كان يريد استخلافًا في شكل خليفة وخلافة ـ لأمر بذلك ، ولو كان قد أراد أن يستخلف أحدًا بعينه ، ما حجزه عن ذلك حاجز ولا حائل ، ولكنه عليه الصلاة والسلام فارق إلى ربه ، دون أن يستخلف أحدًا ، ودون أن يعين أو يحدد خلافة ، ودون أن يرسم أي شكل ونظام للحكم على المسلمين اتباعه والالتزام به .

نحن إذن أمام مبادئ عامة ، تصلح للحكم ولغير الحكم ، ويصلح بها حال الحكم وغير الحكم ، ولا يحتاج الأمر كذلك إلى دخول المعترك الذي اختلف فيه العلماء هل الخلافة ـ بالذات ـ أصل أم لا من أصول الحكم في الإسلام .

فما دام الإسلام لم يحدد صورة معينة لشكل ونظام الحكم والحكومة ، فإن الاجتهاد في ذلك وارد ، شريطة أن يلتزم الحاكم والحكومة بالمبادئ التي نص عليها القرآن الحكيم وعاضدتها السنة الشريفة .

فأى نظام من أنظمة الحكم ، مرهون جوازه باتباع المبادئ التي أوجبها الإسلام قرآنًا وسنة .

زر الذهاب إلى الأعلى