حكم المحكمة الدستورية العليا رقم ١٦ لسنة ١ دستورية

حكم المحكمة الدستورية العليا رقم ١٦ لسنة ١ دستورية

تاريخ النشر : ١٩ – ٠٥ – ١٩٨٣

منطوق الحكم : عدم دستورية

مضمون الحكم : حكمت المحكمة بعدم دستورية المادة الثالثة من القرار بقانون رقم ٧٢ لسنة ٦٣ بتأميم بعض الشركات والمنشآت – فيما تضمنته من النص علي أن تكون قرارات لجان التقويم “نهائية وغير قابلة للطعن فيها بأي وجه من أوجه الطعن”

الحكم

برياسة فاروق سيف النصر رئيس المحكمة وحضور فتحى عبد الصبور ومحمد على راغب بليغ ومصطفى جميل مرسى وممدوح مصطفى حسن ومحمد عبد الخالق النادى ومنير أمين عبد المجيد أعضاء ومحمد ابراهيم أبو العنين المفوض وأحمد على فضل الله أمين السر .

– – – ١ – – –
إن المشرع لم يسبغ على لجان التقويم – المشكلة طبقاً لأحكام القرار بقانون ٧٢ لسنة ١٩٦٣ – ولاية الفصل فى خصومات تنعقد أمامها بقرارات حاسمة طبقاً لإجراءات و ضمانات معينة ، و إنما عهد إليها بمهمة لا تعدو تحديد أسعار أسهم بعض الشركات التى تتخذ شكل شركات المساهمة و تقويم رؤوس أموال المنشآت التى لم تتخذ هذا الشكل ، لتقدير أصولها و خصومها توصلاً لتحديد قيمة التعويض الذى يستحق قانوناً لأصحابها مقابل تأميمها ، دون أن يفرض على تلك اللجان إخطار ذوى الشأن للمثول أمامها لسماع أقوالهم و تقديم أسانيدهم و تحقيق دفاعهم أو يوجب عليها تسبيب ما تصدره من قرارات و غير ذلك من الإجراءات القضائية التى تتحقق بها ضمانات التقاضى ، و من ثم فإن هذه اللجان لا تعدو أن تكون مجرد لجان إدارية و تعتبر قراراتها قرارات إدارية و ليست قرارات قضائية . و لا يغير من ذلك ما ذهبت إليه الحكومة من أن تشكيل هذه اللجان برئاسة أحد المستشارين يضفى على أعمالها الصفة القضائية و يوفر منذ البداية الرقابة القضائية عليها بما يغنى عن الرقابة اللاحقة بالطعن فيها ، ذلك أن مجرد مشاركة أحد رجال القضاء فى تلك اللجان – التى يغلب على تشكيلها العنصر الإدارى – لا يخلع بذاته عليها الصفة القضائية طالما أن المشرع لم يخولها سلطة الفصل فى خصومة ، و ما دامت لا تتبع فى مباشرة عملها إجراءات لها سمات إجراءات التقاضى و ضماناته على نحو ما تقدم .

– – – ٢ – – –
إن المادة ٦٨ من الدستور تنص على أن ” التقاضى حق مصون و مكفول للناس كافة، و لكل مواطن حق الإلتجاء إلى قاضيه الطبيعى . . . و يحظر النص فى القوانين على تحصين أى عمل أو قرار إدارى من رقابة القضاء ” . و ظاهر من هذا النص أن الدستور لم يقف عند حد تقرير حق التقاضى للناس كافة كمبدأ دستورى أصيل ، بل جاوز ذلك إلى تقرير مبدأ حظر النص فى القوانين على تحصين أى عمل أو قرار إدارى من رقابة القضاء، و قد خص الدستور هذا المبدأ بالذكر رغم أنه يدخل فى عموم المبدأ الأول الذى يقرر حق التقاضى للناس كافة و ذلك رغبة من المشرع الدستورى فى توكيد الرقابة القضائية على القرارات الإدارية و حسماً لما ثار من خلاف فى شأن عدم دستورية التشريعات التى تحظر حق الطعن فى هذه القرارات ، و قد ردد النص المشار إليه ما أقرته الدساتير السابقة ضمناً من كفالة حق التقاضى للأفراد و ذلك حين خولتهم حقوقاً لا تقوم و لا تؤتى ثمارها إلا بقيام هذا الحق بإعتباره الوسيلة التى تكفل حمايتها و التمتع بها و رد العدوان عليها .

– – – ٣ – – –
إن الدساتير سالفة الذكر قد تضمن كل منها نصاً على أن المواطنين لدى القانون سواء، و أنهم متساوون فى الحقوق و الواجبات العامة كما ورد فى الدستور القائم هذا النص فى المادة ٤٠ منه ، و لما كان حق التقاضى من الحقوق العامة التى كفلت الدساتير المساواة بين المواطنين فيها ، فإن حرمان طائفة معينة من هذا الحق مع تحقق مناطه – و هو قيام المنازعة على حق من حقوق أفرادها – ينطوى على إهدار لمبدأ المساواة بينهم و بين غيرهم من المواطنين الذين لم يحرموا من هذا الحق .

– – – ٤ – – –
أن المادة الثالثة من القرار بقانون رقم ٧٢ لسنة ١٩٦٣ إذ نصت على أن قرارات لجان التقويم – المشكلة طبقاً لأحكامه – قرارات نهائية و غير قابلة للطعن فيها بأى وجه من أوجه الطعن – و هى قرارات إدارية على ما سلف بيانه – تكون قد حصنت تلك القرارات من رقابة القضاء و إنطوت على مصادرة لحق التقاضى و إخلال بمبدأ الساواة بين المواطنين فى هذا الحق بما يخالف المادتين ٤٠ و ٦٨ من الدستور .
– – – المحكمة – – –
بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الايضاحات والمداولة. حيث إن الدعوى أستوفت أوضاعها القانونية. وحيث إن الوقائع – على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق – تتحصل فى أن المدعين كانوا قد أقاموا الدعوى رقم ٨٣٦ لسنة ٢٦ ق أمام محكمة القضاء الإدارى – طالبين الحكم بإلغاء قرار لجنة تقويم شركة “أبو الهول لصناعة وتجارة الغزل والمنسوجات” – المكونة منهم والتى شملها التأميم بمقتضى القرار بقانون رقم ٧٢ لسنة ١٩٦٣ – مع ما يترتب على ذلك من آثار أهمها إعادة تقويم الشركة على أسس قانونية عادلة. وأثناء نظر الدعوى دفع المدعون بعدم دستورية المادة الثالثة من ذلك القرار بقانون فيما نصت عليه من أن قرارات لجان التقويم المشكلة طبقا لأحكامه نهائية وغير قابلة للطعن فيها بأى وجه من أوجه الطعن، فقضت المحكمة فى ١٧ يناير سنة ١٩٧٨ بوقف الدعوى وأمهلت المدعين ثلاثة أشهر لرفع دعواهم الدستورية، فأقاموا دعواهم الماثلة. وحيث إن المدعين ينعون على المادة الثالثة من القرار بقانون رقم ٧٢ لسنة ١٩٦٣ بتأميم بعض الشركات والمنشآت أنها إذ نصت على أن قرارات لجان التقويم المشكلة طبقاً لأحكامه نهائية وغير قابلة للطعن فيها بأى وجه من أوجه الطعن – وهى بطبيعتها قرارات إدارية – تكون قد أخلت بحق التقاضى الذى تكفله الدساتير السابقة كما عنى الدستور القائم فى المادة ٦٨ منه بالنص على صونه والنهى عن تحصين الأعمال والقرارات الإدارية من رقابة القضاء. وحيث إن القرار بقانون رقم ٧٢ لسنة ١٩٦٣ بتأميم بعض الشركات والمنشآت بعد أن نص فى مادته الأولى على أن “تؤمم الشركات والمنشآت المبينة بالجدول المرافق لهذا القانون وتؤول ملكيتها إلى الدولة….”، وفى مادته الثانية على أن “تتحول أسهم الشركات ورؤوس أموال المنشآت المشار إليها إلى سندات اسمية على الدولة لمدة خمس عشرة سنة….. وتكون السندات قابلة للتداول فى البورصة”. قضى فى مادته الثالثة بأن “يحدد سعر كل سند بسعر السهم حسب آخر اقفال لبورصة الأوراق المالية بالقاهرة قبل صدور هذا القانون، فإذا لم تكن الأسهم متداولة فى البورصة أو كان قد مضى على آخر تعامل عليها أكثر من ستة شهور فيتولى تحديد سعرها لجان من ثلاثة أعضاء يصدر بتشكيلها وتحديد اختصاصها قرار من وزير الصناعة على أن يرأس كل لجنة مستشار بمحكمة الاستئناف يختاره وزير العدل. وتصدر كل لجنة قراراتها فى مدة لا تجاوز شهرين من تاريخ صدور قرار تشكيلها وتكون قرارات اللجنة نهائية وغير قابلة للطعن فيها بأى وجه من أوجه الطعن. كما تتولى هذه اللجان تقييم المنشآت غير المتخذه شكل شركات مساهمة”. وحيث إن مؤدى هذه النصوص أن المشرع لم يسبغ على لجان التقويم – المشكلة طبقاً لأحكام القرار بقانون ٧٢ لسنة ١٩٦٣ سالف البيان – ولاية الفصل فى خصومات تنعقد أمامها بقرارات حاسمة طبقاً لاجراءات وضمانات معينة، وإنما عهد إليها بمهمة لا تعدو تحديد أسعار أسهم بعض الشركات التى تتخذ شكل شركات المساهمة وتقويم رؤوس أموال المنشآت التى لم تتخذ هذا الشكل، لتقدير أصولها وخصومها توصلاً لتحديد قيمة التعويض الذى قد يستحق قانوناً لاصحابها مقابل تأميم، دون أن يفرض على تلك اللجان اخطار ذوى الشأن للمثول أمامها لسماع أقوالهم وتقديم أسانيدهم وتحقيق دفاعهم أو يوجب عليها تسبيب ما تصدره من قرارات أو غير ذلك من الإجراءات القضائية التى تتحقق بها ضمانات التقاضى، ومن ثم فإن هذه اللجان لا تعدو أن تكون مجرد لجان إدارية وتعتبر قراراتها قرارات إدارية وليست قرارات قضائية. ولا يغير من ذلك ما ذهبت إليه الحكومة من أن تشكيل هذه اللجان برئاسة أحد المستشارين يضفى على أعمالها الصفة القضائية ويوفر منذ البداية الرقابة القضائية عليها بما يغنى عن الرقابة اللاحقة بالطعن فيها، ذلك أن مجرد مشاركة أحد رجال القضاء فى تلك اللجان – التى يغلب على تشكيلها العنصر الإدارى – لا يخلع بذاته عليها الصفة القضائية طالما أن المشرع لم يخولها سلطة الفصل فى خصومة، وما دامت لا تتبع فى مباشرة عملها اجراءات لها سمات اجراءات التقاضى وضماناته على نحو ما تقدم. وحيث إن المادة ٦٨ من الدستور تنص على أن “التقاضى حق مصون ومكفول للناس كافة، ولكل مواطن حق الالتجاء إلى قاضيه الطبيعى…. ويحظر النص فى القوانين على تحصين أى عمل أو قرار إدارى من رقابة القضاء”. وظاهر من هذا النص أن الدستور لم يقف عند حد تقرير حق التقاضى للناس كافة كمبدأ دستورى أصيل، بل جاوز ذلك إلى تقرير مبدأ حظر النص فى القوانين على تحصين أى عمل أو قرار إدارى من رقابة القضاء. وقد خص الدستور هذا المبدأ بالذكر رغم انه يدخل فى عموم المبدأ الأول الذى يقرر حق التقاضى للناس كافة وذلك رغبة من المشرع الدستورى فى توكيد الرقابة القضائية على القرارات الإدارية وحسما لما ثار من خلاف فى شأن عدم دستورية التشريعات التى تحظر حق الطعن فى هذه القرارات، وقد ردد النص المشار إليه ما أقرته الدساتير السابقة ضمنا من كفالة حق التقاضى للأفراد وذلك حين خولتهم حقوقا لا تقوم ولا تؤتى ثمارها إلا بقيام هذا الحق باعتباره الوسيلة التى تكفل حمايتها والتمتع بها ورد العدوان عليها. وحيث إنه من ناحية أخرى فإن الدساتير سالفة الذكر قد تضمن كل منها نصا على أن المواطنين لدى القانون سواء، وأنهم متساوون فى الحقوق والواجبات العامة كما ورد فى الدستور القائم هذا النص فى المادة ٤٠ منه. ولما كان حق التقاضى من الحقوق العامة التى كفلت الدساتير المساواة بين المواطنين فيها، فإن حرمان طائفة معينة من هذا الحق مع تحقق مناطه – وهو قيام المنازعة على حق من حقوق أفرادها – ينطوى علىإهدار لمبدأ المساواة بينهم وبين غيرهم من المواطنين الذين لم يحرموا من هذا الحق. لما كان ذلك، فإن المادة الثالثة من القرار بقانون رقم ٧٢ لسنة ١٩٦٣ إذ نصت على أن قرارات لجان التقويم – المشكلة طبقا لأحكامه – قرارات نهائية وغير قابلة للطعن فيها بأى وجه من أوجه الطعن – وهى قرارات إدارية على ما سلف بيانه – تكون قد حصنت تلك القرارات من رقابة القضاء وانطوت على مصادرة لحق التقاضى واخلال بمبدأ المساواة بين المواطنين فى هذا الحق بما يخالف المادتين ٤٠ و٦٨ من الدستور. وحيث إنه لما تقدم، يتعين الحكم بعدم دستورية المادة الثالثة من القرار بقانون رقم ٧٢ لسنة ١٩٦٣ بتأميم بعض الشركات والمنشآت – فيما تضمنته من النص على أن تكون قرارات لجان التقويم “نهائية وغير قابلة للطعن فيها بأى وجه من أوجه الطعن”.

 

زر الذهاب إلى الأعلى