ومضة قانون ( ١٥ ) ” نَعَمْ .. دَعوَةٌ لِدِرَاسَة تَارِيخِ القَانُوْن “
بقلم : أحمد خميس غلوش
تعلّمنا فى السّنة الأولى من دراستنا لموادّ القانون بكليّة الحُقوق ..
سيّما مادّة فلسفة وتاريخ النّظم القانونيّة والاجتماعيّة
_ التّالى :
” تاريخ الشئ يحوى من الحقائق ما يفسّر حاضره ”
و تنطوى مثلَا .. القراءة لكتاب فلسفة وتاريخ النظم القانونية والاجتماعية للدكتور / مصطفى صقر _أستاذ ورئيس قسم فلسفة القانون وتاريخه ؛ على عدّة جوانب رئيسة منها :
تُعطى هذه الدراسة بلاشكٍ ، فقهاء المستقبل نماذج يرون فيها كيف أن النظم القانونية ترتبط عند سائر الشعوب ، عبر تاريخها الطويل، بالنظم الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والفكرية برابطة لا انفصام لها ، وكيف أن القانون ، باعتباره وليد الفكر البشرى يختلف باختلاف البيئة والجيل .
و أن النظم القانونية الحالية تعتبر تهذيبََا لنظم سابقة ، كما أن بعضََا من هذه النظم يحمل فى ثناياه الكثير من معالم النظم القانونية القديمة ، من ذلك مثلا أنّ نظام الإكراه البدنى لتنفيذ الحكم بالتعويض المأخوذ به فى بعض التشريعات الوضعية ، هو فى الحقيقة أثر تاريخى تمتد جذوره إلى القوانين القديمة وخاصّة القانون الرومانى الذى أباح للدائن أن يحبس المدين أو يبيعه خارج حدود روما .. إذا عجز عن الوفاء بدينه .
كذلك يفرّق القانون الوضعى بين الحق العينى والحق الشخصى ، وما يصدق على ماسبق يصدق على كثير من النظم القانونية المطبقة فى الوقت الحاضر ، فهذه النظم لها جذور تاريخية تمتد إلى بعض النظم القديمة ، وتلك النظم القديمة أخذت تتطور وتتعدل بعد نشأتها بما يلائم حاجة المجتمع الذى تحكمه حتى وصلت إلينا بحالتها الحاضرة .
ولذلك فإنه لا يمكن فهم النظم المعاصرة فهما صحيحا وسليما إلا على ضوء ما مرت به عبر رحلة من الزمن الطويلة من تطورات وتعديلات .
إن التّحليل التاريخى يؤدى إلى نتائج علمية تتمثل فى الكشف عن أسباب وظواهر والوقوف على القواعد التى تحكم نشأتها وتسير تطورها ، وذلك بقصد استخلاص مايحتمل أن يحدث من تطور فى النظم مستقبلا ، فإذا كان الماضى يفسر الحاضر ، فإن الحاضر بدوره يمهد للمستقبل .
ومن ثمّ فإن دراسة تاريخ النظم القانونية تساهم فى إعداد رجل القانون ذى الثقافة القانونية الواسعة وتجعله قادرا على شرح القواعد القانونية وتأصيلها ومعرفة سيرتها وتطورها على مر الزمان .
وتاريخ القانون هو الذى يوسع مداركنا ويمنحنا القدرة على التمييز بين الصالح والفاسد من هذه النظم والحكم عليها حكما صحيحا مستندا إلى تجارب الماضى ، كما يوفق بين رغبتنا الشديدة فى المحافظة على التقاليد وحاجاتنا المُلِحّة إلى الابتكار والتجديد .
وفضلا عن ذلك فإن دراسة تاريخ القانون تساهم فى تنمية الملكة القانونية لدى المشتغلين بالقانون .
فلو أن هؤلاء اقتصرت مهمتهم على إيجاد الحلول للمشاكل التى تثور عند تطبيق القانون لترتب على ذلك أن تقف مداركهم عند حد المنازعات اليومية وهذا يؤدى إلى جمود ملكاتهم القانونية .
وهنا أستطيع أن أقول بكلّ فخرٍ ..أن المُحامى : تتوافر لديه هذه المُكنَات ، وعليه دومََا .. صقل مواهبه ورؤاه وطاقاته بالتعلّم والبحث المستمرّ ، والتّنقيب عن كنوز المعرفة حتى وإن كانت متمثّلةََ فى إعادة فهم و تحليل وقراءة الماضى ؛ من أجل استقراء واستجلاء الحاضر .
وعليه ؛ فإنّ المُحاماة دومَا متعطّشةٌ للعلم ، فتُعتبر هذه الدّعوة لدراسة تاريخ القانون .. أنهار عَودَةٍ حميدةٍ .. آتيةٍ من ضفاف تُراثنا .. فتروى لها هذا الظّمَأ وتروى بهدير مائها الحاكِى .. قَصصَ الفكرِ القانُونى .