هل سيحل الذكاء الإصطناعي والمحامي الروبوت محل المحامي البشري
بقلم/مصطفى جمال
في إطار التطور والتنامي الملحوظ لتقنيات الذكاء الإصطناعي، أصبحت تشكل مصدر قلق كبير لدى العديد من المهن البشرية نظراً لقدرتها الكبيرة على معالجة كم هائل من البيانات وبسرعة تفوق الإنسان البشري وبنتائج تزيد دقتها عن الإنسان البشري، ومن ضمن المهن التي اقتحم الذكاء الإصطناعي سبر أغوارها مهنة المحاماة.
فقد كشفت دراسة نشرت في أغسطس 2018 على منصة لوجيكس Law Geex ، وهي منصة رائدة في مراجعة العقود بالذكاء الاصطناعي، أن من ضمن المهن التي يتفوق فيها الذكاء الإصطناعي على الإنسان البشري هي مهنة المحاماة وعلى وجه التحديد، صياغة العقود ومراجعتها بدقة.
وفي هذه الدراسة، أجريت تجربة تم فيها اختيار 20 محامياً ماهراً لمواجهة الذكاء الإصطناعي في منصة لوجيكس Law Geex لمراجعة مسودة خمس عقود لإتفاقيات مختلفة وصممت ظروف الدراسة لتشبه الطريقة التي يراجع فيها المحامون عادة العقود اليومية .
وبعد شهرين من الإختبار أنجز الذكاء الاصطناعي المهمة بدقة تصل نسبتها إلى 94%، بينما كان متوسط دقة المحامين 85%، وأظهرت الدراسة أن البشر يمكنهم غالباً مواكبة الذكاء الإصطناعي من ناحية الدقة في مراجعة العقود، لكن الأمر يختلف عندما يتعلق الأمر بسرعة الإنجاز.
فقد استغرق المحامون 92 دقيقة في المتوسط للإنتهاء من مراجعة العقود، وكان أطول مده احتاجها أحد المحامين هي 156 دقيقة، والأقل مدة 51 دقيقة، بينما لم يستغرق الأمر من الذكاء الإصطناعي سوى 26 ثانية فقط.
ولفتت دراسة لو جيكس Law Geex الإنتباه إلى النجاح الذي حققته تجربة “روس Ross ” أول محامي روبوت ابتكرته مؤسسة “روس انتليجانس Ross intelligence ” في عام 2016، بواسطة “IBM Watson”، التابع لشركة “IBM”.
ويقدم “روس Ross ” اليوم خدماته بنجاح في شركة المحاماة الشهيرة ” بيكر آند هوستيتلر” المتخصص في قضايا الإفلاس، وأارت الدراسة أن التكلفة الباهظة للإستعانة بخدمات المحامين في الولايات المتحدة ستدفع الكثيرين إلى الإهتمام بمزيد من الإبتكارات الذكية في عالم القانون والمحاماة.
ويقول “أندرو أرودا”، الرئيس التنفيذي والشريك المؤسس لشركة المحاماة ” بيكر آند هوستيتلر” ، إنه يمكن من خلال “Ross”، تحجيم المحامين الذين يطلبون مبالغ مالية غالباً ما تكون باهظة مقابل الإستشارات القانونية، أو توضيحات حول حيثيات الأحكام القضائية، وتقديم الخدمات القانونية بسعر مناسب لكافة المواطنين الأمريكين، وأضاف أندرو أن التحدي الحقيقي في بناء “Ross” حتى الآن، هو إيجاد وسيلة تجعله يفكر بطريقة بديهية، وبرمجته للرد على استفسارات الناس بالطريقة المعتادة بين البشر، وليس فقط من خلال رسائل صوتية وكلمات رئيسية محملة على ذاكرته.
كما قد ظهر مشروع جديد يحمل اسم “لومينانس” ابتكره طلاب بجامعة كيمبردج بالتعاون مع محامين في مكتب “سلوتر أند ماي” للاستشارات القانونية ، يستخدم هذا المشروع الذكاء الإصطناعي لقراءة الوثائق وتسريع الإجراءات القانونية المتعلقة بالصفقات .
وفي السعودية ظهر مؤخراً ومنذ أيامٍ قليلة تطبيق ” المحرر القانوني ” وهو بوت عربي قادر على صياغة العقود والإتفاقيات والخطابات والنماذج في ثواني قليلة، وبدون أي تكلفة أو حتى معرفة قانونية مسبقة.
وهناك الكثير والكثير من النماذج والتطبيقات الناتجة عن دخول التقنيات الحديثة مثل الذكاء الإصطناعي عالم المحاماة، وأثرها على تقديم الخدمات القانونية بشكل أسرع وبتكلفة أقل.
ومن استعراض النماذج السابقة، يطرأ في أذهاننا هذا التساؤل “هل سينافس الذكاء الإصطناعي المحامين في مهنتهم .. هل ستتفوق خوارزميات الذكاء الإصطناعي على المحامين البشر وسيحل المحامي الروبوت محل المحامي البشري ؟
وللإجابة على هذا التساؤل لابد أن نستعرض مدى قدرة كلا من الذكاء الإصطناعي والمحامي البشري في أعمال المحاماة.
في الوقت الحالي، يقتصر الذكاء الاصطناعي في القانون بشكل أساسي على البحث ، حيث يتخذ شكل “خدمات البحث عبر الإنترنت ” بشكل أسرع وبنتائج أعلى عكس حيث المحامون الذين يقضون وقتاً أطول في البحث في الكتب التي لا نهاية لها، في حين أنه يمكن للذكاء الإصطناعي البحث وقراءة المستندات وتفسيرها وتحديد النتائج ذات الصلة في غضون ثواني قليلة.
يتفوق المحامون على الذكاء الإصطناعي في تقديم الإستشارات القانونية وإجراء التحليلات القانونية والتي تعطي قيمة إضافية للإستشارة أثناء تقديمها إلى العميل أما الذكاء الإصطناعي لايمكنه تقديم نصيحة محددة للعميل بشأن مسألة محددة، ولكن يمكنه الإجابة على أسئلة قانونية بسيطة وشائعة.
يوفر الذكاء الإصطناعي وقت المحامين، حيث لا يتعين عليهم الإجابة على نفس الأسئلة القانونية القديمة بشكل متكرر وإنما يتم توكيل الذكاء الإصطناعي في هذه المهمة، كما يتم استخدام خوازميات التعلم الألي للتنبؤ بنتيجة القضية بناءً على تحليل قرارات المحكمة السابقة وعوامل أخرى، وبالتالي يُمكّن المحامين من اتخاذ قرارات أفضل وإعطاء نصائح أفضل بناءً على التنبؤ بالنتيجة.
وبالتالي يتضح لنا أنه وإن كانت خوارزميات الذكاء الإصطناعي قد أثبتت تفوقها على المحامي البشري في بعض المهام، إلا أن لكل منهم مايميزه، وبالتالي نجد أن دخول الذكاء الإصطناعي لمجال المحاماة وعمل الذكاء الإصطناعي بجانب المحامي البشري سيكون مصدر قوة للمحامي البشري، فسيتولى الذكاء الإصطناعي أداء المهام الروتينية التي تستهلك الوقت مثل مراجعة العقود واستغراق الكثير من الوقت في البحث بين الكتب والمجلدات، والرد على الإستشارات والأسئلة القانونية المتكررة، مما سيتيح له الوقت للتفرغ للمهام التي تتطلب جهداً أكثر وتركيزاً أكثر مثل صياغة المذكرات والدفوع القانونية والتحليل القانوني.
وبالتالي فلا أعتقد أن الذكاء الإصطناعي أو مايسمى بالمحامي الروبوت قد يحل محل المحامي البشري وإنما سيعمل كليهما سوياً مع بعضهما البعض وسيكونان فريق عمل رائع مزيج بين تقنية الذكاء الإصطناعي والعقل البشري، وهو ماسيسهم كثيراً في تطوير سوق العمل القانوني وتقديم الخدمات القانونية.