نقيب المحامين المُؤرِخ.. كاتب تاريخنا القومي 

     كان للأستاذ النقيب المؤرخ الكبير عبدالرحمن الرافعي الذي كتب تاريخنا القومي، صديقًا يعرض عليه ما يكتبه ـ يؤرخه ـ قبل النشر، وفي إحدى الليالي ذهب إليه ليرى ما كتبه، فأشار إلى سلة المهملات، فوجده قد قطع ما كتبه فقال له: أتقتل ابنك وهو جنين، اتركه يرى النور ويخرج للحياه.

فقال له الرافعى : وما فائدة ما نكتب إذا كانت الناس لا تقرأ، وكتاباتنا لم تغير من الواقع شىء .

فقال له: اتركها تخرج للناس فلا أحد يعرف ما تخبئه لنا الأقدار .

 يحكى الكاتب الصحفى الكبير الراحل عبد العظيم مناف رئيس مجلس إدارة ورئيس تحرير مؤسسة الموقف العربي، أن هذه كانت ليلة ٢٣ يوليو ١٩٥٢، وقد كان وقامت الثورة، وخرجت الصحف بعناوينها ومقالاتها مستمدة من كتابات الرافعي.

حتى إن الرئيس محمد نجيب قال ذات يوم: إن ثورة ٢٣ يوليو وتنظيم الضباط الأحرار قد استمد أفكاره وأهدافه الوطنية والقومية من كتب الرافعي .

و«الرافعي» قد كتب تاريخنا القومي منذ عصر محمد علي والخديوي إسماعيل والثورة العرابية، وعن الحزب الوطني وزعماءه مصطفى كامل ومحمد فريد الذي كان ينتمى إليه، وثورة ١٩١٩ وثورة ١٩٥٢، وساهم فى كتابة دستور ١٩٥٣، وكان نقيبًا للمحامين منذ ١٩٥٤، وإن كان يؤخذ عليه إشتراكه فى وزارة حسين سرى الإئتلافية عام ١٩٤٩ كوزيرآ للتموين، وهذا لا يتفق مع مبادىء الحزب الوطني التي ترفض الاشتراك في أي وزارة، وهو من قادة الحزب الذين ثاروا على رئيسه حافظ رمضان عندما قبل الوزارة فى عام ١٩٣٧.

كما يؤخذ عليه اتهامه للزعيم الوطني أحمد عرابي والثورة العرابية بأنها كانت وراء الاحتلال البريطاني لمصر وسبب كل بلاء.

ويحسب له معارضته معاهدة ١٩٣٦ فلا مفاوضات إلا بعد الجلاء كمبدأ للحزب الوطني، وقيادته للمعارضة في موضوع الأسلحة الفاسده وإجبار الملك فاروق على فتح تحقيق فيها، كما دافع بقوة عن الوحدة مع السودان ووحدة وادي النيل، رحمه الله بقدر ما أعطى وأخلص لشعبه وأمته.

نبذة عن حياته 

ولد عبدالرحمن الرافعي، في 8 فبراير 1889 بحي الخليفة في القاهرة، وينتمي لأسرة ترجع بأصولها إلى الأشراف، واشتغل معظم أفرادها بالعلم والقضاء.

وكان والده الشيخ عبداللطيف مصطفى الرافعي يعمل في سلك القضاء بعد تخرجه في الأزهر وكان عبدالرحمن الثالث بين أربعة أشقاء.

تلقى “الرافعي” تعليمه في المدارس الحكومية، والتحق بمدرسة الزقازيق الإبتدائية سنة 1895، وعندما انتقل والده إلى الإسكندرية، استكمل دراسته حتي حصل على الثانوية سنة 1904 ثم انتقلت الأسرة للقاهرة والتحق بمدرسة الحقوق.

كانت الحركة الوطنية تشهد نموا واضحا على يد مصطفى كامل، فتأثر بأفكارها، وبدأ نشاطه السياسي بالانضمام للحزب الوطني فور تأسيسه، وفي 1908م أنهى دراسة الحقوق وعمل بالمحاماة، ثم عمل محررا بجريدة “اللواء” بادئا مسيرته الصحفية.

وشارك أحد زملائه في فتح مكتب للمحاماة بالزقازيق سنة 1910 وآخر بمدينة المنصورة، وظل مقيماً بالمنصورة حتى 1932 واستقر به المقام بالقاهرة، وأصدر كتابه الأول “حقوق الشعب” في 1912، وفي 1914 أصدر كتابه الثاني “نقابات التعاون الزراعية”.

كما شارك في ثورة 1919 بجهد كبير في المنصورة والقاهرة، ثم اشترك في أول انتخابات نيابية أجريت بعد دستور 1923 عن دائرة مركز المنصورة، وتولى رئاسة المعارضة بمجلس النواب ثم عاد للمجلس مجددا بعد انتخابات 1925.

تم تعيينه نقيبا للمحامين في 1954 بعد قرار الحكومة بحل مجلس نقابة المحامين، وعلى الرغم من النشاط المتعدد الذي بذله “الرافعي” في الحركة الوطنية فإنه لم ينل شهرته إلا بسبب كتاباته التاريخية التي لقيت إقبالا على الاطلاع عليها، وأسهمت في تشكيل العقلية التاريخية لأجيال من الشباب والقراء.

من أهم مؤلفاته تاريخ الحركة الوطنية، وتطور نظام الحكم في مصر، وعصر محمد علي، وعصر إسماعيل، والثورة العرابية والاحتلال الإنجليزي، ومصطفى كامل باعث الحركة الوطنية، وأحمد فريد رمز الإخلاص والتضحية.

منحته الدولة في 1961 جائزة الدولة التقديرية في العلوم الاجتماعية إلى أن توفي في 3 ديسمبر 1966.

زر الذهاب إلى الأعلى