نقل الأعضاء بين الحظر والإباحة ! (7)

من تراب الطريق (1073)

نقل الأعضاء بين الحظر والإباحة ! (7)

نشر بجريدة المال الخميس 1/4/2021

بقلم: الأستاذ/ رجائي عطية نقيب المحامين

من أبواب الجحيم التي لا تنغلق، إجازة التصرف بغير وصية سابقة ثابتة وموثقة، في أعضاء المصابين بغيبوبة عميقة أو بموت جذع المخ.. وهي غيبوبة تمنعهم من الإفصاح عن إرادة كل منهم، وهذه الغيبوبة تحمل المجتمع كله بواجب الاستيثاق من موتهم قبل انتزاع أي عضو من أعضائهم، وواجب الاستيثاق من الوصية السابقة الموثقة أو من إجازة واضحة صريحة ومؤكدة من أقاربهم القريبين للدرجة الأولى أو الثانية، مع عدم جواز الاقتراب من المصابين مجهولي الشخصية، فمجهول اليوم قد يكون مجهولاً في مكان أو لدى شخص ولكنه معلوم في مكان آخر أو لدى غيره، وقد يصبح المجهول اليوم معلومًا بباكر أو بعد باكر، ولا يجوز التذرع بالجهل الوقتي النسبي بشخصيته لاستباحة أعضاء وربما حيوات هؤلاء، وذلك يستوجب تغليق أبواب المساس بأعضائهم، مثلما يستوجب استبعاد المحكوم بإعدامهم ما لم تصدر عنهم موافقة شخصية سابقة على الحكم بالإعدام الذي تخالطه شبهات متصلة بالإرادة وأهلية التصرف، وأن تكون هذه الموافقة ثابتة ومؤكدة وموثقة قبل الحكم بالإعدام وبعيدة عن أي اشتباه يمس الرضا وحرية الاختيار وسلامة الإرادة . فالمحاذير التي سبق أن كشفت عنها تحقيقات جنائية، تستوجب هذا الاحتياط، هذا فضلا عن أن احتمال تجارة الأقارب في أجساد موتاهم احتمال وارد على الواسع إزاء « الإعدام » وما قد يدفع إليه فيئول الأمر إلى انتهاك حرمة أجسادهم.. وهو ما ينطبق بأكثر على ولاة الأمر الذين لا حجة لهم ولا معنى لجواز انتهاك حرمات أجسادهم بعد أن أوفوا للمجتمع بحقه عليهم بالإعدام الذي لا يجوز أن يكون مبررًا لاستباحة أبدانهم أو جثثهم !

وقد يكون اللوذ بالمستشفيات والمراكز الحكومية، بدلاً عن الخاصة، كالاستجارة من الرمضاء بالنار ! والمؤملون خيرًا في « الإدارة » الحكومية يجهلون أو يتجاهلون الحالة المتردية التي وصلت إليها الأحوال في مستشفيات لم يشفع في إصلاحها رقابة شكلية توضع على الورق . إنها مسألة آليات وذمم وطبائع وسلوكيات تراكمت على مدار سنين تهدر حقوق الأحياء، فما بالنا بالأموات أو المشرفين على الموت أو الذين أصيبوا في حوادث بغيبوبة عميقة أو بالمعوزين الذين يبيعون أعضاءهم من وراء الكواليس، وربما جاء السماسرة من ذات العاملين بالمستشفيات والمراكز الحكومية !

أخطر الثغرات التي سوف تهدر حائط الصد الذي يحاول مشروع القانون إقامته أمام التجارة، تأتى من الناس ومن « الإدارة » الرسمية.. لن يتنور الناس بين يوم وليلة، ولن يتخلص المعوزون من ضغط الفقر والجوع والحاجة في لحظة، ولـن تنصلـح أحوال « الإدارة » بمجرد الأمل والنوايا الحسنة ! لو راجعنا كيف تصدر شهادات الوفاة ذاتها، وكيف تسير الأمور في الأجهزة الرسمية ومستشفياتها، لعرفنا أننا نحتاج إلى كثير من الضوابط الحقيقية الفعالة قبل أن نفتح على أنفسنا وعلى فقرائنا نار جهنم ! ولعرفنا أنه مع أهمية ولزوم إقرار باب مشروع وآمن لنقل الأعضاء، فإن الغاية ذاتها توجب علينا أن نتملى وندقق كثيراً في الضوابط الفعالة الصارمة الواجب اتخاذها حتى تأمن نوايانا الطيبة على تحقيق غايتها !

زر الذهاب إلى الأعلى