نقل الأعضاء بين الحظر والإباحة ! (6)
من تراب الطريق (1072)
نقل الأعضاء بين الحظر والإباحة ! (6)
نشر بجريدة المال الأربعاء 31/3/2021
بقلم: الأستاذ/ رجائي عطية نقيب المحامين
ليس بوسع أحد أن يتنبأ من الآن، بما سوف تستقر عليه الآراء المتقارعة المطروحة في هذه المسألة، والتي ما تكاد تهدأ قليلاً حتى تفجرها قضية من القضايا التي دخلت بنقل الأعضاء في حومة المسئولية الجنائية، والجانب الجنائي في هذه القضايا ليس كل ما فيها، فموازي له الاعتبارات الاجتماعية والاقتصادية، تلح به ملحوظة لم يستطع أحدٌ أن يتجاهلهـا، أنه فيما عدا التبادل بين الأقارب الأحياء، فإنه لم تجر عادة، بل ولم تجر واقعة واحدة تبرع فيها غنى بشيء من أعضائه إلى معدم أو فقير، كل الوقائع التي جرت، كان فيها التبرع ـ وسيظل ـ من الفقراء إلى الأغنياء .. وهذه مشكلة خطيرة أصعب من المساءلة الجنائية، لأنها تفت في عضد المجتمع؛ ولكن الذي نستطيع ومن واجبنا أن نقوله من الآن، إن كمال أي تشريع غاية بعيدة، وإن واجبنا أن نسترعى التفات المناقشات إلى أن مآل أي تطبيق لأي قانون هو في النهاية إلى الناس .. المرضى المحتاجون إلى أعضاء، والمتبرعون الباذلون، والأطباء المعهود إليهم بإقرار الوفاة في حالتها، وبجواز أو عدم جواز النقل بين الأحياء أو من ميت إلى حىّ، وإجراء جراحات النقل، والمستشفيات والمراكز الطبية التي سوف يُستقر على قصر هذه العمليات عليها ضمانا لاستقامة التطبيق واستبعاد التجارة التي يرى الجميع تحريمها من واقع الشر المستطير الذي يمكن أن تنفتح أبوابه إذا أُرخى الحبل لها . فأنت ترى إذن أن التشريع ينصرف تطبيقه إلى ناس لا إلى ملائكة، ومن هنا تنبت المحاذير التي يجب التحوط لها في الصياغة والضوابط.. حتى لا يأخذنا التطبيق إلى غير الدوافع والاعتبارات الإنسانية النبيلة التي تقوم عليها في الأصل فكرة نجدة المرضى المحتاجين وفي حالات الضرورة إلى نقل أعضاء إليهم.
ومن واجبي وقد عشت في عالم القانون أكثر من نصف قرن، وخضت ما يوازيها بحثا وتأملاً في الأديان بعامة وفي الدين الإسلامي بخاصة، وقادتني الأقضيات إلى التعرف على صنوف الضعف الإنساني بكل صوره وأشكاله وأطماعه وتعليلاته وتبريراته وطموحاته وجنوحاته واستقامته والتوائه، أن أنبه إلى الثغرات التي يمكن أن تتسرب منها السلوكيات التي يمكن أن تنحرف بالتطبيق إلى نقيض ما نريده بهذا القانون ! .. فلا يوجد في العالم قانون يمنع الجريمة، فلم تمنع قوانين حظر حيازة وإحراز المخدرات من التجارة فيها، ولم تحل القوانين التنظيمية والعقابية دون وقوع جرائم القتل والسرقة والنصب والاختلاس والرشوة وخيانة الأمانة !
رفض البيع وإقرار التبرع، يعنى وجوب توفير ما يضمن التبرع وينحى البيع وسوق تجارة الأعضاء، ومن هنا كانت درجة القرابة بين المانح والمتبرع له أحد الضوابط المهمة جداً للاستيثاق من أن المنح تبرع مرده إلى عاطفة القرابة الحميمة الصادقة لا إلى الثمن واحتياجات الفقر، فمهما قال الفقه إنه لا فرق في إقرار التبرع بين الأقرباء وغير الأقرباء، فإن ذلك لا يصادر على أصول التشريع ولا يعفي القانون من واجبه في أن يسد الأبواب التي يمكن أن تتسلل منها التجارة، والمعيار الوحيد الممكن الاستيثاق منه هو القرابة التي يحسن ألا تتجاوز الدرجة الثانية أو الثالثة على أكثر تقدير، مع التمييز بين قرابة الدم والأرحام وقرابات المصاهرة التي يمكن أن يتسلل منها الأجانب غير المصريين لافتتاح سوق تجارية للنخاسة بزيجات لا غرض منها إلاّ استباحة الحصول على أعضاء الفقراء والمحتاجين . هذا كله يستوجب وضع سياج صارم من الضمانات لمواجهة سوق النخاسة التي سوف تنفتح بقوة بشراء زيجات توصلا إلى شراء أعضاء الأنسباء والأصهار !