نقل الأعضاء بين الحظر والإباحة ! (5)
من تراب الطريق (1071)
نقل الأعضاء بين الحظر والإباحة ! (5)
نشر بجريدة المال الثلاثاء 30/3/2021
بقلم: الأستاذ/ رجائي عطية نقيب المحامين
الذين وافقوا على نقل الأعضاء بين الأحياء.. وافقوا حذرين متحرزين، متخوفين متحوطين، فتحدثوا عن الضرورة القصوى واشترطوها وهى نسبية وتقديرها نسبى، وتحدثوا عن تبصير المتبرع وموافقة التبرع للأخلاق وعن رقابة مستوى الإدارة ـ فاشترطوا شروطًا تـدور حول مــنع « التجارة » ووجوب التيقن من أن التبرع حقيقي لا صوري، ولأنه أمر داخلي قد يبطنه المانح والمعطى له، شرطوا درجة قرابة تكون دليلاً على آصرة تبرر التبرع وترجحه وتغلق أبواب الشك في إخفائه تجارةً وبيعًا، فترخص البعض إلى الدرجة الرابعة، واشترط البعض أن تكون القرابة حتى الدرجة الثانية، فما كادوا يفعلون إلاّ واصطدموا بأن ما يثبت بقرابة الدم والأرحام، يثبت أيضا بالنسب والمصاهرة، وأن ذلك سوف يفتح أبوابًا لن تنغلق لسوق النخاسة لصالح الأجانب غير المصريين، مادام الزوج الأجنبي يعد قريبًا بذات درجة قرابة زوجته إلى أقربائها من الدرجة الأولى والثانية، فيسرى ذلك على أشقائها وشقيقاتها، فهم معتبرون أقرباء لزوجها من الدرجة الثانية كقرابتهم لها، ويسرى على أولادها وبناتها من غيره، فهم معتبرون أقارب لزوجها من الدرجة الأولى كقرابتهم لها، وهكذا تفتح قرابات المصاهرة والنسب أبوابا لنقل الأعضاء إلى الأجانب غير المصريين متى تزوجوا بمصرية، فيصير نقل الأعضاء إلى زوجها مباحًا منها ومن أولادها وبناتها من غيره، ومن أشقائها وشقيقاتها، ومن أبيها وأمها إذا لزم الأمر، لأن قرابتهما لزوجها من الدرجة الأولى كقرابتهما من بنتهما التي تزوجته !!
وحتى شرط ألا يترتب على نقل العضو أو الأعضاء ضرر أو ضرر جسيم بالمتبرع، وأن يترتب عليه منفعة عظيمة محققة للمتبرع له، فإنه لا يغسل أيدى القانون من مضار ومخاطر ومحاذير نقل الأعضاء، ويعتمد في تبريراته على معايير نسبية يختلف فيها الأطباء كما يختلف فيها الناس، ليس تبعا للعلم وحده، وإنما للمصالح والأهواء، فمن الصعب إن لم يكن من المحال أن ينجو من المضرة بل والجسيمة، التبرع بأحد عضوين متكررين بالحي، كالكليتين أو العينين أو الأذنين، ولا يوجد طبيب ولا عالم يحترم عقله وعلمه يمكن أن يصادق على أو يدعى أن التبرع بالكلية أو العين أو الأذن، لا يضر بالمتبرع بل وضررًا جسيما، فكل من الأعضاء المتكررة له منفعته، فقد خلق لحكمة وغاية، وله منفعته التي لا بديل ولا عوض عنها إذا أصيب العضو المماثل له بما يعدمه أو يمرضه أو يفقده القدرة والكفاءة، فيصير العضو المقابل هو « الوحيد » الذي يؤدى الوظيفة التي تعطلـت لنظيره . لذلك فإن تقرير الأطباء ـ إن قرروا ـ بأنه لا ضرر من النقل، يكون مخالفا للعلم والعقل، وأشد من هذا مخالفة تسليم المتبرع بذلك، ما لم يكن مدفوعًا بحاجة ومقابل يخفيه بصورة التبرع، أو قريب القرابة أخذته عاطفته القوية إلى تجاوز الضرر الشديد في سبيل منفعة أو دفع ضرر أشد على من يحب، ولعل هذه هي الحالة الوحيدة التي يمكن أن تبرأ من شبهة البيع والتجارة، ولا محل لدفع هذه الشبهة في القرابات الناجمة عن المصاهرات، لأنه لا تقيم ذات أواصر المحبة والعاطفة التي تقيمها قرابات الدم والأرحام !
وكما لم يجد الموافقون على حذر ـ شفاءً لمخاوفهم من التجارة وتحول نقل الأعضاء إلى سوق يبتز احتياجات الفقراء ويسخرها لصالح الأغنياء والقادرين، فإن معايير التحرز بشأن عدم الضرر أو المنفعة العظيمة المقابلة ـ لم تنج من مخاطر النسبية أو مصالح القرارات والخيارات، كما لا تفلح معايير القرابة في منع الدخول من الأبواب الخلفية من خلال سوق للنخاسة سوف يكون أبشع من زواج شيوخ الأثرياء والأجانب بالصبايا المصريات وتسريحهن بإحسان أو بغير إحسان بعد عام أو عامين يشفي فيهما الشيخ شبقه من الصبية.. مع هذا وذاك فإن باقي احتياطات الموافقين المتحرزين سواء من ناحية وجوب التزام « الدقة » أو آراء المتخصصين الثقات، أو الالتزام بمستشفيات الحكومة أو ما تحدده وزارة الصحة في تفويض على بياض باللائحة التنفيذية ـ لا ولن تفلح في مداواة داء عضال يعرفه القاصي والداني عن مستوى « الإدارة »التزامًا أو إخلاصًا أو أداءً !