نقل الأعضاء بين الحظر والإباحة ! (4)
من تراب الطريق (1070)
نقل الأعضاء بين الحظر والإباحة ! (4)
نشر بجريدة المال الاثنين 29/3/2021
بقلم: الأستاذ/ رجائي عطية نقيب المحامين
من التوسعات الجديدة في التوصيات، الاكتفاء بغلبة الظن بالمنفعة للمتبرع له، بعد أن كان المشروط سلفا أن تكون المنفعة للمتبرع إليه عظيمة ومحققة، كما توسعت التوصيات الجديدة لتطلق إجازة النقل إلى المحكوم عليهم بالإعدام.. مع ما في ذلك من محاذير وصلت إلى حد ارتكاب وقائع جنائية سبق أن حققتها النيابة العامة وثبت منها أنه كان يتم أخذ الأعضاء من المحكوم بإعدامهم وهم على قيد الحياة بوضعهم بسرعة ـ قبل تمام الوفاة ! ـ على جهاز تنفس صناعي لإبقائهم أحياءً، ضمانًا لصلاحية الأعضاء المنتزعة كالقلب والكبد والرئة والكلى والبنكرياس والتي تتلف إن لم تؤخذ فور الوفاة فيما يقول فريق من الأطباء، أو قبل الموت الحقيقي فيما يتبنى فريق آخر منهم الجمعية المصرية للأخلاق الطبية !
ومع أن هذه المعضلة هي بالذات أساس اعتراض المعترضين على اعتبار « موت جذع المخ » ـ موتًا، وتحذيرهم من احتمالات إباحة قتل مرضى الغيبوبة العميقة، واحتجاجهم بوقائع من هذا القبيل جرت في بريطانيا وغيرها، وبحالات عددوها تشهد بأدلتها بوجود الحياة في المصابين بموت جذع المخ، واستمرار الحمل خلالها والولادة، وعودة إحدى الحالات إلى حالتها الطبيعية بعد أن تلقت العـلاج الطويل !
إلا أن هذه المعضلة لم تحل بعد ـ على خلاف المظنون ـ في توصيات المؤتمر الأخير لمجمع البحوث الإسلامية، فالتوصية سحبت بالشمال ما أعطته باليمين، ففي الفقرة (ب) من التوصية السادسة، اشترطت التوصية لاعتبار الوفـاة حاصلـة على سبيل اليقين، أن « تتعطل جميع وظائف الدماغ تعطلا نهائيًّا، وأن يحكم الأطباء الثقات الخبراء بأن هذا التعطل لا رجعة فيه، وأن يأخذ الدماغ في التحلل ».
وشرط بداية التحلل في الدماغ، لا يلبى مقاصد وأهداف وغايات المنتصرين لاعتبار « موت جذع المخ » وفاة.. فتحلل الدماغ لن يحدث مادام القلب ينبض والدورة الدموية جارية ـ وما يقال عن أوصاف الحياة في المصابين « بموت جذع المخ »، يورى بأن أعضاء البدن ـ سوى الدماغ ـ تقوم بوظائفها كالكبد والكلى والبنكرياس والجهاز الهضمي والنخاع الشوكي وغير ذلك، بالإضافة إلى التنفس ونبضات القلب واستمرار تدفق الدورة الدموية، وحرارة الجسم، بل ويتبول المصاب ويتغوط ويتعرق إلى آخر هذه المظاهر التي لا يتحقق مع وجودها أن « يأخذ الدماغ في التحلل »، وهو الشرط الذى حرصت التوصية على التنصيص عليه ولم يتوقف عنده الفرحون المهللون !
لا تزال هذه المعضلة هي إذن المُشْكل الأساسي في نقل الأعضاء سريعة التلف كالقلب والرئة والكبد والبنكرياس والكلى، ولا تزال مسألة الوفاة محكومة بالضوابط التي درجت عليها الفتاوى والتعريفات التي درج عليها أهل الفقه والشرع، وخلاصتها أنه لابد ـ لإجازة نقل الأعضاء ـ من تحقق الموت شرعيا، وذلك بالمفارقة التامة للحياة، وهو ما قاد إلى تحريم وتجريم النقل من ميت الدماغ باعتباره بمثابة قتل النفس التي حرم الله قتلها إلاّ بالحق !
وإحالة التوصيات السابقة، وكذلك فعلت التوصيات الأخيرة لمؤتمر مجمع البحوث الإسلامية، إلى الثقات من الأطباء، سواء للطبيب المفرد أو للجنة ثلاثية، لا يحل المعضلة، لأن الخلاف لا يزال قائما على أشده بين الأطباء على أثر وحكم « موت جذع المخ »، بينما تتلامس هذه المسألة مع المعتقد والموروث الديني، وتدخل بحيوات الناس في معترك يحتاج إلى انضباط أخلاقي إلى جوار العلم، بينما تهاوت المنظومة الأخلاقية في الأفراد والمجاميع، وتواضع واهترأ مستوى الإدارة اهتراءً أعيا كل الباحثين عن حلول لما أصابها من أمراض تجعل من الاعتماد على كفاءتها وانتظامها وأمانتها ضربا من الوهم يفتح أبوابًا لطموحات الطامحين ومطامع الطامعين وألاعيب السماسرة وطلاب الثراء على حساب القيم والمبادئ ومصالح وحيوات الناس !