نقل الأعضاء بين الحظر والإباحة ! (2)
من تراب الطريق (1068)
نقل الأعضاء بين الحظر والإباحة ! (2)
نشر بجريدة المال الخميس 25/3/2021
بقلم: الأستاذ/ رجائي عطية نقيب المحامين
لا جدال أن البت في حصول الوفاة، هو من اختصاص الأطباء الثقات، ولكن تقريره له أبعاد ونتائج شرعية قانونية اجتماعية، لذلك فقد أصابت فتوى الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع لمجلس الدولة، حين أوردت (9/1995) بأن الموت ليس واقعة طبية فقط، ولكنه أيضًا حقيقة دينية فلسفية وواقعة قانونية وحالة اجتماعية، كما أصابت حين أبدت أنه: « لا قول بموت مادام جزء من الجسم حيّا، وأنه لا محل لانتزاع الأعضاء ـ بل يعد جريمة ـ ممن يعانى سكرات الموت فقد يكون الانتزاع هو السبب المميت. ولا مصادرة فيما ورد بالفتوى على الطب والأطباء، فهم أصحاب القرار. والاحتياط في تقرير الموت، البادي في فتوى مجلس الدولة، التزم به أيضا أهل الفقه والشرع، ففي فتوى فضيلة الإمام الأكبر المرحوم الشيخ جاد الحق على جاد الحق، أنه لا يجوز قطع أي عضو إلاّ إذا تحقق الموت كما جرى بيانه في كتب الفقه ـ وهو زوال الحياة، بظهور علاماته التي عددها وجرت عليها كل كتب الفقه، ولكنه أضاف أنه وإن جاز استعمال الأدوات الطبية للتحقق من موت الجهاز العصبي، إلاّ أن ذلك « ليس وحده آية الموت بمعنى زوال الحياة، بل إن استمرار التنفس وعمل القلب والنبض كل أولئك دليل على الحياة وإن دلت الأجهزة الطبية على فقدان الجهاز العصبي لخواصه الوظيفية، فإن الإنسان لا يعتبر ميتا بتوقف الحياة في بعض أجزائه مادام لم يتحقق موته كلية بألاّ تبقى فيه حياة ما، لأن الموت زوال الحياة ». ( الفتاوى الإسلامية جـ 1/3714 ).
وفي قرار مجمع البحوث الإسلامية برئاسة فضيلة الإمام الأكبر الدكتور محمد سيد طنطاوي شيخ الأزهر (4/1997) أن الموت شرعًا هو: « مفارقة الحياة للإنسان مفارقة تامة بحيث تتوقف كل الأعضاء بعدها تـوقفا تاما عـن أداء وظائفها ». (والذى يحدد ذلك هم الأطباء).
وفي آخر فتاوى دار الإفتاء المصرية، لفضيلة مفتى الديار الأستاذ الدكتور على جمعة، « أنه لابد لإجازة نقل الأعضاء أن يكون المنقول منه العضو قد تحقق موته شرعيّا، وذلك بالمفارقة التامة للحياة، بأن تتوقف جميع أجهزة الجسم فيه عن العمل توقفًا تامًّا تستحيل معه العودة للحياة مرة أخرى بشهادة أهل الخبرة العدول الذين يخول إليهم التعرف على حدوث الموت، بحيث يسمح بدفنه، وتكون هذه الشهادة مكتوبة وموقعة منهم »
فهل خرج تعريف المؤتمر الأخير (12/3/2009) لمجمع البحوث الإسلامية ـ عن هذه الأسس المتفق عليها ؟. جواب ذلك في نص التوصية السادسة وجرت بأنه: ـ
« يعتبر شرعًا أن الشخص قد مات موتًا على سبيـل اليقين، وتترتب جميع الأحكام المقررة شرعًا للوفاة إذا تبينت فيه إحدى العلامتين التاليتين:
أ. إذا توقف قلبه وتنفسه توقفًا تامًّا وحكم الأطباء بأن هذا التوقف لا رجعة فيه.
ب. إذا تعطلت جميع وظائف دماغه تعطلاً نهائيًّا، وحكم الأطباء الثقات الخبراء بأن هذا التعطل لا رجعة فيه، وأخذ دماغه في التحلل ».
وواضح أن ما ورد في البند (أ) يتفق مع ما جرت عليه الآراء بإجماع، وأن ما ورد في البند (ب) اشترط تعطل جميع وظائف الدماغ تعطلاً نهائيًّا وبلا رجعة، على أن الأهم الاستدراك الذى اشترط أن يكون الدماغ « قد أخـذ في التحلل » !
* * *
ومع أن مقاييس الطب، غير مقاييس الشرع، إلاّ أن الفصل التام بينهما في مسألة البحث حول ماهية المـوت الحقيقي، تستوجب في نظري لصحة أحكام الطرفين: الأطباء وأهل الشرع، أن يطلع الطبيب على مقاييس وأحكام الشرع لأن ذلك سيضفي على رؤيته العلمية بعدًا أعمق، وأن يطلع الفقيه الشرعي على حقائق الطب لأن ذلك سوف يعينـه على «سلامة» الوصول إلى حكم الشرع.
الموت الحقيقي، بوصفه وأحكامه، مسألة شرعية لا يماري في ذلك أحد، ولكن وقوعه وأدلته اليقينية القاطعة الحاسمة، مسألة طبية إلى العلماء الثقات فيها. توجد فوارق علمية بين الموت والحياة يجب أن يحيط بها الشرعي لسلامة استنباطه وحكمه. فرحلة الموت تمر بثلاث مراحل تبعا للأعضاء الحيوية بجسم الإنسان: المخ، والقلب، والرئتين. المرحلة الأولى (الموت الإكلينيكي)، وفيها يتوقف القلب والتنفس، ويمكن استعادة تشغيلهما فيما لا يجاوز (5) دقائق، وفيها تكون خلايا المخ والجسم سليمة، والمرحلة الثانية (الموت الجسدي)، إذا ما زاد توقف القلب عن خمس دقائق، فتموت خلايا المخ وينعدم الأمل في العودة الذاتية لعمل القلب والتنفس، فتموت خلايا المخ وإن بقيت خلايا الجسم سليمة لفترة، فإذا أُعيد القلب والتنفس للعمل بالأجهزة الصناعية، عادت الدورة الدموية مع التنفس ومعهما وصول الأوكسجين إلى خلايا الجسم فتظل حية بالرغم من موت خلايا المخ، وهي فترة تعرف بـ « الحياة الخلوية ». والمرحلة الثالثة (الموت الخلوي)، وتتحقق إذا انتهت المرحلة الثانية ومات المخ ولم يوضع الإنسان على أجهزة التنفس الصناعي، فتتوقف الدورة الدموية ويتوقف الدم نهائيا عن الوصول إلى جميع خلايا الجسم، فتموت هذه الخلايا مع موت خلايا المخ، وتبدأ كل هذه الخلايا في التحلل.