نقل الأعضاء بين الحظر والإباحة ! (1)

من تراب الطريق (1067)

نقل الأعضاء بين الحظر والإباحة ! (1)

نشر بجريدة المال الأربعاء 24/3/2021

بقلم: الأستاذ/ رجائي عطية نقيب المحامين

لا بد أن تكون شديد الأمل واسع البشر كثير التفاؤل لتطمئن إلى أننا قاربنا إنجاز الشوط النهائي من قضية نقل الأعضاء، سواء من أحياء لأحياء، أو من ميت لحىّ، ولعل حسن النية والإفراط في البشر والتفاؤل مردهما إلى أننا نؤثر التوافيق ونلجأ حين الصعوبات إلى أسلوب الزحلقة وغسل اليدين من المعضلة ليشيل همها أو يبحث عن حلها سوانا !!

هناك معضلتان في نقل الأعضاء لم تواجها بعد مواجهة حقيقية خالصة، الأولى وجوب البت الذي لم يقرره أحد في مسألة موت جذع المخ وهل هو وفاة تبيح المسارعة إلى فصل أو انتزاع الأعضاء المطلوبة، أم لا . هذه المسألة بُعدها الأصلي طبي، وبُعدها الشرعي مع أهميته إلاّ أنه لا بد أن يحتكم إلى قول الطب . والأطباء اختلفوا اختلافا بعيدًا، زاده حدة تأثر الرأي العلمي بالنتيجة المـرومة أو الحـصاد المطلوب !

الغريب أن أهل الطب والعلم أرادوا الهروب من المعضلة التي تفرقوا فيها شيعًا، إلى الشرع، وظل أهل الشرع إلى الأمس القريب جدًا يتمسكون بتعريف الموت بما درج عليه الفقه الشرعي من مئات السنين، وإلى إحالة مسألة موت جذع المخ على أهل الاختصاص من الأطباء الثقات، وقد عاصرت قارئًا ومشاركًا ـ بمجمع البحوث الإسلامية ـ مناقشة هذه المعضلة، وهى معضلة لأن الانحياز إلى اعتبار موت جذع المخ وفاة يتيح الحصول على الأعضاء المرجوة قبل أن يصيبها التلف فيفسد الغرض من نقلها، ولأن الوجه الآخر يحتمل مخاطر ومحاذير انتزاع هذه الأعضاء من حىّ لا يستطيع في غيبوبته الاعتراض، فتتحول نجدة المريض المرجوّة إلى عملية قتل لآخر إن كان موت جذع المخ ليس وفاة !

والمعضلة الثانية احتمالات أن تتخفي البيوع وتجارة الأعضــاء وراء تبـرع صوري لا يصادقه الواقع، وهى مسألة تحمل المجتمع والقانون والقائمين على تنفيذه بوضع المعايير والضوابط التي تضمن عدم تحول إباحة النقل إلى سوق لتجارة أعضاء الفقراء والمعوزين !

*          *         *

لم يثر مشروع قانون، مثل ما أثارته مشروعات قانون ثم قانون نقل الأعضاء من خلافات شديدة شملت النقل بين الأحياء، ومن الميت إلى الحى، وقع الخلاف ولا يزال بين الأطباء، وتفاوتت وجهات النظر ولا تزال بين أهل الفقه والشرع، وعبر سنوات طويلة، شارك في النقاش الدائر مؤيدون ومعارضون، في لجان نيابية، وفي هيئات قانونية، وفي مجامع بحثية ودينية أو شرعية، وجمعيات علمية أو طبية، تابعتها الصحافة والفضائيات والأرضيات، واختلفت رؤى وأنظار جمهور الناس مثلما اختلف العلماء والأطباء والشرعيون والقانونيون والصحفيون والإعلاميون، بل وشهد مجلس الشورى مرحلتين اختلفتا أشد الاختلاف، بدأت الأولى بمعارضة شديدة للمشروع، تحولت فجأة إلى شبه ترحيب قبل أن تعدل الحكومة عن أخذ رأى الشورى لتكتفي بمجلس الشعب الذي تعددت فيه بدوره وجهات نظر المشروعات المقدمة للقانون بين إقدام وإحجام وتردد، أو بين ترحيب ورفض وحذر وتحسب، ووسط احتدام الحوار وتعذر الوصول به إلى مرفأ يرتضيه أو يطمئن إليه الأطراف، ارتأى الأطباء، ومعهم مجلس الشعب ومجلس الشورى إبان أن كان مشاركا في النقاش، اللجوء إلى أهل الفقه والشرع، تقديرًا لأهمية الرؤية الدينية من ناحية، وبحثًا عن حل لمسألة تعريف الموت والبت في أمره بما يفض الاشتباك المحتقن حول مسألة ما يسمى « موت جذع المخ » وهل هو موت يجوز معه المسارعة بنقل الأعضاء التي تتلف إن لم تؤخذ أو تنزع في توقيـت مبكر، أم أنه لا يعد موتا ومحض حيلة ـ كما يجـاهر البعض ـ لإجازة انتزاع الأعضاء التي لا تصلح إلا إذا أخذت من حى، ومن ثم يعتبر المساس بالمصاب بموت جذع المخ مساسًا بحقه في الحياة، وقتلاً للنفس التي حرم الله قتلها إلا بالحق ؟!

زر الذهاب إلى الأعلى