نقض الحكم يعيد الدعوى إلى محكمة الإعادة بالحالة التي كانت عليها قبل صدور الحكم المنقوض
عدم تقيدها في تقدير وقائع الدعوى بالحكم المنقوض أو بحكم محكمة النقض
أوضحت محكمة النقض في حكمها بالطعن رقم 53748 لسنة 74 القضائية، أن نقض الحكم وإعادة المحاكمة يُعيد الدعوى إلى محكمة الإعادة بنفس الوضع الذي كانت عليه وقت اتصال المحكمة بها لأول مرة؛ أي تنظرها محكمة الإعادة في الجنايات بمقتضى أمر الإحالة الذي رُفعت به الدعوى إليها قبل صدور الحكم المنقوض، فلا تتقيد بما ورد به في شأن وقائع الدعوى، فلها مطلق الحرية في تقدير تلك الوقائع، وتكييفها، وإعطائها الوصف القانوني الصحيح غير مقيدة حتى بحكم النقض.
المحكمة
من حيث إن الطاعنين ينعيان على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانهما بجريمة القتل العمد مع سبق الإصرار والترصد قد شابه الخطأ في القانون والبطلان والإخلال بحق الدفاع والقصور في التسبيب والفساد في الاستدلال ذلك أن محكمة الإعادة لم تلتزم بالتهمة التي عُوقب عنها الطاعنان بالحكم المنقوض وهي الضرب المفضى إلى موت ودون تنبيه الدفاع إلى ذلك كما أن الحكم المنقوض تم نقضه بناء على طلب المحكوم عليهما دون طعن النيابة العامة الذي اقتصرت محكمة النقض على القضاء بقبوله شكلاً مما كان يتعين على محكمة الإعادة ألا تشدد العقوبة المقضي بها عليهما حتى لا يضار الطاعنان بطعنهما وقصَّر الحكم في استظهار نية القتل لدى الطاعنين وأغفل بيان إصابات المجني عليه وعلاقة السببية بين وفاته والفعل المسند إليهما ودفع الطاعنان ببطلان الاعتراف المعزو إليهما بالتحقيقات لكونه وليد إكراه ونازعا في مكان الحادث وصحة أقوال شهود الواقعة بشأنه لعدم وجود آثار دماء به غير أن الحكم اطرح هذا الدفاع بما لا يسوغ به اطراحه , كل ذلك يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
من حيث إن الحكم المطعون فيه بيَّن واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجريمة التي دان الطاعنين بها وأورد على ثبوتها في حقهما أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه عليها.
لما كان ذلك، وكان الأصل أن نقض الحكم وإعادة المحاكمة يُعيد الدعوى إلى محكمة الإعادة بنفس الوضع الذي كانت عليه وقت اتصال المحكمة بها لأول مرة أي تنظرها محكمة الإعادة في الجنايات بمقتضى أمر الإحالة الذي رُفعت به الدعوى إليها قبل صدور الحكم المنقوض فلا تتقيد بما ورد به في شأن وقائع الدعوى فلها مطلق الحرية في تقدير تلك الوقائع وتكييفها وإعطائها الوصف القانوني الصحيح غير مقيدة حتى بحكم النقض ومن ثم فإن ما ينعاه الطاعنان على الحكم بشأن معاقبتهما بوصف القتل العمد مع سبق الإصرار والترصد الوارد بأمر الإحالة – على خلاف ما قضى به الحكم المنقوض – وهو الضرب المفضى إلى موت ودون لفت نظر الدفاع يكون على غير سند.
لما كان ذلك، وكان البين من الأوراق أن الحكم قد نُقض بناء على طلب النيابة العامة والمحكوم عليهما – خلافًا لما يزعمه الطاعنان – من أنهما وحدهما اللذان طعنا بالنقض في الحكم فلا يضاران بطعنهما ويكون حكم محكمة الإعادة قد التزم صحيح القانون يستوي في ذلك أن يكون نقض الحكم كان بناء على طعن النيابة العامة والمحكوم عليهما.
لما كان ذلك، وكان الحكم قد استظهر نية القتل في حق الطاعنين في قوله: “إن المحكمة تستظهر نية القتل من نفس المتهمين الآثمة وذلك بقيامهما بإعداد السلاحين الناريين الفتاكين والقاتلين بطبيعتهما (بندقيتين آليتين) وحشوهما بالذخائر والتوجه إلى زراعة الأذرة المتاخمة للسكن الذي يقيم فيه المجني عليه وكمنا له في تلك الزراعة منتظرين مروره على الطريق الذي يعلمان سلفًا مروره عليه وما أن ظفرا به حتى قاما بتصويبها إلى مواضع قاتلة من المجني عليه بغية إزهاق روحه والتخلص منه لإهانته لهما وسوء معاملته إياهما وتحريضه لخصومهما للتعدي عليهما ولسبق قيام أحد هؤلاء الخصوم بضرب المتهم الأول وقتل اثنين من عائلتهما مما أدى لإصابته الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية وكان لهما ما انتوياه بما يقطع بتوافر نية القتل لديهما ولا يقدح في ذلك ما زعمه المتهمان أنهما كانا يقصدان إرهابه وتهديده إذ لو كان ذلك لكشفا له عن كينونتهما وأطلقا الأعيرة النارية في الهواء كما لا ينال من ذلك أيضًا ما زعماه من أنهما أطلقا الأعيرة النارية ردًا على الأعيرة التي أُطلقت من الجهة المقابلة وهو ما لم يثبت من الأوراق صحة وقوعها”.
وكان من المقرر أن قصد القتل أمر خفي لا يُدرك بالحس الظاهر وإنما يدرك بالظروف المحيطة بالدعوى والأمارات والمظاهر الخارجية التي يأتيها الجاني وتنم عما يضمره في نفسه واستخلاص هذه النية موكول إلى قاضي الموضوع في حدود سلطته التقديرية وما دام الحكم قد دلل على قيام هذه النية تدليلاً سائغًا فإن ما يثيره الطاعنان في هذا الصدد يكون غير قويم.
لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد نقل عن تقرير الصفة التشريحية: “أن المجني عليه أصيب بعيار ناري واحد بوحشية أعلى يسار البطن وتعزى وفاته إلى تلك الإصابة النارية وما نتج عنها من نزيف دموي أدى إلى هبوط بالدورة الدموية والتنفسية”.
، كما ثبت من التقرير الطبي الشرعي أن: “السلاحين المضبوطين عبارة عن بندقيتين آليتين عيار 62 ,7 × 39مم وصالحتين للاستعمال وأن الذخائر المضبوطة صالحة للاستعمال ومما تستعمل على البندقيتين المضبوطتين وبأن إصابة المجني عليه جائزة الحدوث من مثل البندقيتين والمقذوفات المطلقة والفوارغ والطلقات الحية المضبوطة ويمكن استخدامها على السلاحين المضبوطين”. فإنه يكون قد أبان وصف إصابة المجني عليه ودلل على توافر رابطة السببية بين الفعل المسند إلى الطاعنين ووفاته ومن ثم ينحسر عن الحكم ما يثيره الطاعنان من قصور في هذا الصدد.
لما كان ذلك، وكان الحكم قد تناول الدفع ببطلان اعتراف الطاعنين ورد عليه في قوله: “وحيث إنه عما أثاره الدفاع على اعتراف المتهمين في تحقيقات النيابة العامة بقالة إنه وليد ضغط أو إكراه شديدين ولطول استجوابهما مما أدى إلى إرهاقهما مما يؤثر على قواهما الذهنية فضلاً عن شموله أسئلة إيحائية… فإن المحكمة يطمئن وجدانها كل الاطمئنان إلى صحة وسلامة ومصداقية الأقوال التي أدلى بها المتهمان بتحقيقات النيابة العامة وبمقرها وقد وجهت سلطة التحقيق سؤالاً صريحًا لكل من المتهمين عما إذا كانت أقوالهما واعترافاتهما وليد إكراه أو تهديد أو وعد أو وعيد فأجاب كل منهما بالنفي ولم يثبت في الأوراق وقوع ثمة إكراه بدنى أو معنوي أيا ما كان عليهما قبل إدلائهما باعترافاتهما أمام النيابة العامة فضلاً عن أن الأوراق والتحقيقات في جميع مراحلها وحتى مرحلة المحاكمة جاءت خلوًا من دليل صدق ما يدعيه المتهمان ودفاعهما من وقوع إكراه أيًا كان ومن ثم فإن المحكمة تطمئن تمام الاطمئنان إلى صحة وسلامة ومصداقية اعترافات المتهمين أمام النيابة العامة وتخلص إلى أنهما حينما أدليا باعترافاتهما إنما تحدثا بلسان صدق وبإرادة حرة واعية مبرأة من ثمة ما يعيبها وقد تأيدت تلك الاعترافات بماديات الواقعة وأدلتها الفنية ومن ثم تكون تلك الاعترافات صحيحة تمت وفق سياج الشرعية الإجرائية بمنأى عن ثمة شائبة أو عيوب مما تلتفت معه المحكمة عما أثير في الأوراق ومن هيئة دفاع المتهمين في هذا الشأن لعدم استناده إلى واقع في الأوراق أو سند صحيح من القانون كما تلتفت المحكمة أيضًا عما أثارته هيئة الدفاع من طيلة الاستجواب مما أدى إلى إرهاق المتهمين وشموله أسئلة إيحائية إذ لم يثبت من الأوراق والتحقيقات طيلة الاستجواب المرهق لقواه أيا منهما الذهنية كما لم يثبت تعمد المحقق إطالة هذا الاستجواب بُغية إرهاقهما فضلاً عن انتفاء ثمة أسئلة إيحائية في الاستجواب.
ولما كان الاعتراف في المسائل الجنائية من العناصر التي تملك محكمة الموضوع كامل الحرية في تقدير صحتها وقيمتها في الإثبات ولها دون غيرها البحث في صحة ما يدعيه المتهم من أن الاعتراف المعزو إليه قد انتزع منه بطريق الإكراه ومتى تحققت من أن الاعتراف سليم مما يشوبه واطمأنت إليه كان لها أن تأخذ به مما لا معقب عليها وإذ كانت المحكمة على السياق المتقدم قد أفصحت عن اطمئنانها إلى أن اعتراف الطاعنين إنما كان عن طواعية واختيار ولم يكن نتيجة إكراه واقتنعت بصحته للأسباب السائغة التي أوردتها فإن منعى الطاعنين في هذا الخصوص لا يكون مقبولاً.
لما كان ذلك، وكان الحكم قد عرض لدفاع الطاعنين القائم على المنازعة في مكان الحادث واطرحه في قوله: “لما كان الثابت من معاينة النيابة العامة لمكان الحادث الذي قال به الشهود والعثور على ثلاث طلقات بمسرح الحادث (زراعات الأذرة بالناحية الغربية) منها طلقتان مطروقتان والأخرى غير مطروقة في مكان متجاور مما تطمئن معه المحكمة على أن المكان الذي قال به الشهود وعُثر على الثلاث طلقات به هو بذاته مسرح الحادث ولا يقدح في ذلك عدم العثور على ثمة آثار دماء بمسرح الحادث إذ الثابت من معاينة النيابة العامة أن الطريق مسرح الحادث رملى يتعذر العثور على أية دماء فيه بطبيعة الطريق بالإضافة إلى وجود آثار أقدام كثيرة على الطريق نظرًا لتواجد قوات الأمن والعديد من السيارات التي محت معالم الطريق.
” فإن ما يثيره الطاعنان في هذا الشأن لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعيًا قصد به التشكيك في أدلة الدعوى وانتهت المحكمة من ذلك إلى رفض دفاعهما وهو قول يسوغ به اطراح دفاع الطاعنين في هذا الشأن.
لما كان ذلك، وكان البين من الأوراق أن محكمة الجنايات قد سبق لها أن أصدرت حكمها في الدعوى قاضيًا بالإدانة وبإحالة الدعوى المدنية إلى المحكمة المدنية المختصة فطعن المحكوم عليهما في هذا الحكم بطريق النقض فقضت محكمة النقض بنقض الحكم وإعادة الدعوى إلى محكمة الجنايات للفصل فيها مجددًا من دائرة أخرى وكان البين من ملف الطعن أن طعن المحكوم عليهما كان مقصورًا على ما قضى به الحكم في الدعوى الجنائية فحسب.
لما كان ذلك، وكان يبين من مدونات حكم محكمة الإعادة أن الحاضر عن المدعي بالحقوق المدنية قد ادعى مدنيًا قبل المتهمين بمبلغ خمسة آلاف وواحد جنيه وقضى الحكم المذكور بإدانة المتهمين وإلزامهما بأن يؤديا للمدعي بالحقوق المدنية مبلغ التعويض المدني المطلوب.
لما كان ذلك، ولئن كان الأصل أن نقض الحكم وإعادة المحاكمة يعيد الدعوى إلى محكمة الإعادة بالحالة التي كانت عليها لتستأنف سيرها من النقطة التي وقفت عندها قبل صدور الحكم المنقوض إلا أن حد ذلك ألا تتعرض محكمة الإعادة لما أبرمته محكمة النقض من الحكم المنقوض ولا لما لم تعرض له هذه المحكمة منه ضرورة أن اتصال محكمة النقض بالحكم المطعون فيه لا يكون إلا من الوجوه التي بني عليها الطعن والمتصلة بشخص الطاعن وله مصلحة فيها وألا يضار المتهم بطعنه إذا كان قد انفرد بالطعن على الحكم وإذ كانت الدعوى المدنية قد خرجت من حوزة المحكمة بسبق إحالتها إلى المحكمة المدنية المختصة إعمالاً لنص المادة 309 من قانون الإجراءات الجنائية لما ارتأته من أن الفصل فيها يقتضي إجراء تحقيق ولم يطعن في هذا الحكم من هذه الناحية لأنه غير منه للخصومة ولا مانع من السير فيها ولانتفاء مصلحة الطاعنين ولو أنهما كانا قد فعلا لقضت محكمة النقض بعدم قبول طعنهما ومن ثم فما كان يجوز للمدعي الحقوق المدنية أن يدعي مدنيًا أمام محكمة الإعادة من جديد لأن ذلك منه ليس إلا عودًا إلى أصل الادعاء الذي سبق أن قضى بإحالته إلى المحكمة المدنية يستوى في ذلك أن تكون هذه المحكمة قد نظرت ادعاءه وفصلت فيه أو لم تكن قد شرعت في نظره لأن انفراد المتهمين بالطعن في الحكم يوجب عدم إضارتهما بطعنهما يستوى في ذلك أن يكون الضرر من ناحية العقوبة الجنائية أو التعويض المدني ولأن طبيعة الطعن بطريق النقض وأحكامه لا تسمح بالقول بجواز تدخل المدعي بالحقوق المدنية لأول مرة في الدعوى الجنائية بعد إحالتها من محكمة النقض إلى محكمة الموضوع لإعادة الفصل فيها بعد نقض الحكم وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر وجرى في قضائه على قبول الدعوى المدنية لدى محكمة الإعادة وإلزام المتهمين بالتعويض فإنه يكون قد خالف القانون وأخطأ في تأويله بما يوجب تصحيحه والقضاء بإلغاء ما قضى به الحكم في الدعوى المدنية دون تحديد جلسة لنظر الموضوع ما دام العوار الذي شاب الحكم مقصورًا على الخطأ في القانون ورفض الطعن فيما عدا ذلك.