نعمة العقل (7)

من تراب الطريق (974)

نعمة العقل (7)

نشر بجريدة المال الأربعاء 11/11/2020

بقلم: الأستاذ/ رجائي عطية نقيب المحامين

الدين الآن دين وطني فقط لعامته وخاصته في الجماعة أو الجماعات المنتسبة إليه اجتماعيًّا .. واتساع الحريات الآن من هذه الزاوية الاجتماعية ـ ليس إلاً تورمًا اجتماعيًّا صرفًا يائسًا وسطحيًّا يعيش مع ما لا حصر له من المتورمات الاجتماعية الأخرى .. هذه المتورّمات التي ترددها ألسنة الخلق صباحًا ومساءً في كل حين ومكان منذ عرفوا التقارب والتجمع والخلاف والتفرق وعاشوه وكابدوه بحلوه ومرّه ومازالوا مائلين إلى اليأس برغم غنى أغنيائهم لانعدام تمام الثقة الآن في غير الذات .. وقد كذبت الأيام المتتالية ثقة الجماعات القوية الغنية المتقدمة فيما كانت قد اعتمدت عليه من اطراد الغنى والقوة والتطور والانفراد، ثم إذ بها تواجه داخلها وخارجها بتوالي الانعكاسات الفاجعة مالية واقتصادية وأخلاقية وعسكرية،  فضلاً عن تفكك أجزاء هذه الجماعة الضخمة أو تلك إلى جماعات يبحث كل منها نهارًا وليلاً عن واقع حاله ومصيره وتحديد ما له وما عليه بالنسبة لمن باتوا من مواطني الأمس ـ أجانب وأغرابًا عنه! .. فعالم الأرض في زماننا يعانى بقضه وقضيضه .. كبارًا وصغارًا متقدمين ومتأخرين شمالاً وجنوبًا شرقًا وغربًا ـ معاناة مخيفة مكدرة للأغنياء شديدة الاضطراب ضيقة الصدر يملؤها الغل من التعطل والبطالة .. ويلازمها التبرم والهياج في كل موقع من مواقع العمل الذى تعطل استغناءً بالآلات الحديثة أو تخلصًا من قسوة السوق أو من انتشار الخداع في المنافسات .. هذا الخداع الذى صارت وسيلته حيل الكسب الوقتي الخادع ثم غسل الأيدي منه بسرعة .. صار هذا هو ديدن معظم الناس في أحوالنا هذه الثقيلة الروح، الراكدة الجو، الآسنة الماء، العفنة الجوف .. تتقلب بلا هدف ثابت تحور وتدور، يختلط أسودها بأبيضها صباح مساء ..لا تعرف حقًا إلى أين تتجـه وتسير!

ولا مناص لأهل الأرض ـ بعد الاتصال المنتظم المتزايد مع الفضاء الواسع المحيط بالشمس وكواكبها التي منها الأرض، ومع المنافع الجمّة التي تحققت وتزداد تحققًا،  ولم تكن من قبل تدور بخيال أحد ..لا مناص لهم عن الانفتاح على ذلك الوجود المستمر والتوغل إلى أعماقه الهائلة لمحاولة الانتفاع بما في هذا الفضاء الواسع من منافع تعين على تخليص الأرض من ضيقها الحالي ـ إلى ما لا حد له .. الأمل في ذلك كبير إن التفت أغلبنا إليه باجتهاد ومثابرة دائمين .. ينسيان إلى غير رجعة سعة الحماقة والسطحية والطمع والأنانية التي تسود أغلبنا وتوقعنا في الأزمات والعداوات والاصطراعات والحروب .. هذه الصراعات التي تجرى حتى اليوم دون أمل جدى في وجود أغلبية يقظة رشيدة منفتحة مستعدة لمستقبل لا يتعرج أو يلتوى .. فهل ينجح الأيقاظ الجادون في حمل الأكثرية اللاهية على الالتفات إلى كنوز الفضاء الواسع بكواكبه الشمسية وفي تحويل أغلبية البشر المشغولة بسطحياتها ومتاعبها وأحزانها وأحقادها ـ إلى الانتباه والفطنة نجاةً من هلاك سوف يلحق بالجميع حتمًا ويأسًا !

الكثرة الكاثرة منا نحن الآدميين ما زالت إلى اليوم والغد جاهلة ـ جهلاً يكاد يكون تامًا .. عالمة أو مدعية أو ضالة جاهلة .. غنية كانت هذه الكثرة أو فقيرة .. متحضرة أو غير متحضرة .. فقيرة راضية أو غير راضية ـ لا يميز البشرية بعضها عن بعض أي تمييز حقيقي فعلى يفصل فصلاً لا يزول ولا يتداخل قط من الميلاد إلى النهاية .. إذ لم يوجد بعد ـ إلاَّ نادر النادر ـ فارق حقيقي إنساني دائم في نوعه ـ يفصل حتمًا بين العاقل وغير العاقل .. وبين الخير الفعلي الصرف ، والتائه غير الخير غباءً أو مكرًا أو هما معًا .. كما في الزائف المنافق الدائم التقلب والتحول .. هذا الزائف لا يغطيه طويلاً اعتياده على اللسانة أو الليونة أو السهولة أو التلطف أو بعضها معًا .. مثل هذا لا يعرف قيمة لأي آدمي إلاّ نادر النادر .. في أعماقه وأغواره تلال من الأنانية والقسوة والغرور وقلة المبالاة ، شديد السطحية ضئيل الالتفات والعناية ـ لا تمس أعماقه وأغواره إلاّ تلك الأنانية التي لم تجف بل زادت وعلت، فيما يرجو العقلاء المخلصون أن تتناقص على الدوام كي لا تهلك البشرية كلها في يوم أو ليلة لا يحسب الحاسبون الهالكون حسابها !

زر الذهاب إلى الأعلى