نظرة تحليلية للاستراتيجية المصرية للملكية الفكرية في ضوء توجيهات منظمة الويبو
بقلم الدكتور/ محمد طرفاوي محمد المحامى
صدرت توجيهات السيد رئيس الجمهورية بتشكيل لجنة برئاسة مجلس الوزراء وعضوية الوزارات المعنية بإدارة الملكية الفكرية لصياغة استراتيجية للملكية الفكرية، وعلى هدى من هذه التوجيهات صدر قرار السيد الدكتور رئيس مجلس الوزاراء رقم (2372) لسنة 2020 يتشكيل لجنة برئاسة ممثل عن هيئة مستشاري مجلس الوزاراء وعضوية ممثلين عن الوزارات المعنية.
تعد هذه الاستراتيجية الخطوة الأولى من نوعها في مجال الملكية الفكرية في مصر لتكون حجر الأساس الذي تنبثق منه ملامح هذه المنظومة ولتشكيل قاعدة صلبة تساعد على النهوض تشريعياً ومؤسسياً لدعم الملكية الفكرية. (انظر مقدمة الاستراتيجية المصرية للملكية الفكرية).
يأتي ذلك في إطار التعاون الوثيق مع منظمة الويبو وهي المخولة بحماية حقوق الملكية الفكرية تلك المنظمة التابعة للأمم المتحدة تحاول مساعدة البلدان النامية في إعداد منظومات تشريعية متكاملة لحماية حقوق الملكية الفكرية وتحقيق التنمية المستدامة؛ فعندما ناقشت المنظمة قواعد الملكية الفكرية عالمياً وكيفية تعميم أفكار الحماية وتحقيق التنمية، اقترحت وضع الاستراتيجيات التي تتألف من مجموعة من التدابير التي تضعها الحكومات وتنفذها لتشجيع وتيسير استحداث الملكية الفكرية وتطويرها وإدارتها وحمايتها بفعالية على الصعيد الوطني. وهي وثيقة شاملة تبين الصلات بمختلف المجالات السياسية لضمان التنسيق الفعال مع سائر الأنشطة.
تهدف هذه الاستراتيجيات إلى تعزز الاستراتيجيات الوطنية للملكية الفكرية قدرة البلد على توليد أصول اقتصادية قيمة في مجال الملكية الفكرية. ويملك كل بلد ثروة في شكل رأس مال بشري؛ وأعمال أدبية وفنية؛ وحرف وفولكلور؛ وأصول وراثية وبيولوجية، وتساعد استراتيجيات الملكية الفكرية تلك الأمم على تحرير هذه الأصول من القيود بطريقة مخططة وفعالة ومستدامة؛ وعلى الرغم من إمكانية اختلاف الأهداف والاحتياجات والأولويات التي تقوم عليها الاستراتيجيات الوطنية للملكية الفكرية من بلد لآخر، فإن وجودها في حد ذاته لدى مختلف البلدان ينم عن أن استخدام منهجية موحدة وأدوات مصممة خصيصا يمكن أن ييسر اتباع مقاربة فعالة ومتوائمة لصياغة الاستراتيجيات. والويبو باعتبارها جهة فاعلة عالمية في مجال الملكية الفكرية، فإنها في وضع مثالي للاستناد إلى خبراتها الفريدة لمساعدة المستفيدين على صاغية استراتيجيات أفضل في مجال الملكية الفكرية.
وبداية نتحفظ على تشكيل اللجنة، فمثل هذه اللجنة يجب أن تتكون من ممثلين عن جهات مختلفة لأهمية الموضوع في إطار أهداف التنمية المستدامة، فيجب أن يزيد العنصر القانوني في اللجنة ليشمل ممثل عن الجهات القضائية المختلفة وممثل عن نقابة المحامين المصرية وممثلين عن الجامعات المصرية بجانب الممثلين الحاليين، وأن يكون هناك حواراً مجتمعياً حول فكرة الملكية الفكرية إحداثاً للعمق الثقافي وإثراء لأفكار ومقترحات التشريعات الخاصة بالملكية الفكرية.
قام المشرع المصري بعدد المحاولات التي تهدف إلى تنظيم حماية الملكية الفكرية كان آخرها صدور القانون رقم (82) لسنة 2002 بشأن حماية حقوق الملكية الفكرية وناقش فيه أحكام براءات الاختراع والرسوم والنماذج الصناعية وحق المؤلف والعلامات التجارية، إلا أن هذه المحاولة تحتاج إلى التطور نظراً يعتري أحكام الملكية الفكرية من تطور مستمر ونقاشات لا تنتهى لاسيما وأن مصر دولة عضو بمنظمة الويبو، فيجب أن يتم الاستعانة بها في تطوير تشريعات الملكية الفكرية.
ونفاذاً للاستراتيجية الجديدة سالفة الذكر صدرال قانون رقم 163 لسنة ٢٠٢٣ بإصدار قانون إنشاء الجهاز المصري للملكية الفكرية محدثاً حتى عام 2024.
وتم إنشاء الجهاز المصري للملكية الفكرية في ضوء الاستراتيجية الوطنية الجديدة، ويهدف إلى التقاط، التالية:
أولًا: بين استراتيجية السياسة التشريعية والاستراتيجية التنفيذية للملكية الفكرية.
ثانيًا: إرهاصات توحيد التشريع وجهة التنفيذ.
ثالثًا: حوكمة البنية المؤسسية في الاستراتيجية الوطنية للملكية الفكرية 2022 – 2027
رابعًا: حلول الجهاز المصري للملكية الفكرية محل اختصاصات الجهات التنفيذية.
خامسًا: إغفال ملف التراث الحي.
سادسًا: اختصاصات الجهاز المصري للملكية الفكرية.
سابعًا: توصيات وطموحات. (انظر المقال المنشور للدكتور/ أحمد سعيد عزت عامر)
وكان المشرع عام 2001 –مع بدء مناقشات تقرير اللجنة المشتركة لمشروع قانون بإصدار قانون حماية حقوق الملكية الفكرية أمام لحظة تاريخية فارقة في استراتيجية السياسة التشريعية للملكية الفكرية، بعدد من استحقاقات التزامات وطنية قانونية لمعاهدات دولية انضمت لها مصر، أخصها الاتفاقية العامة للتعريفة الجمركية والتجارةGATT ، ونتائج جولتها الثامنة من المفاوضات التجارية متعددة الأطراف المعروفة بإسم (التريبس) ؛ بما استوجب التزامًا قانونيًا بتعديل وإعادة النظر في تنظيم تشريعات الملكية الفكرية المعمول بها وقتئذ، وبالأخص في مجال براءات الاختراع عن الصناعات الدوائية، بعد استنفاد الاستثناءات المقررة بهذا الخصوص في الاتفاقية؛ ما وضع المشرع بالخيار أمام طريقين:
أولهما: الاستمرار في تعدد القوانين المنظمة لفروع الملكية الفكرية مع تعديل يلاحق التغيرات الجديدة في مجالات الملكية الفكرية، وأخصها التطورات التكنولوجية وثورة المعلومات والاتصالات آنذاك، ويساير مجالات جديدة للملكية الفكرية مثل نماذج المنفعة، والأصناف النباتية الجديدة.
ثانيهما: أن يضع تقنينًا متكاملًا يجمع شتات فروع الملكية الفكرية ومستحدثاتها، بين دفتي تشريع موحد توافقًا مع فلسفة الحكومة –آنذاك- في إصدار قانون موحد؛ بسيادة وإرادة وطنية تهدف إعادة الريادة لمظاهر الحضارة المصرية على أيدي مبدعيها ومفكريها وعلمائها.
فكان خيار المشرع –الأصوب- هو الخيار الثاني، وما ترتب عليه من صدور القانون رقم 82 لسنة 2002، الذي نراه بداية حقبة جديدة نحو استراتيجية السياسة التشريعية للملكية الفكرية، بفلسفة تجلت مرة أخري تعديلًا للبنية المؤسسية القضائية المختصة بالملكية الفكرية وذلك بإصدار قانون بإنشاء المحاكم الاقتصادية رقم 120 لسنة 2008–وتعديلاته-، إذ أن صدور هذا القانون –والتعديلات التي تمت عليه بذات الفلسفة- بما تضمنه من اختصاص هذه المحاكم كقضاء متخصص فصلًا في المنازعات والدعاوى التي تنشأ عن تطبيق عدد من القوانين ذات الاختصاص الاقتصادي، وعلى رأسها قانون حماية حقوق الملكية الفكرية، يمثل ثاني خطوات استراتيجية السياسة التشريعية للملكية الفكرية في مصر.( يراجع ذات المقال)
ويرى الكاتب أن هناك صعوبة كبيرة في وضع جميع أطر وأفكار الملكية الفكرية في تشريع واحد، حيث تنقسم أفكار الملكية الفكرية – طبقاً لتقسيم منظمة الويبو – إلى حماية البراءات، وحماية الأصناف النباتية، وحماية العلامات التجارية، وحماية التصاميم الصناعية، وحماية المؤشرات الجغرافية، وتسوية المنازعات المتعلقة بالملكية الفكرية، ناهيك عن البعد الدولي في بعض المنازعات وهو ما يثير صعوبات عديدة في وضع جميع تلك الأفكار في تشريع واحد، ويمكن أن يتم وضع تشريع عام لقواعد الملكية الفكرية يحدد الأفكار والقواعد العامة لها ثم يتم وضع تشريعات فرعية لكل مجال وهو ما يدعم عدة أمور من أهمها ما يلي:
- وضع تشريع عام يساعد على وضع إطار تنظيمي عام وشامل للأفكار الأساسية للملكية الفكرية.
- التشريعات الفرعية تضع القواعد والأحكام المتعلقة بمجالاتها فقط ما يدعو إلى ضبط تشريعي أكبر.
- التشريع الخاص – الفرعي – لا يمكن أن يخالف الحكم العام الوارد بالتشريع العام إلا حال الاستثناء.
وبذلك يتم تحديد عناصر الملكية الفكرية العامة، مع الوضع في الاعتبار التطورات الدائمة في هذا المجال ومعالجتها سريعاً بالتشريعات الخاصة، كما يسهل هذا التوجه عمل لجنة الملكية الفكرية المنشأة بالقانون رقم 163 لسنة 2023، وبذلك تتم مواكبة التطور بأكبر قدر ممكن من الدقة والسرعة اللازمة.
وبالأخير نوضح أن هذا الموضوع مثار بحث أكاديمي هام لجميع الباحثين ويدعو الكاتب إلى ضرورة التعمق فيه بشكل أكبر.