نحو قانون أحوال شخصية متوازن.. الخلع

الدكتور أحمد عبد الظاهر
أستاذ القانون الجنائي بجامعة القاهرة
المستشار القانوني بدائرة القضاء – أبو ظبي

مساء يوم الثلاثاء الموافق العاشر من مايو 2022م، وخلال مداخلة هاتفية ببرنامج صالة التحرير مع الإعلامية عزة مصطفى، على قناة صدى البلد، أكد الرئيس عبد الفتاح السيسي أن:
– نسب الأسر المسجلة لحالات انفصال زادت بشكل كبير آخر عشرين عاماً.
– الأحوال الشخصية من أخطر القضايا، وتؤثر على تماسك المجتمع ومستقبله.
– مشاكل الأحوال الشخصية ستدفع الشباب للعزوف عن الزواج وتكوين أسر.
– الدين يضع الضمير عاملاً من عوامل الضبط، وهذا لا يغيب إجراءات الدولة.
– سنحاسب أمام الله عن الملف، قضاة ودولة ورئيس وحكومة وبرلمان وأزهر.
– نحتاج إلى مناقشة قضايا الأسرة بأمانة وحيادية، دون مزايدة.
– إعداد قانون أحوال شخصية متوازن يحقق العدالة للجميع خلال أيام.
– كل مؤسسات الدولة والمجتمع عليها التكاتف لإعداد قانون متوازن.

وتجاوباً مع تصريحات الرئيس عبد الفتاح السيسي، أعلنت رئيسة المجلس القومي للمرأة، أن المجلس بذل جهوداً كبيره على مدار ست سنوات، حيث تم التوصل إلى مجموعة من المحددات والمتطلبات التي يرى المجلس من الضروري تضمينها في «قانون الأحوال الشخصية» أو «قانون الاسرة» الجديد.

وفي الخامس من يونيو 2022م، وبناءً على توجيهات رئيس الجمهورية، صدر قرار وزير العدل رقم (3805) لسنة 2022 بتشكيل لجنة قضائية لإعداد مشروع قانون للأحوال الشخصية للمسلمين ومحاكم الأسرة، يهدف إلى تحجيم النزاعات، وتحقيق العدالة الناجزة من خلال رؤية متوازنة تضمن حقوق سائر أفراد الأسرة. وتخول المادة الثالثة من القرار «للجنة تلقي الاقتراحات بشأن التعديلات على قانون الأحوال الشخصية، وذلك على البريد الالكتروني (m.o.j@jp.gov.eg) خلال خمسة عشر يوماً من تاريخ هذا القرار». كذلك، وطبقاً للمادة الخامسة من القرار، «للجنة طلب المعلومات والبيانات الإحصائية من الجهات الرسمية في الدولة، والتي تراها لازمة لصياغة أحكام مشروع القانون على ضوئها». وتخول المادة السابعة من القرار «لرئيس اللجنة تشكيل مجموعة استشارية من المتخصصين لإحالة موضوع محدد إليها، وأخذ مشورتها فيما يعرض عليها من مسائل الأحوال الشخصية، ومن بينها المسائل الطبية والاجتماعية، والمالية، والدينية، وغير ذلك». وتحدد المادة السادسة مدة عمل اللجنة، بنصها على أن «تنتهي اللجنة من عملها خلال أربعة شهور من تاريخ هذا القرار، ولوزير العدل مد هذه المدة للأجل الذي يراه مناسباً حتى انتهاء اللجنة من أعمالها، وتقديم مشروع القانون إلى الوزارة».

ولما كان الحوار المجتمعي حول مشروعات القوانين هو أحد الوسائل الحديثة في صناعة التشريعات، ورغبة في إثراء الحوار المجتمعي حول مسائل الأحوال الشخصية، ارتأينا من الملائم كتابة سلسلة من المقالات عن أهم مسائل الأحوال الشخصية، وبحيث تحمل هذه السلسلة من المقالات عنوان «نحو قانون متوازن للأحوال الشخصية». وسنركز في هذه السلسلة من المقالات على المحددات أو المتطلبات التي يرى المجلس من الضروري تضمينها في «قانون الأحوال الشخصية» أو «قانون الاسرة» الجديد، والتي تم الإعلان عنها بواسطة رئيسة المجلس القومي للمرأة. وانطلاقاً مما سبق، نرى من المناسب أن نبدأ بأحد أهم المحددات أو المتطلبات التي يحرص عليها المجلس القومي للمرأة، وهو «الحفاظ على مادة الخلع بنصها الحالي في القانون وعدم تعديل حكم الخلع باعتباره طلاق بائن وليس فسخا لعقد الزواج».

ومن ثم، سنحاول في هذا المقال إلقاء الضوء على موضوع الخلع، من خلال بيان الأساس الشرعي له، وخطة القانون المصري في شأنه، وإقرار القاضي الدستوري له، والجدل حول تقنين الخلع في المجتمعات العربية، وإشكاليات وتساؤلات في المجتمعات العربية حول بدل الخلع، وذلك في خمسة مطالب، كما يلي:

المطلب الأول
الأساس الشرعي للخلع

يستند الخلع إلى العديد من النصوص الشرعية، في الكتاب والسنة. والدليل على جواز الخُلع من القرآن الكريم قول الله سبحانه وتعالى في سورة البقرة، الآية 229: وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ الله فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ الله فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ. أما الدليل من السنة النبوية المطهرة، فقد روي عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: «إن امرأة ثابت بن قيس أتت النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسول الله، ثابت بن قيس ما أعتب عليه في خلق ولا دين، ولكني أكره الكفر في الإسلام، فقال رسول الله، أتردين عليه حديقته؟، قالت: نعم، قال صلى الله عليه وسلم: اقبل الحديقة وطلقها تطليقه». وفي كتاب «الإصابة في تمييز الصحابة»، ذكر ابن حجر العسقلاني أن جميلة بنت أُبيّ بن سلول كانت تحت ثابت بن قيس بن شماس، فنشزت عليه، فأرسل إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: «يَا جَمِيلَةُ، مَا كَرِهْتِ مِنْ ثَابِتٍ؟»، فقالت: والله ما كرهْتُ منه شيئاً إلا دمامته، فقال لها: «أتَرُدِّين عَليه حَدِيقَتَهُ؟»، قالت: نعم، ففرَّق بينهما، وثابت بن قيس خزرجي أنصاري شهد أحداً وما بعدها، من أعيان الصحابة، كان خطيباً للأنصار، وشهد له النبي بالجنة، ويقال إنه رضي الله عنه كان قصير القامة شديد السواد.

وحكم الخلع هو ذات حكم الطلاق. وهكذا، وكما أن الطلاق هو «أبغض الحلال عند الله»، فإن الخلع بدوره يأخذ الحكم ذاته. ولذلك، ينهى الشارع الحكيم عنه إذا كان لغير سبب، سوى رغبة الزوجة في فراق هذا وتزوُّج ذاك. وفي ذلك، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «أيما امرأة اختلعت من زوجها بغير نشوز، فعليها لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، المُختلعات هنَّ المنافقات». والخوف من ترك إقامة حدود الله، إما بأن يكون الزوج سيئ الخلُق، فيفضي ذلك بالزوجة إلى عدم إقامة حدود الله فيما ألزمت به من حقوق الزواج، وإما بأن تكون الزوجة مُبغضة لزوجها، فيصعب عليها حسن العشرة.

وعلى هذا النحو، وإذا كانت الشريعة الإسلامية قد خولت للرجل حق الطلاق، فقد جعلت في مقابل ذلك «الخلع» حقاً للمرأة، بحيث يمكنها أن تفتدي نفسها إذا كرهت زوجها وخافت ألا توفيه حقه. فلما جعَل الله سبحانه وتعالى الطلاق في يد الرجل، يستطيع أن يلجأ إليه كعلاج أخير يتخلص به من زواج، تبين له أنه لم يؤدِّ الغرض المقصود منه، فإنه في الوقت ذاته أعطى المرأة هذا الحق في أن تتخلص من زواجها، إذا تبين لها أنه لم يحقق لها المعاني السامية للزواج في السكن والمودة، وذلك بالخُلع، لتكون الحياة الزوجية قائمة على الحرية في نشأتها، وفي استمرارها. فليس من المعقول، ولا من العدل، أن تشعر امرأة بالنفور من زوجها لأي سبب، ثم تُرغم على المعيشة معه، لأن حياة زوجية بهذا الشكل لا خير فيها، للزوجين أو للمجتمع.

المطلب الثاني
الخلع في خطة القانون المصري

بموجب المادة العشرين من قانون تنظيم بعض أوضاع وإجراءات التقاضي في مسائل الأحوال الشخصية رقم 1 لسنة 2000م، يخول المشرع «للزوجين أن يتراضيا فيما بينهما على الخلع، فإن لم يتراضيا عليه وأقامت الزوجة دعواها بطلبه وافتدت نفسها وخالعت زوجها بالتنازل عن جميع حقوقها المالية الشرعية وردت عليه الصداق الذي أعطاه لها، حكمت المحكمة بتطليقها عليه. ولا تحكم المحكمة بالتطليق للخلع إلا بعد محاولة الصلح بين الزوجين، وندبها لحكمين لموالاة مساعي الصلح بينهما، خلال مدة لا تجاوز ثلاثة أشهر، وعلى الوجه المبين بالفقرة الثانية من المادة (18) والفقرتين الأولى والثانية من المادة (19) من هذا القانون، ويعد أن تقرر الزوجة صراحة أنها تبغض الحياة مع زوجها وأنه لا سبيل لاستمرار الحياة الزوجية بينهما وتخشى ألا تقيم حدود الله بسبب هذا البغض. ولا يصح أن يكون مقابل الخلع إسقاط حضانة الصغار، أو نفقتهم أو أي حق من حقوقهم. ويقع بالخلع في جميع الأحوال طلاق بائن. ويكون الحكم – في جميع الأحوال – غير قابل للطعن عليه بأي طريق من طرق الطعن».

وهكذا، وبمقتضى قانون تنظيم بعض أوضاع وإجراءات التقاضي في مسائل الأحوال الشخصية رقم 1 لسنة 2000م، تم تقنين الخلع لأول مرة في النظام القانوني المصري.

المطلب الثالث
إقرار القاضي الدستوري للخلع

رغم توافر الأساس الشرعي للخلع، كما سبق أن أسلفنا، فإن بعض الأزواج قد طعنوا أمام المحكمة الدستورية العليا في دستورية المادة العشرين من قانون تنظيم بعض أوضاع وإجراءات التقاضي في مسائل الأحوال الشخصية رقم 1 لسنة 2000م، مدعين مخالفتها للدستور، لمناقضتها لأحكام الشريعة الإسلامية التي تشترط – على حد قولهم – قبول الزوج للخلع، وذلك بالإضافة إلى بعض المناعي الدستورية الأخرى. ففي القضية رقم 201 لسنة 23 قضائية دستورية، كانت الزوجة قد أقامت الدعوى رقم 532 لسنة 2000 أمام محكمة الإسكندرية الابتدائية للأحوال الشخصية بطلب الحكم بخُلعها من زوجها المدعى، طلقة ً بائنةً، مقابل ردها عاجل الصداق والشبكة، وتنازلها عن مؤخر الصداق، على سند من أن المدعى كان قد تزوجها بصحيح العقد الشرعي المؤرخ في الخامس والعشرين من يوليو سنة 1997م، وقد دبّ الخلاف بينهما إلى حد لم تعد تطيق الحياة معه، وأصبحت تخشى من أن تُغضب الله إزاء كراهيتها لزوجها وعدم رغبتها في معاشرته. وعرضت محكمة الموضوع الصلح على الطرفين، فرفضته الزوجة وقبله الزوج، فقررت المحكمة ترشيح حكمين، وإذ باشرا مهمتهما، وقدما تقريراً يوصى بخُلعها منه بعد أن تبين لهما استحالة العشرة بينهما، واستعدادها للتنازل عما لها من حقوق لديه. وأثناء نظر الدعوى، وقبل أن يتم الفصل فيها، دفع الزوج بعدم دستورية القانون رقم 1 لسنة 2000 المشار إليه، والمادة (20) منه. وإذ قدرت محكمة الموضوع جدية دفعه، صرحت له بإقامة الدعوى الدستورية، فقد أقام دعواه بعدم دستورية النص سالف الذكر.

وقد نعى الزوج على القانون رقم 1 لسنة 2000 المشار إليه عدم عرض مشروعه على مجلس الشورى باعتباره من القوانين المكملة للدستور، مما يخالف أحكام المادتين (194، 195) من الدستور. وإزاء هذا النعي، أكدت المحكمة أن هذا النعي غير صحيح، ذلك أنه – وأياً كان وجه الرأي في اعتبار القانون الطعين من القوانين المكملة للدستور- فالثابت أن مشروعه قد عُرض على مجلس الشورى؛ وتمت الموافقة عليه بعد أن جرت مناقشته في دور الانعقاد الحادي والعشرين للمجلس؛ أولاً: بجلستيه التاسعة والعاشرة المعقودتين بتاريخ 25 ديسمبر 1999م، ثم بجلستيه الحادية عشرة والثانية عشرة المعقودتين بتاريخ 26 ديسمبر 1999م، حسبما جاء بمضابط تلك الجلسات وكتاب المستشار أمين عام مجلس الشورى رقم 100 بتاريخ 10 ديسمبر 2000م.

ومن ناحية أخرى، نعى الزوج على المادة (20) المطعون عليها مخالفتها للدستور؛ لمناقضتها لأحكام الشريعة الإسلامية التي تشترط قبول الزوج للخُلع، فضلاً عن أن ما قررته من عدم قابلية الحكم الصادر بالخُلع للطعن بأي طريق؛ فيه إهدار لحق التقاضي الذي كفله الدستور للناس كافة. وعن النعي بمخالفة النص الطعين لأحكام الشريعة الإسلامية، تقول المحكمة الدستورية العليا إن «المقرر في قضاء هذه المحكمة، أن المادة الثانية من الدستور – بعد تعديلها في سنة 1980 – إذ نصت على أن مبادئ الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع، فإن مقتضى ذلك أنه لا يجوز لنص تشريعي يصدر في ظله أن يناقض الأحكام الشرعية القطعية في ثبوتها ودلالتها، باعتبار أن هذه الأحكام وحدها هي التي يمتنع الاجتهاد فيها لأنها تمثل من الشريعة الإسلامية ثوابتها التي لا تحتمل تأويلاً أو تبديلاً، وليست كذلك الأحكام الظنية في ثبوتها أو دلالتها أو فيهما معاً، فهذه تتسع دائرة الاجتهاد فيها تنظيماً لشئون العباد، وضماناً لمصالحهم التي تتغير وتتعدد مع تطور الحياة وتغير الزمان والمكان، وهو اجتهاد وإن كان جائزاً ومندوباً من أهل الفقه، فهو في ذلك أوجب وأولى لولى الأمر، يبذل جهده في استنباط الحكم الشرعي من الدليل التفصيلي، ويُعمل حكم العقل فيما لا نص فيه؛ توصلاً لتقرير قواعد عملية يقتضيها عدل الله ورحمته بعباده، وتسعها الشريعة الإسلامية التي لا تضفى قدسية على آراء أحد من الفقهاء في شأن من شئونها، ولا تحول دون مراجعتها وتقييمها وإبدال غيرها بها بمراعاة المصلحة الحقيقية للجماعة التي لا تناقض المقاصد العليا للشريعة، ويكون اجتهاد ولى الأمر بالنظر في كل مسألة بخصوصها بما يناسبها؛ إخماداً للثائرة، وإنهاءً للتنازع والتناحر، وإبطالاً للخصومة، مستعيناً في ذلك كله بأهل الفقه والرأي، وهو في ذلك لا يتقيد بالضرورة بآراء الآخرين، بل يجوز أن يُشرِّع على خلافها، وأن ينظم شئون العباد في بيئة بذاتها تستقل بأوضاعها وظروفها الخاصة، بما يرد الأمر المتنازع عليه إلى الله ورسوله؛ وكان حقاً عليه عند الخيار بين أمرين مراعاة أيسرهما ما لم يكن إثماً، فلا يُضيّق على الناس، أو يُرهقهم من أمرهم عُسراً؛ وإلا كان مصادماً لقوله تعالى ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج.

وحيث إنه لما كان الزواج قد شُرع – في الأصل – ليكون مؤبداً، ويستمر صالحاً، وكانت العلاقة الشخصية بين الزوجين هي الصلة التي تجعل الحياة الزوجية صالحة فيبقى الزواج بها، لذلك فقد حرص الشارع – عز وجل- على بقاء المودة وحث على حسن العشرة، ولكن عندما تحل الكراهية محل المودة والرحمة، ويشتد الشقاق ويصعب الوفاق، فقد رخص سبحانه وتعالى للزوج أن ينهى العلاقة بالطلاق يستعمله عند الحاجة وفى الحدود التي رسمها له الشارع الحكيم، وفى مقابل هذا الحق الذى قرره جل شأنه للرجل فقد كان حتماً مقضياً أن يقرر للزوجة حقاً في طلب التطليق لأسباب عدة، كما قرر لها حقاً في أن تفتدى نفسها فترد على الزوج ما دفعه من عاجل الصداق وهو ما عُرِفَ بالخُلع. وفى الحالين، فإنها تلجأ إلى القضاء الذى يطلقها لسبب من أسباب التطليق، أو يحكم بمخالعتها لزوجها، وهى مخالعة قال الله تعالى فيها الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان ولا يحل لكم أن تأخذوا مما أتيتموهن شيئاً إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله، فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به، تلك حدود الله فلا تعتدوها، ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون – الآية رقم 229 من سورة البقرة – بما مؤداه: أن حق الزوجة في مخالعة زوجها وافتداء نفسها مقابل الطلاق قد ورد به نص قرآني كريم قطعي الثبوت، ثم جاءت السنة النبوية الكريمة لتُنزل الحكم القرآني منزلته العملية، فقد روى البخاري في الصحيح عن عكرمة عن ابن عباس- رضى الله عنه ما – قال: جاءت امرأة ثابت بن قيس بن شماس إلى النبي – صلى الله عليه وسلم – فقالت: يا رسول الله، ما أنقم على ثابت في دين ولا خلق، إلا أنى أخاف الكفر في الإسلام، فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم-: أفتردين عليه حديقته؟ قالت: نعم وأزيد، فقال لها أما الزيادة فلا، فردت عليه حديقته، فأمره؛ ففارقها. وقد تعددت الروايات في شأن أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، منها الرواية السابقة ومنها أنه أمره بتطليقها، وفى رواية أخرى أنه طلقها عليه، وكان ثابت بن قيس غير حاضر، فلما عرف بقضاء رسول الله قال: رضيت بقضائه. فالخُلع إذاً في أصل شرعته من الأحكام قطعية الثبوت لورود النص عليه في كل من القرآن والسنة. أما أحكامه التفصيلية فقد سكت عنها العليم الخبير جل شأنه – لحكمة قدرها – وتبعه الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم في ذلك، ولذا فقد اجتهد الفقهاء في شأن هذه الأحكام، فمنهم من ذهب إلى لزوم موافقة الزوج على الخُلع، قولاً بأن ما ورد بالحديث الشريف من رد الحديقة والأمر بالمفارقة، كان من قبيل الندب والإرشاد؛ فلا يقع الطلاق بالخُلع إلا بموافقة الزوج، على حين ذهب فريق آخر إلى أن الأمر بالمفارقة كان أمر وجوب؛ فيقع الخُلع إما برضاء الزوجين، أو بدون موافقة الزوج، وذلك بحكم ولى الأمر أو القاضي، فكان لزاماً – حتى لا يشق الأمر على القاضي – أن يتدخل المشرع لبيان أي من الرأيين أولى بالاتباع، وهو ما نحا إليه النص المطعون فيه؛ فأخذ بمذهب المالكية وأجاز للزوجة أن تخالع إذا ما بغضت الحياة مع زوجها وعجز الحكمان عن الصلح بينهما فيخلعها القاضي من زوجها بعد أخذ رأى الحكمين، على أن تدفع إليه ما قدمه في هذا الزواج من عاجل الصداق. وليس ذلك إلا إعمالاً للعقل بقدر ما تقتضيه الضرورة بما لا ينافي مقاصد الشريعة الإسلامية وبمراعاة أصولها؛ ذلك أن التفريق بين الزوجين في هذه الحالة، من شأنه أن يحقق مصلحة للطرفين معاً، فلا يجوز أن تُجبر الزوجة على العيش مع زوجها قسراً عنها؛ بعد إذ قررت أنها تبغض الحياة معه، وأنه لا سبيل لاستمرار الحياة الزوجية بينهما، وأنها تخشى ألا تقيم حدود الله بسبب هذا البغض، مما حدا بها إلى افتدائها لنفسها وتنازلها له عن جميع حقوقها المالية الشرعية وردها الصداق الذي أعطاه لها. والقول باشتراط موافقة الزوج يؤدى إلى إجبار الزوجة على الاستمرار في حياة تبغضها؛ وهو ما يبتعد بعلاقة الزواج عن الأصل فيها، ألا وهو السكن والمودة والتراحم، ويجعل الزوج، وقد تخفف من كل عبء مالي ينتج عن الطلاق، غير ممسك بزوجته التي تبغضه إلا إضراراً بها، وهو إضرار تنهى عنه الشريعة الإسلامية، وتتأذى منه العقيدة الإسلامية فيما قامت عليه من تكامل أخلاقي وسمو سلوكي، ويتنافى مع قاعدة أصولية في هذه الشريعة وهي أنه لا ضرر ولا ضرار.

وحيث إنه لما تقدم، فإن النص الطعين يكون قد نهل من أحكام الشريعة الإسلامية منهلاً كاملاً، فقد استند في أصل قاعدته إلى حكم قطعي الثبوت، واعتنق في تفاصيله رأى مذهب من المذاهب الفقهية، بما يكون معه في جملته موافقاً لأحكام هذه الشريعة السمحة، ويكون النعي عليه مخالفتها ومن ثم مخالفة المادة الثانية من الدستور نعياً غير صحيح بما يوجب رفضه.

وحيث إن الأصل في السلطة التي يملكها المشرع في مجال تنظيم الحقوق – ومن بينها حق التقاضي المقرر بنص المادة (68) من الدستور – هو إطلاقها ما لم يقيدها الدستور بضوابط معينة، منها أن هذا التنظيم ينبغي ألا يؤدى إلى إجراء تمييز تحكمي فيما بين أصحاب المراكز القانونية المتكافئة بلا أساس موضوعي يبرره، كما أنه ليس كل تقسيم تشريعي يعتبر منافياً لمبدأ المساواة، بل يتعين دوماً أن يُنظر إلى النصوص القانونية باعتبارها وسائل حددها المشرع لتحقيق أغراض يبتغيها، فلا يستقيم إعمال مبدأ المساواة أمام القانون -المنصوص عليه بالمادة (40) من الدستور- إلا على ضوء مشروعية تلك الأغراض واتصال هذه الوسائل منطقياً بها، إذ لا يتصور أن يكون التقسيم التشريعي من فصلاً عن هذه الأغراض التي يتغياها المشرع. لما كان ذلك وكان قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن قصر التقاضي على درجة واحدة لا يناقض الدستور، وإنما يدخل في إطار السلطة التقديرية التي يملكها المشرع في مجال تنظيم الحقوق، فإن ذلك مؤداه: أن الوقوف بالتقاضي عند درجة واحدة استناداً إلى أسس موضوعية، لا ينتقص من حق التقاضي الذي يكفله الدستور للناس كافة.

وحيث إن التنظيم التشريعي للخلع – طبقاً للنص المطعون فيه – هو تنظيم متكامل ينفرد بكونه وحدة لا تتجزأ في جميع عناصرها ومقتضياتها الشرعية، قصد به المشرع دفع الضرر ورفع الحرج عن طرفي العلاقة الزوجية، إذ يرمى إلى رفع الظلم عن الزوجات اللاتي يعانين من تعنت الأزواج عند ما يستحكم النفور ويستعصى العلاج كما يرفع عن كاهل الأزواج كل عبء مالي يمكن أن ينجم عن إنهاء العلاقة الزوجية، فالتنظيم يقوم على افتداء الزوجة نفسها بتنازلها عن جميع حقوقها المالية الشرعية، ورد عاجل الصداق الذى دفعه الزوج لها، المثبت في عقد الزواج أو الذى تقدره المحكمة عند التنازع فيه، وإقرارها بأنها تبغض الحياة مع زوجها وأنه لا سبيل لاستمرار الحياة بينهما، وتخشى ألا تقيم حدود الله بسبب هذا البغض، فإذا لم يوافق الزوج على التطليق، فإن المحكمة تقوم بدورها في محاولة للصلح بين الزوجين ثم تندب حكمين لموالاة ذلك، دون التزام على الزوجة بأن تبدى أسباباً لا تريد الإفصاح عنها، ومن ثم لا تبحث المحكمة أسباباً معينة قانونية أو شرعية ، أو تحقق أضراراً محددة يمكن أن تكون قد لحقت بها، فإن لم يتم الوفاق، وعجز الحكمان عنه؛ تتحقق المحكمة من رد الزوجة لعاجل الصداق بعد أن تستوثق من إقراراتها، ثم تحكم بالخُلع؛ الذى تقع به طلقة بائنة، أخذاً بما أجمع عليه فقهاء المسلمين، ومن ثم يكون أمراً منطقياً أن ينص المشرع على أن الحكم الصادر بالخُلع في جميع الأحوال يكون غير قابل للطعن عليه بأي طريق من طرق الطعن، تقديراً بأن الحكم يُبنى هنا على حالة نفسية وجدانية تقررها الزوجة وحدها، وتُشهد الله وحده على بغضها الحياة مع زوجها وخشيتها هي دون سواها ألا تقيم حدود الله، ومن ثم تنتفى كليةً علة التقاضي على درجتين، حيث تعطى درجة التقاضي الثانية فرصة تدارك ما عساها تخطئ فيه محكمة أول درجة من حصر للوقائع أو استخلاص دلالتها، أو إلمام بأسباب النزاع، أو تقدير لأدلته، أو إنزال صحيح حكم القانون عليه، بما مؤداه: أن دعوى التطليق للخُلع تختلف في أصلها ومرماها عن أية دعوى أخرى، حيث تقتضى أن يكون الحكم الصادر فيها منهياً للنزاع برمته وبجميع عناصره، بما في ذلك ما قد يُثار فيها من نزاع حول عاجل الصداق الواجب رده، والقول بغير ذلك يفتح أبواب الكيد واللدد في الخصومة التي حرص المشرع على سدها ويهدم التنظيم من أساسه، فلا يحقق مقاصده الشرعية والاجتماعية المنشودة. ومتى كان ما تقدم، فإن النص الطعين فيما قرره من عدم قابلية الحكم الصادر بالخُلع للطعن عليه بأي طريق من طرق الطعن يكون قائماً على أسس موضوعية تسانده وينهض أيضاً مبرراً لمغايرته – في هذا الشأن – عما سواه من أحكام تصدر بالتطليق للضرر أو لغيره من أسباب، ومن ثم فلا يكون النص الطعين، فيما تضمنه من عدم قابلية الحكم الصادر بالخُلع للطعن عليه بأي طريق من طرق الطعن، منتقصاً من حق التقاضي أو مارقاً عن مبدأ المساواة.

ومن ثم، وحيث إن النص الطعين لا يخالف أي حكم آخر من أحكام الدستور، فقد حكمت المحكمة برفض الدعوى في طلب الحكم بعدم دستورية المادة (20) من قانون تنظيم بعض أوضاع وإجراءات التقاضي في مسائل الأحوال الشخصية الصادر بالقانون رقم 1 لسنة 2000 فيما نصت عليه من أن الحكم الصادر بالخلع غير قابل للطعن عليه بأي طريق من طرق الطعن (راجع: حكم المحكمة الدستورية العليا، 15 ديسمبر سنة 2002م، القضية رقم 201 لسنة 23 قضائية دستورية).

وقبل أن يصدر الحكم سالف الذكر، وفي قضية أخرى، وبتاريخ الثالث عشر من مارس سنة 2002م، أودع زوج آخر صحيفة دعوى قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا، طالباً الحكم بعدم دستورية المادة (20) من قانون تنظيم بعض أوضاع وإجراءات التقاضي في مسائل الأحوال الشخصية الصادر بالقانون رقم 1 لسنة 2000، فيما تضمنته الفقرات الأولى والرابعة والأخيرة من أن الخلع يكون مقبولاً دون قبول من الزوج، وأن يقع في جميع الأحوال طلاقا بائنا، وأن يكون الحكم في جميع الأحوال غير قابل للطعن عليه بأي طريق من طرق الطعن. وتتحصل وقائع هذه الدعوى في أن الزوجة المدعى عليها في هذه الدعوى الدستورية كانت قد أقامت الدعوى رقم 2523 لسنة 2001 أحوال شخصية أمام محكمة الإسكندرية الابتدائية ضد المدعى زوجها بطلب الحكم بتطليقها طلقة بائنة خُلعاً، وأسست دعواها على أنها زوجة للمدعى وقد بغضت الحياة معه، وأنه لا سبيل لاستمرار الحياة الزوجية بينهما وتخشى ألا تقيم حدود الله بسبب هذا البغض، وأنها تفتدى نفسها بالتنازل عن كافة حقوقها المالية والشرعية ورد مقدم الصداق؛ إعمالاً لنص المادة (20) من قانون تنظيم بعض أوضاع وإجراءات التقاضي في مسائل الأحوال الشخصية الصادر بالقانون رقم 1 لسنة 2000. وبجلسة الثاني من مارس 2002م، دفع المدعى بعدم دستورية الفقرات الأولى والرابعة والأخيرة من المادة (20) المشار إليها. وإذ قدرت محكمة الموضوع جدية هذا الدفع، صرحت له برفع الدعوى الدستورية، فأقام دعوى أمام المحكمة الدستورية العليا.

وحيث إن المحكمة سبق لها أن حسمت المسألة الدستورية المثارة في الدعوى الماثلة، بحكمها الصادر بجلسة 15 ديسمبر سنة 2002 في القضية رقم 201 لسنة 23 قضائية «دستورية»، حيث انتهت إلى موافقة النص المطعون عليه لأحكام الدستور، ومن ثم قضت برفض الطعن عليه بعدم الدستورية، وإذ نُشر هذا الحكم بالجريدة الرسمية بالعدد (52 تابع) بتاريخ 26/12/2002، وكان مقتضى أحكام المادتين (48) و (49) من قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979 أن يكون لقضاء هذه المحكمة حجية مطلقة في مواجهة الكافة، وبالنسبة للدولة بسلطاتها المختلفة باعتباره قولاً فصلاً في المسألة المقضي فيها، وهى حجية تحول بذاتها دون المجادلة فيه أو إعادة طرحه عليها من جديد لمراجعته، وكانت محكمة الموضوع – إعمالاً لما تقدم – قد قضت بجلسة الحادي والثلاثين من مايو 2003م بتطليق المدعى عليها الأخيرة على المدعى طلقة بائنة خُلعاً، فإن الدعوى الراهنة تكون غير مقبولة. فلهذه الأسباب، حكمت المحكمة بعدم قبول الدعوى، وبمصادرة الكفالة، وألزمت المدعى المصروفات ومبلغ مائتي جنيه مقابل أتعاب المحاماة (يراجع: المحكمة الدستورية العليا، 15 إبريل سنة 2007م، قضية رقم 92 لسنة 24 قضائية «دستورية»).

المطلب الرابع
الخلاف الفقهي حول طبيعة الخلع

ثار التساؤل حول طبيعة الخلع، وما إذا كان طلاقاً أم فسخاً لعقد الزواج. وفي الإجابة عن هذا التساؤل، وبتاريخ الثالث والعشرين من يونيو 2019م، وفي فتواها رقم (15154)، ورداً على السؤال عن ماهية نوع الطلاق الذي يقع بالخلع، وما معنى كونه طلاقاً بائناً، أكد مفتي الديار المصرية، الأستاذ الدكتور/ شوقي إبراهيم علام أن «الطلقة الواقعة بالخلع تحسب طلقةً بائنةً، فإذا كان الخلع غير مسبوق بخلع أو طلاق أو كان مسبوقًا بخلع أو طلقة واحدة: فهو طلاق بائن بينونةً صغرى لا تعود فيه المرأة إلى زوجها إلا بعقد ومهر جديدين، أما إذا كان الخلع مسبوقًا بطلقتين أو طلقة وخلع أو بخلعين: فهو طلاق بائن بينونة كبرى لا تحل فيه المرأة لمطلقها حتى تنكح زوجًا غيره ويدخل بها ثم يطلقها بعد ذلك، وهذا ما عليه جمهور الفقهاء، وعليه العمل في الديار المصرية إفتاءً وقضاءً».

وفي تفاصيل هذه الفتوى، قال فضيلة المفتي: اختلف الفقهاء في كون الفرقة الواقعة بين الزوجين بسبب الخلع طلاقًا أو فسخًا؛ فالجمهور من الحنفية، والمالكية، والقول الجديد عند الشافعية على أنها طلاق يحتسب من عدد الطلقات. والمروي عن ابن عباس رضي الله عنهما، والصحيح من مذهب الحنابلة، والإمام الشافعي في القديم على أنَّه فسخ لا يحتسب من الطلقات.
قال الإمام السرخسي الحنفي في «المبسوط» (6/ 171-172، ط. دار المعرفة): [إذا اختلعت المرأة من زوجها فالخلع جائز، والخلع تطليقة بائنة عندنا، وفي قول الشافعي رحمه الله هو فسخ، وهو مروي عن ابن عباس رضي الله عنهما، وقد روي رجوعه إلى قول عامة الصحابة رضي الله عنهم.
استدل الإمام الشافعي بقوله تعالى: ﴿الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ﴾ إلى أن قال: ﴿فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ﴾ [البقرة: 229] إلى أن قال: ﴿فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ﴾ [البقرة: 230]، فلو جعلنا الخلع طلاقاً صارت التطليقات أربعاً في سياق هذه الآية، ولا يكون الطلاق أكثر من ثلاث؛ ولأن النكاح عقد محتمل للفسخ حتى يفسخ بخيار عدم الكفاءة، وخيار العتق، وخيار البلوغ عندكم فيحتمل الفسخ بالتراضي أيضاً، وذلك بالخلع، واعتبر هذه المعاوضة المحتملة للفسخ بالبيع والشراء في جواز فسخها بالتراضي.
ولنا: ما رُوِيَ عن عمر وعلي وابن مسعود رضي الله عنهم موقوفاً عليهم ومرفوعاً إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «الْخُلْعُ تَطْلِيقَةٌ بَائِنَةٌ». والمعنى فيه: أن النكاح لا يحتمل الفسخ بعد تمامه، ألا ترى أنه لا يفسخ بالهلاك قبل التسليم، فإن الملك الثابت به ضروري لا يظهر إلا في حق الاستيفاء، وقد قررنا هذا في النكاح، وبينا أن الفسخ بسبب عدم الكفاءة فسخ قبل التمام فكان في معنى الامتناع من الإتمام، وكذلك في خيار البلوغ، والعتق، فأما الخلع يكون بعد تمام العقد، والنكاح لا يحتمل الفسخ بعد تمامه، ولكن يحتمل القطع في الحال فيجعل لفظ الخلع عبارة عن رفع العقد في الحال مجازا، وذلك إنما يكون بالطلاق] اهـ.
وقال الإمام ابن عبد البر المالكي في «الكافي في فقه أهل المدينة» (2/ 593، ط. مكتبة الرياض الحديثة): [الخلع ليس بفسخ عند مالك، وإنما هو طلاق بائن] اهـ.

وسبب الخلاف كما قال الإمام أبو الوليد بن رشد في «بداية المجتهد ونهاية المقتصد» (3/ 91، ط. دار الحديث): [هل اقتران العوض بهذه الفُرقة يخرجها من نوع فرقة الطلاق إلى نوع الفسخ، أم ليس يخرجها؟] اهـ.
وقال الإمام النووي في «المجموع شرح المهذب» (17/ 16، ط. دار الفكر): [ويصح الخلع بلفظ الخلع والطلاق، فإن خالعها بصريح الطلاق أو بالكناية مع النية فهو طلاق؛ لأنه لا يحتمل غير الطلاق، فإن خالعها بصريح الخلع نظرت: فإن لم ينو به الطلاق ففيه ثلاثة أقوال:
أحدهما: أنه لا يقع به فرقة، وهو قوله في «الأم»؛ لأنه كناية في الطلاق من غير نية، فلم يقع بها فرقة، كما لو عريت عن العوض.
والثاني: أنه فسخ، وهو قوله في القديم؛ لأنه جعل للفرقة، فلا يجوز أن يكون طلاقاً؛ لأن الطلاق لا يقع إلا بصريح أو كناية مع النية، والخلع ليس بصريح في الطلاق، ولا معه نية الطلاق، فوجب أن يكون فسخاً.
والثالث: أنه طلاق، وهو قوله في «الإملاء»، وهو اختيار المزني؛ لأنها إنما بذلت العوض للفرقة، والفرقة التي يملك إيقاعها هي الطلاق دون الفسخ، فوجب أن يكون طلاقًا] اهـ.
وقال العلامة المرداوي الحنبلي في «الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف» (8/ 392، ط. هجر للطباعة والنشر): [الصحيح من المذهب: أن الخلع فسخ، لا ينقص به عدد الطلاق] اهـ.

وقد سار القانون المصري على رأي الجمهور؛ فنص في المادة 20 من القانون 1 لسنة 2000م على: [ويقع بالخلع في جميع الأحوال طلاق بائن] اهـ.

أما معنى كونه طلاقاً بائناً: فالطلاق البائن يعني: خروجَ المُطَلَّقة مِن زوجيتها تماماً، وانتهاءَ علاقتها الزوجية بمُطَلِّقها؛ بحيث لا تبقى أيَّة ارتباطاتٍ زوجيةٍ بينهما؛ مِن وجوب نفقتها ووجوب طاعتها له في المعروف وميراث أحدهما مِن الآخر عند الوفاة، وغير ذلك.

وبناءً عليه: فإن الطلقة الواقعة بالخلع تحسب طلقةً بائنةً، ثم إذا كان الخلع غير مسبوق بخلع أو طلاق أو كان مسبوقًا بخلع أو طلقة واحدة: فهو طلاق بائن بينونةً صغرى لا تعود فيه المرأة إلى زوجها إلا بعقد ومهر جديدين، أما إذا كان الخلع مسبوقًا بطلقتين أو طلقة وخلع أو خلعين: فهو طلاق بائن بينونة كبرى لا تحل فيه المرأة لمطلقها حتى تنكح زوجًا غيره ويدخل بها ثم يطلقها بعد ذلك.

المطلب الخامس
الجدل حول تقنين الخلع في المجتمعات العربية

رغم استناد الخلع إلى أساس شرعي من الكتاب والسنة، وعلى الرغم من إقرار القاضي الدستوري المصري للخلع، فإن الجدل لم ينقطع حول تقنين الخلع في مصر وغيرها من المجتمعات العربية. بل إن البعض ينادي بإلغاء الخلع من قانون الأحوال الشخصية. ففي المملكة الأردنية الهاشمية، على سبيل المثال، وفي شهر يناير 2010م، تسربت بعض المعلومات عن مشروع قانون للأحوال الشخصية، متضمناً الغاء المادة المتعلقة بالخلع، حيث جاءت ردود الفعل على ذلك بين مؤيد ومعارض. إذ يرى المعارضون للخلع بوضعه الحالي أنه يحرم النساء من حقوقهن ويضطرهن للدفع من جيوبهن للحصول على الطلاق. وعلى حد قول البعض، فإن الخلع بوضعه الحالي هو «تنازل عن الحقوق»، واحياناً تندفع إليه المرأة مرغمة، هروباً من إجراءات التقاضي في قضايا التفريق في النزاع والشقاق. ووفقاً لهذا الرأي، وإذا كان بإمكان الزوجة رفع قضية نزاع وشقاق، دون أن تكون مضطرة للإثبات، وبحيث يتم فحسب تحويلها إلى الحكمين، فإن المرأة في هذه الحالة سوف تحصل على الطلاق، وتحافظ على حقوقها الشرعية بالكامل، الأمر الذي يشكل – وفقاً لأنصار هذا الرأي – حالة وسطية بين الخلع والنزاع والشقاق. في المقابل، يرى المؤيدون لتقنين الخلع أن وجوده ضروري، لأنه يمنح المرأة حق طلب الطلاق، لمجرد أنها كارهة للحياة الزوجية، دون حاجة لأي إثبات (يراجع: موقع اللجنة الوطنية الأردنية لشؤون المرأة، 17 يناير 2010م، الغاء الخلع في قانون الاحوال.. ضمان لحقوق المرأة وحريتها أم زيادة المعاناة!).

وفي مصر، وفي الفترة اللاحقة مباشرة على ثورة الخامس والعشرين من يناير 2011م، قيل إن القاضي عبد الله الباجا، رئيس محكمة استئناف الأسرة آنذاك، قدم مشروع قانون لرئيس الوزراء، دعا فيه إلى إلغاء الخلع، والعودة، في ظل بعض الشروط، إلى ممارسة تمكن الأزواج من إعادة زوجاتهم الناشزات قسراً إلى بيوتهم – وهي ممارسة كانت قد حظرت منذ الستينيات من القرن الماضي (راجع: بوابة الغد، الأردن، 4 يناير 2012م، كيف أعادت ثورة مصر حقوق المرأة إلى الوراء؟). وقيل أيضاً إنه، وفي الأشهر الأولى من عمل أول مجلس شعب منتخب بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير 2011م، دعا نواب سلفيون إلى إلغاء قانون الخلع الذي يمنح المرأة الحق في طلب الطلاق وتعديل قوانين الحضانة لصالح الرجل (راجع: بوابة الأهرام، أخبار، 25 يوليو 2012م، رويترز: الإخوان في مصر يسعون لتحقيق توازن فيما يخص الشريعة). ولكن نشطاء وناشطات حقوق المرأة عارضوا هذا الاقتراح. ودانت العديد من المنظمات بشدة الدعوة إلى إلغاء الخلع. وبعد قولها إن إلغاء الخلع يعادل «العودة إلى العبودية»، أبلغت نهاد أبو القمصان؛ مديرة المركز المصري لحقوق المرأة، عن تلقيها تهديداً بالقتل من جماعة تطلق على نفسها اسم «المنطقة الشمالية للجنة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر».

ومؤخراً، وبمناسبة الحديث عن إعداد مشروع قانون جديد للأحوال الشخصية، وفي إطار البحث عن حلول لظاهرة زيادة حالات الطلاق في المجتمع المصري، يوجه البعض مناشدة إلى أعضاء مجلس النواب بأن يتقدموا بمشروع قانون للخلع، بجعل الخلع لا يصدر إلا بحضور الزوج أو إعلانه إعلانا يقينياًـ فلا يكتفى بالإعلان الإداري. يضاف إلى ذلك أن القانون المصري جعل التقاضي على درجتين، الأمر الذي يبعث وفقاً لرأي البعض على التساؤل عن السبب وراء استثناء الخلع من تطبيق هذا المبدأ. ومن ثم، يطالب هؤلاء بأن يكون نظر دعاوى الخلع على درجتين، بحيث يحق للزوج استئناف حكم الخلع (عبد الوارث قاسم، الخلع والقانون والشريعة الإسلامية، موقع نقابة المحامين المصرية، القاهرة، 29 أبريل 2022م).

المطلب السادس
إشكاليات وتساؤلات في المجتمعات العربية حول بدل الخلع

نظراً لأن الأعراف ذات الصلة بالزواج في بعض المجتمعات العربية قد استحدثت بعض المسائل التي لم تكن معروفة في العصر النبوي، كما هو الشأن بالنسبة للشبكة وقائمة منقولات الزوجية وغيرها من الأمور المستحدثة، لذا فقد ثارت بعض التساؤلات عما إذا كان بدل الخلع يشمل هذه المسائل المالية المستحدثة أم يقتصر على المهر أو الصداق بالمعنى الحرفي له. وفيما يتعلق بالصداق أو المهر، يثور التساؤل عن الحالات التي يتم فيها كتابة مهر صوري، لا يتسق مع المهر الحقيقي. ولذلك، سنحاول فيما يلي بيان وجه الرأي في شأن هذه التساؤلات والإشكاليات المستحدثة.

المهر الحقيقي والمهر الصوري
بمناسبة الحديث عن إعداد مشروع قانون جديد للأحوال الشخصية، وفي إطار البحث عن حلول لظاهرة زيادة حالات الطلاق في المجتمع المصري، يؤكد البعض أن أسباب الزيادة التي دمرت الكثير والكثير من الأسر المصرية تكمن قولاً واحداً في قانون الخلع. وبياناً لذلك، يسلم صاحب هذا الرأي بأن «الخلع ثابت بالشريعة الإسلامية الغراء التي تعد هي المصدر الرئيسي للتشريع، ولكن تطبيقه في القانون المصري يحتوي على قصور يتوجب على المشرع المصري تعديله فقد ورد عن ابن عباس أن امرأة ثابت بن قيس: أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله، ثابت بن قيس ما أعتب عليه في خلق ولا دين، ولكني أكره الكفر في الإسلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أتردين عليه حديقته، قالت: نعم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أقبل الحديقة وطلقها تطليقة. فما على الزوجة وفقا للشريعة الإسلامية إلا أن تقول في دعواها أخشى ألا أقيم حدود الله وتتنازل عن كافة حقوقها الشرعية من نفقة العدة ونفقة المتعة ومؤخر الصداق وترد جميع ما قدمه لها زوجها من مهر وهدايا وخلافه. أما الخلع في القانون، أن تتنازل عن نفس الحقوق ولكن الكارثة أن المهر يكتب على خلاف حقيقة فيكتب مبلغ صوري مثلا واحد جنيه وأضف إلى ذلك أن المصوغات الذهبية لا تقدم على أنها مهر وإنما تدرج في قائمة أعيان الجهاز، ومعنى ذلك أن الذهب ملك للزوجة ودخلت به مسكن الزوجية ولم يقدمه الزوج لزوجته وهذا على خلاف الحقيقة. وهنا تظهر الكارثة حيث إن الزوجة حينما تريد الخلع ترد للزوج المهر عن طريق محضر انذار عرض بمبلغ واحد جنيه على أساس أنه هو المهر وتسترد الزوجة في قانون الخلع الحالي قائمة أعيان الجهاز بالكامل وهنا يظهر الخلاف بين الشريعة الإسلامية وقانون الخلع المصري الحالي حيث إن الشريعة الإسلامية تقول الزوجة ترد كل شيء للزوج في حالة الخلع بدليل قول النبي صلى الله عليه وسلم قال (خذ الحديقة وطلقها تطليقة). ونحن لا نلوم على المشرع فحسب في هذا الصدد لان جرى العرف ان تكتب المصوغات الذهبية في قائمة أعيان الجهاز. لو طبقنا خلع الشريعة الإسلامية وهو أن تقدم الزوجة لزوجها المهر الحقيقي الذي قدم لها سواء أموال أو مصوغات أو حتى هدايا أو خلافه. في هذه الحالة، ستفكر الزوجة مئات المرات قبل القدوم على الخلع حيث ان الخلع مكلف ماديا بالنسبة للزوجة وأن البعض احترف ذلك وكأنها تجارة وإساءة استخدام قانون الخلع وهذا هو دور المجتمع في ضرورة كتابة المهر الحقيقي في عقد الزواج. هناك سائل يسأل ربما تكون الزوجة في حالة استحالة المعيشة وتبغض الحياة مع زوجها؟؟؟ أقول قول واحدا كل ما عليها أن تقيم دعواها وتطلب الخلع وتتنازل عن كافة حقوقها الشرعية بالإضافة أن ترد عليه ما قدمه الزوج لها بهذا الشكل نعمل على الحد من انتشار حالات الخلع والحفاظ على الأسرة المصرية. أما أن الزوجة تخلع زوجها بكل بساطه، وتسترد قائمه أعيان الجهاز، وتقدر في الوقت الحالي بما يقرب 100 ألف جنيه، فهذا ليس من باب العدل والإنصاف، ونحن لم نطالب المشرع والمجتمع إلا بتطبيق نص الخلع وفقا للشريعة الإسلامية الغراء. أما إذا أرادت الزوجة الحصول على كافة حقوقها بالكامل عليها اثبات سبب الطلاق عن طريق رفع دعوى الطلاق للضرر أو الغيبة، فإذا أثبت ذلك فإنها لها كافة حقوقها (راجع: عبد الوارث قاسم، الخلع والقانون والشريعة الإسلامية، موقع نقابة المحامين المصرية، القاهرة، 29 أبريل 2022م).

رد الشبكة عند الخلع
في السادس عشر من يناير 2005م، ورداً على سؤال أحد الآباء بأن ابنه خَالَعَتْهُ زوجتُه التي عقد عليها ولم يدخل بها، وكان قد قدَّم لها مبلغ عشرة آلاف جنيه، وشبكةً قيمتها 21600 جنيه، فهل ترد له الشبكة؟ وهل هي جزء من المهر؟، أجاب فضيلة الأستاذ الدكتور علي جمعة محمد، مفتي الديار المصرية آنذاك، بأنه: «جرى العرف على أن الشبكة جزء من المهر؛ لأن الناس يتفقون عليها في الزواج، وهذا يخرجها من دائرة الهدايا ويلحقها بالمهر، وقد جرى اعتبار العرف في التشريع الإسلامي؛ لقوله تعالى: ﴿خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ﴾ [الأعراف: 199]، وقد جاء في الأثر عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: “ما رَأَى الْمُسْلِمُونَ حَسَنًا فَهُوَ عِنْدَ الله حَسَنٌ، وَمَا رَأَوْا سَيِّئًا فَهُوَ عِنْدَ الله سَيِّئٌ”. أخرجه أحمد والطيالسي في “مسنديهما”. فالشبكة من المهر، حتى إن الشبكة المقدمة من الخاطب لمخطوبته تكون للخاطب إذا عدل أحدهما أو كلاهما عن عقد الزواج، ولا يؤثر في ذلك كون الفسخ من الرجل أو المرأة؛ لأن الشبكة جزء من المهر، وهذا ما عليه الفتوى. ومما ذكر يعلم الجواب».

وبعد عام تقريباً من الفتوى سالفة الذكر، وتحديداً في الخامس عشر من يناير 2006م، ورداً على السؤال عما إذا كانت الشبكة ترد أو لا ترد عند رفع دعوى طلاق خلعاً، أجاب فضيلة الأستاذ الدكتور علي جمعة محمد، مفتي الديار المصرية آنذاك بأن «المقرر شرعاً أن الزوجة إذا طلبت الطلاق خلعاً، فعليها أن تتنازل عن باقي مؤخر صداقها وأن ترد مقدم الصداق؛ لأن الحديث الشريف الوارد في ذلك فيه: أَنَّ امْرَأَةَ ثَابِتِ بْنِ قَيْس أَتَتِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وآله وسلم فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، ثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ مَا أَعْتُبُ عَلَيْهِ فِي خُلُقٍ وَلا دِينٍ وَلَكِنِّي أَكْرَهُ الْكُفْرَ فِي الإِسْلامِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم: أَتَرُدِّينَ عَلَيْهِ حَدِيقَتَهُ؟ قَالَتْ: نَعَمْ، قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم: اقْبَلِ الْحَدِيقَةَ، وَطلقها تَطْلِيقَةً رواه البخاري، وقد كانت الحديقة مهرها، فعُلِم منه أن المختلعة ترد مهرها لزوجها عند الخلع. والمهر في أعرافنا، والعرف الذي لا يعارض الشرع الشريف من أدلة الشرع الإجمالية يجعل المهر شاملًا للشبْكة، وعليه فيجب رد الشبكة عند الخلع؛ لأنها داخلة في المهر الواجب رده. ومما ذكر يعلم الجواب».

وبعد أقل من شهر على هذه الفتوى، وفي الثالث عشر من فبراير 2006م، ورداً على السؤال عن الحكم الشرعي في الشبْكة المقدَّمة عند عقد الزواج من الزوج لزوجته في حالة قيامها برفع دعوى طلاق للخلع من زوجها، أجاب فضيلة الأستاذ الدكتور علي جمعة محمد، مفتي الديار المصرية آنذاك، بأنه: «إذا ما تراضى الزوجان على الخُلع أو حكم القاضي به فإن على المرأة أن تردَّ للزوج المهرَ الذي قبضته بما في ذلك الشبكة؛ لأن العرف قد جرى على أنها من المهر، ودليلُ رَدِّ المهر عند الخلع قولُ النبي صلى الله عليه وآله وسلم لامْرَأَة ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ حين طَلَبَت الخُلعَ منه: أَتَرُدِّينَ عَلَيْهِ حَدِيقَتَهُ؟ قَالَتْ: نَعَمْ، قَالَ: اقْبَلِ الْحَدِيقَةَ، وَطلِّقها تَطْلِيقَةً رواه البخاري». وفي تفاصيل هذه الفتوى، أكد فضيلة المفتي أن «الخُلع شرعًا هو إزالة ملك النكاح بعِوضٍ بلفظ الخلع، وهو جائزٌ شرعًا عند عامة الفقهاء سلفاً وخلفاً، ودليل جوازه قولُه تعالى في محكم كتابه: ﴿الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ﴾ [البقرة: 229]، وحديثُ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: أَنَّ امْرَأَةَ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ أَتَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، ثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ، مَا أَعْتُبُ عَلَيْهِ فِي خُلُقٍ وَلَا دِينٍ، وَلَكِنِّي أَكْرَهُ الْكُفْرَ فِي الإِسْلَامِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «أَتَرُدِّينَ عَلَيْهِ حَدِيقَتَهُ؟» قَالَتْ: نَعَمْ، قَالَ: «اقْبَلِ الْحَدِيقَةَ، وَطلِّقها تَطْلِيقَةً» رواه البخاري. ومن الثابت والمقرر أن العُرف الذي لا يخالف الشرع الشريف هو أحدُ أركان التشريع الإسلامي؛ لما جاء في الأثر عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه: “مَا رَأَى الْمُسْلِمُونَ حَسَنًا فَهُوَ عِنْدَ اللهِ حَسَنٌ، وَمَا رَأَوْا سَيِّئًا فَهُوَ عِنْدَ اللهِ سَيِّئٌ” رواه أحمد. وقد جرى العرف على أن الشَّبكة جزءٌ من المهر. وبناءً على ذلك، وفي واقعة السؤال: فإذا ما تراضى الزوجان على الخُلع أو حَكم به القاضي عند عدم التراضي كان على المرأة أن تردَّ للزوج المهرَ الذي قبضته، ومنه الشبكة».

وفي العشرين من سبتمبر سنة 2011م، ورداً على السؤال عن حكم الشبكة عند الخلع، أجابت دار الإفتاء المصرية بأن: «المقرر شرعاً أن المرأة تستحق بالعقد نصف المهر، وتستحق بالدخول المهر كله، والشبكة التي قدمها الخاطب لمخطوبته جرى العرف على أنها جزء من المهر؛ لأن الناس يتفقون عليها قبل الزواج، وهذا يُخرِجها عن دائـرة الهدايا ويُلحِقها بالمهر، وقد جـرى اعتبار العرف في التشريع الإسلامي؛ لقوله تعالى: ﴿خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ﴾ [الأعراف: 199]، وقد جاء في الأثر عن ابن مسعود رضي الله عنه: “ما رَأى المُسلِمُونَ حَسَنًا فهو عند اللهِ حَسَنٌ، وما رَأَوا سَيِّئًا فهو عند اللهِ سَيِّئٌ”. أخرجه أحمـد والطيالسي في “مسنديهما”، فالشبْكة من المهـر. وبناءً على ذلك: فالمرأة التي تختلع مِن زوجها عليها أن تَرُدَّ له ما قدَّمه إليها من مهر بما يشمل الشبكة والهدايا غير المستهلكة التي قدمها لها قبل العقد وبعد الخطبة».

وفي الثامن من أكتوبر 2012م، ورداً على السؤال عن حكم الشبكة عند الخلع، أجاب فضيلة الأستاذ الدكتور علي جمعة محمد، مفتي الديار المصرية آنذاك، بأن: «الذي يرد عند الخلع هو كل ما يثبت كونُه مهرًا، والمتعارَف عليه أن الشبكة من المهر ما لم يكن قد تم الاتفاق على كونها هدية. وعلى ذلك، ولأن الخلعَ محلُّه التقاضي: فالحكم بأن الشبكة هي المهر أو جزء منه هو أمر موكول إلى القاضي بما يترجح عنده من الأدلة والقرائن والبينات؛ فإذا ثبت عنده أن الشبكة أو بعضها هي المهر أو جزء منه قضى بردها للزوج». وفي تفاصيل هذه الفتوى، يقول فضيلة المفتي إن: «ما عليه الفتوى وهو المعمول به في القضاء المصري أن على المرأة المختلِعة من زوجها أن تَرُدَّ له مهرها الذي أمهرها إياه، وأن تتنازل عن حقوقها الشرعية المالية عند الحكم لها بالخلع؛ اختيارًا من آراء بعض أهل العلم فيما يخصُّ هذه المسألة؛ وذلك تقليلًا للأعباء المالية والتكاليف الواقعة على الزوج بسبب هذا الانفصال الواقع عن غير اختياره. وأما حقوق الزوجة المالية الشرعية التي تتنازل عنها عند طلبها الخلع والتي وردت في نص المادة العشرين من القانون رقم 1 لسنة 2000م: [للزوجين أن يتراضيا فيما بينهما على الخُلْع، فإن لم يتراضيا عليه وأقامت الزوجة دعواها بطلبه وافتدت نفسها وخالعت زوجها بالتنازل عن جميع حقوقها المالية الشرعية ورَدَّتْ عليه الصداق الذي أعطاه لها، حكمت المحكمة بتطليقها عليه] اهـ. فالمقصود بها: المهرُ بكامله (مقدَّمُه ومؤخَّرُه) وهو ما كان عِوَضًا عن البُضع ومقابلًا للتسليم؛ فكل ما ثبت كونه مهرًا وجب ردُّه للزوج، وكذلك تدخل فيها نفقة المتعة فتسقط بالخلع، وكذا نفقة العدة تسقط به أيضًا؛ لأن غرض المشرع من تنظيم قانون الخلع هو رحمة المرأة من زواج لا تطيق الاستمرار فيه مع عدم إثقال كاهل الزوج بالتكاليف والأعباء، غير أن الحقوق المالية الشرعية التي تسقط بالخلع لا تشمل حقها في الحضانة ولا حقوق المحضونين. وقد سعى المشرِّع المصري في اختياره لأحكام الخلع من فقه الشريعة الإسلامية إلى تحقيق التوازن بين الرجل والمرأة؛ فَقَيَّد العِوض المقابل للخلع بعد أن كان مطلقًا في أقوال الفقهاء وخصَّه بالحقوق الشرعية المالية الثابتة للزوجة بالعقد؛ حمايةً لها من استغلال الزوج، وحتى لا يكر إطلاق العِوَض على مقصود الخلع بالبطلان، وسد في ذات الوقت باب استغلال الخلع من قِبَلِ الزوجات في استيلائهن على أموال أزواجهن وإثقال كاهلهم بالتكاليف والأعباء المالية المُدَّعاة والتي قد تكون مبالغًا فيها. وبالنسبة للشبْكة فقد جرى العرف على أنها جزء من المهر؛ لأن الناس يتفقون عليها قبل الزواج، وهذا يُخرِجها عن دائرة الهدايا ويُلحِقها بالمهر. وقد جرى اعتبار العرف في التشريع الإسلامي؛ لقول الله تعالى: ﴿خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ﴾ [الأعراف: 199]، وقد جاء في الأثر عن ابن مسعود رضي الله عنه: “ما رَأى المُسلِمُونَ حَسَنًا فهو عند اللهِ حَسَنٌ، وما رَأَوا سَيِّئًا فهو عند اللهِ سَيِّئٌ”، أخرجه أحمد والطيالسي في مسنديهما. فالشبْكة من المهر، والمرأة التي تختلع مِن زوجها عليها أن تَرُدَّ له ما قدمه إليها من مهر بما يشمل الشبكة التي قدمها لها ما لم يكن قد تم الاتفاق على كونها هدية لا جزءًا من المهر. وبناءً على ذلك، وفي واقعة السؤال: فالذي يُرَدُّ عند الخلع هو كل ما يثبت كونه مهرًا، وما لم يكن مهرًا فإنه لا يُرَدُّ عند الخلع، والحكم بأن الشبْكة أو غيرها هو المهر أو جزء منه هو أمر موكول إلى القاضي بما يترجح عنده من الأدلة والقرائن والبينات التي هو مُخَوَّل بالنظر فيها والترجيح بينها عند تعارضها؛ فإذا ثبت عنده أن الشبكة أو بعضها هي المهر أو جزء منه قضى بردها للزوج كما سبق إيضاحه».

حكم قائمة عفش الزوجية عند الخلع
بتاريخ السادس عشر من فبراير 2008م، وفي الفتوى رقم (13003)، ورداً على السؤال عن حكم قائمة العفش في حالة الخلع من حيث استحقاق المختلعة لها من عدمه، أجاب فضيلة الأستاذ الدكتور علي جمعة محمد، مفتي الديار المصرية آنذاك بأن: «المعمول به في القضاء المصري – وعليه الفتوى – أن على المرأة المختلعة أن تَرُدَّ لزوجها مهرها الذي أمهرها إياه عند الحكم لها بالخلع؛ اختياراً من آراء بعض أهل العلم فيما يخصُّ هذه المسألة. والقائمة حق مدني للزوجة على زوجها بمثابة الدَّين لها عليه، فإن لم يكن في القائمة ما يشير إلى أنها كلَّها أو بعضها هو مهر الزوجة المقدم لها من زوجها، فتكون حقًّا خالصًا للزوجة: اختلعت أو لم تختلع، ولا يجب عليها ردها للزوج عند الخلع. وإن كان في القائمة ما يشير إلى أن بعض القائمة أو كلها هي مهر الزوجة المقدم لها من زوجها، فيجب على الزوجة حينئذٍ أن تَرُدَّ للزوج عند الخلع ما تم النصُّ عليه في القائمة أنه مهرها أو بعض مهرها؛ لخروجه حينئذٍ عن كونه دَينًا إلى كونه عِوضًا للبُضع ومقابِلًا للتسليم، فيجب رَدُّه عند الخلع بموجب المعمول به إفتاءً وقضاءً».

وفي التاسع من ديسمبر 2010م، ورداً على السؤال عما إذا كان من حق الزوج المطلق خلعًا إبراء ذمته من المنقولات التي أعدها لها بقائمة منقولاتها بحسبان كونها مقدم صداق -مهر-؟، أجاب فضيلة الأستاذ الدكتور علي جمعة محمد، مفتي الديار المصرية آنذاك، بأن: «الواجب على المرأة المختلعة ردُّ كلِّ ما يثبت أنه مهرٌ أو جزءٌ منه، والحكم في قائمة المنقولات مرده إلى القاضي؛ فإن ثبت عنده كونها مهراً أو جزءاً منه حكم بردِّها، وإلَّا كانت حقًّا خالصًا للزوجة». وفي تفاصيل هذه الفتوى، أكد فضيلة المفتي أن: «ما عليه الفتوى وهو المعمول به في القضاء المصري أن على المرأة المختلِعة من زوجها أن تَرُدَّ له مهرها الذي أمهرها إياه، وأن تتنازل عن حقوقها الشرعية المالية عند الحكم لها بالخلع اختيارًا من آراء بعض أهل العلم فيما يخص هذه المسألة؛ وذلك تقليلًا للأعباء المالية والتكاليف الواقعة على الزوج بسبب هذا الانفصال الواقع عن غير اختياره. وأما حقوق الزوجة المالية الشرعية التي تتنازل عنها عند طلبها الخلع، والتي وردت في نص المادة العشرين من القانون رقم 1 لسنة 2000م: [للزوجين أن يتراضيا فيما بينهما على الخُلْع، فإن لم يتراضيا عليه وأقامت الزوجة دعواها بطلبه وافتدت نفسها وخالعت زوجها بالتنازل عن جميع حقوقها المالية الشرعية ورَدَّتْ عليه الصداق الذي أعطاه لها، حكمت المحكمة بتطليقها عليه] اهـ.
فالمقصود بها: المهرُ بكامله مقدَّمُه ومؤخَّرُه، وهو ما كان عِوَضًا عن البُضع ومقابلًا للتسليم؛ فكل ما ثبت كونه مهرًا وجب ردُّه للزوج، وكذلك تدخل فيها نفقة المتعة فتسقط بالخلع، وكذا نفقة العدة تسقط به أيضًا؛ لأن غرض المشرع من تنظيم قانون الخلع هو رحمة المرأة من زواج لا تطيق الاستمرار فيه مع عدم إثقال كاهل الزوج بالتكاليف والأعباء، غير أن الحقوق المالية الشرعية التي تسقط بالخلع لا تشمل حقها في الحضانة ولا حقوق المحضونين.
وقد سعى المشرع المصري في اختياره لأحكام الخلع من فقه الشريعة الإسلامية إلى تحقيق التوازن بين الرجل والمرأة؛ فقيد العوض المقابل للخلع بعد أن كان مطلقًا في أقوال الفقهاء وخصَّه بالحقوق الشرعية المالية الثابتة للزوجة بالعقد؛ حماية لها من استغلال الزوج، وحتى لا يكرَّ إطلاق العِوَض على مقصود الخلع بالبطلان، وسد في ذات الوقت باب استغلال الخلع من قبل الزوجات في استيلائهن على أموال أزواجهن وإثقال كاهلهم بالتكاليف والأعباء المالية المُدَّعاة والتي قد تكون مبالغًا فيها.
والمتعارف عليه في صياغة القائمة بين الناس أنها في ظاهرها استيثاق لحق الزوجة تحت يد الزوج، فإذا ما قامت المرأة بإعداد بيت الزوجية بمقدَّم صَدَاقها سواء أمهرها الزوج الصَّداق نَقدًا أو قدمه إليها في صورة جهاز أعده لبيت الزوجية فإن هذا الجهاز يكون مِلكًا للزوجة ملكا تامًّا بالدخول، وتكون مالكة لنصفه بعقد النكاح إن لم يتم الدخول.
وعادة ما يكون هذا الجهاز في بيت الزوجية الذي يمتلكه الزوج أو يؤجره من الغير، فيكون الجهاز تحت يد الزوج وقبضته، فلما ضَعُفَت الديانةُ وكثر تضييع الأزواج لحقوق زوجاتهم رأى المجتمع كتابة قائمة بالمنقولات الزوجية -قائمة العفش-؛ لتكون مطلَق ضمان لحق المرأة لدى زوجها إذا ما حدث خلاف بينهما، وتعارف كثير من الناس على ذلك، وصيغ هذا الضمان بكون القائمة حقًّا مدنيًّا للزوجة على زوجها بمثابة الدَّين لها عليه.
غير أن هذا الاستيثاق صار في كثير من الأحيان ذريعةً للاستغلال؛ حين تنكر الزوجة كون القائمة مهرًا لها مع اختلاف ذلك عن الواقع ونفس الأمر؛ فقد تكون القائمة كلها هي المهر الحقيقي الذي دفعه الزوج للزوجة ويكون المثبَت في قسيمة الزواج مهرًا صوريًّا يُكتَب فيه أقلُّ مُتموَّل تهربًا من النسبة التي تُدفَع رُسُومًا على قيمة المهر المثبت في قسيمة الزواج، وقد تكون مشتركة بينهما بنسب متفاوتة، وفي بعض الأحيان تكون الزوجة هي التي قامت بشراء المنقولات كلها من مالها أو من مال أهلها.
وعلى هذا التفصيل يجري الحكم: فإن ادعى الزوج كون القائمة أو بعضها مهرًا وثبت ذلك بما يثبت به الحق قضاءً بالبينات أو الشهود أو القرائن التي يطمئن القاضي إلى صحتها حُكِم له به، ويجب على الزوجة حينئذٍ رَدُّه عند الخلع بموجب المعمول به إفتاءً وقضاءً؛ لخروجه حينئذٍ عن كونه دَيْنا إلى كونه عِوَضًا للبُضع ومقابِلًا للتسليم، فكان بذلك مهرًا واجب الرد، أما إن لم يثبت ذلك عند القاضي فإنها تكون حقًّا خالصًا للزوجة اختلعت أو لم تختلع، ولا يجب عليها ردها للزوج عند الخلع.
وبناءً على ذلك، وفي واقعة السؤال: فالحكم بأن القائمة هي المهر أو جزء منه موكول إلى القاضي بما يترجح عنده من الأدلة والقرائن والبينات التي هو مُخَوَّل بالنظر فيها والترجيح بينها عند تعارضها؛ فإذا ثبت عنده أن القائمة أو بعضها هي المهر أو جزء منه قضى برده للزوج كما سبق إيضاحه».

وفي السابع عشر من نوفمبر 2016م، وفي الفتوى رقم (13423)، ورداً على السؤال عن حكم الشبْكة وقائمة المنقولات عند الخلع؟، أجابت أمانة الفتوى بدار الإفتاء المصرية بأن: «ما عليه العمل في الديار المصرية إفتاءً وقضاءً أن الواجب على المرأة المختلعة ردُّ كلِّ ما يثبت أنه مهرٌ أو جزءٌ منه، والحكم في ذلك مرده إلى القاضي؛ فكل ما يثبت كونه مهرًا أو جزءًا منه يحكم بردِّه إلى الزوج، وإلَّا كان حقًّا خالصًا للزوجة». وفي تفاصيل هذه الفتوى، أكدت الأمانة أن: «ما عليه الفتوى – وهو المعمول به في القضاء المصري – أن على المرأة المختلِعة مِن زوجها أن تَرُدَّ له مَهرَها الذي أَمهرها إياه، وأن تتنازل عن حقوقها الشرعية المالية عند الحكم لها بالخلع؛ اختيارًا مِن آراء بعض أهل العلم فيما يخصُّ هذه المسألة؛ وذلك تقليلًا للأعباء المالية والتكاليف الواقعة على الزوج بسبب هذا الانفصال الواقع عن غير اختياره.
وأما حقوقُ الزوجةِ الماليةُ الشرعيةُ التي تتنازل عنها عند طلبها الخُلْع – والتي وَرَدَت في نص المادة العشرين مِن القانون رقم 1 لسنة 2000م: [للزوجين أن يَتراضَيَا فيما بينهما على الخُلْع، فإن لم يَتراضَيَا عليه وأقامت الزوجةُ دعواها بطَلَبِه وافتَدَت نفسها وخالَعَت زوجَها بالتنازُل عن جميعِ حقوقِها الماليةِ الشرعيةِ ورَدَّتْ عليه الصداقَ الذي أعطاه لها، حَكَمَت المحكمةُ بتطليقها عليه] اهـ.- فالمقصود بها: المهرُ بكامله (مقدَّمه ومؤخَّره) وهو ما كان عِوَضًا عن البُضع ومقابِلًا للتسليم؛ فكل ما ثَبَتَ كونُه مَهرًا وجب ردُّه للزوج، وكذلك تدخل فيها نفقة المُتعة فتَسقط بالخُلْع، وكذا نفقة العِدَّة تَسقط به أيضاً؛ لأنَّ غرض المشرع مِن تنظيم قانون الخُلْع هو رحمةُ المرأةِ مِن زواجٍ لا تُطيق الاستمرارَ فيه مع عَدَم إثقالِ كاهِلِ الزوجِ بالتكاليف والأعباء.
وقد سعى المُشرِّعُ المصري في اختياره لأحكام الخُلْع مِن فقه الشريعة الإسلامية إلى تحقيق التوازن بين الرجل والمرأة؛ فقَيَّد العِوَضَ المقابِلَ للخُلْع – بعد أن كان مُطْلَقًا في أقوال الفقهاء – وخَصَّه بالحقوق الشرعية المالية الثابتة للزوجة بالعقد؛ حمايةً لها مِن استغلال الزوج، وحتى لا يَكِرَّ إطلاق العِوَضِ على مقصودِ الخُلْعِ بالبُطلان، وسَدَّ في ذات الوقت بابَ استغلال الخُلْع مِن قِبَل الزوجات في استِيلَائهن على أموال أزواجهن وإثقال كاهلهم بالتكاليف والأعباء المالية المُدَّعاة والتي قد تكون مبالغًا فيها.
والمتعارف عليه في صياغة القائمة بين الناس أنها في ظاهرها استيثاقٌ لِحَقِّ الزوجة تحت يد الزوج، فإذا ما قامت المرأة بإعداد بيت الزوجية بمقدَّم صَدَاقها؛ سواء أمهرها الزوجُ الصَّداقَ نَقدًا أو قدَّمه إليها في صورة جهازٍ أعَدَّه لبيت الزوجية فإن هذا الجهاز يكون مِلكًا للزوجة ملكًا تامًّا بالدخول، وتكون مالكةً لنصفه بعقد النكاح إن لم يتم الدخول، وعادةً ما يكون هذا الجهاز في بيت الزوجية الذي يمتلكه الزوج أو يؤجره مِن الغير، فيكون الجهاز تحت يد الزوج وقبضته، فلما ضَعُفَت الديانةُ وكَثُرَ تَضييع الأزواج لحقوق زوجاتهم رأى المجتمعُ كتابةَ قائمةٍ بالمنقولات الزوجية (قائمة العَفْش)؛ لتكون مُطْلَقَ ضمانٍ لِحَقِّ المرأة لدى زوجها إذا ما حدث خلافٌ بينهما، وتعارف كثيرٌ مِن الناس على ذلك، وصِيغَ هذا الضمانُ بِكَونِ القائمةِ حقًّا مدنيًّا للزوجة على زوجها بمثابة الدَّين لها عليه.
غيرَ أنَّ هذا الاستيثاقَ صار في كثيرٍ مِن الأحيان ذَرِيعةً للاستغلال؛ حين تُنكِر الزوجةُ كَونَ القائمةِ مَهرًا لها مع اختلاف ذلك عن الواقع ونفس الأمر؛ فقد تكون القائمةُ كلها هي المَهر الحقيقي الذي دفعه الزوجُ للزوجة، ويكون المُثبَت في قسيمة الزواج مَهرًا صوريًّا يُكتَب فيه أقلُّ مُتموَّل؛ تهرُّبًا من النسبة التي تُدفَع رُسُومًا على قيمة المَهر المُثبَت في قسيمة الزواج، وقد تكون مشتركةً بينهما بنسبٍ متفاوتة، وفي بعض الأحيان تكون الزوجة هي التي قامت بشراء المنقولات كلها مِن مالها أو مِن مال أهلها.
وعلى هذا التفصيل، يجري الحُكمُ؛ فإن ادعى الزوجُ كونَ القائمة أو بعضَها مَهرًا وثَبَتَ ذلك بما يَثبُتُ به الحقُّ قضاءً بالبينات أو الشهود أو القرائن التي يطمئن القاضي إلى صحتها حُكِم له بها، ويجب على الزوجة حينئذٍ رَدُّها عند الخُلْع بموجب المعمول به إفتاءً وقضاءً؛ لخروجها حينئذٍ عن كونها دَيْنا إلى كونها عِوَضًا للبُضع ومقابِلًا للتسليم، فكانت بذلك مَهرًا واجب الرد.
أما إن لم يَثبُت ذلك عند القاضي، فإنها تكون حقًّا خالصًا للزوجة؛ سواء اختلعَت أو لم تَختلع، ولا يجب عليها ردُّها للزوج عند الخُلْع.
أما الشبكة: فإذا كان العُرف قد جرى على أنها جزءٌ مِن المَهر فإنها تُرَدُّ عند الخُلْع، أما إذا كان قد اتُّفقَ على كونها هديةً فإنها تأخذ حُكمَ الهدايا، والهدايا ليست مَهرًا؛ فلا تُرَدُّ عند الخُلْع.
وبِناءً على ذلك، وفي واقعة السؤال: فالذي يُرَدُّ عند الخُلْع هو كل ما يَثبُتُ كونه مَهرًا، وما لم يكن مَهرًا فإنه لا يُرَدُّ عند الخُلْع، والحُكمُ بأن القائمة أو الشبكة أو غيرهما هو المَهر أو جزءٌ منه هو أمرٌ موكولٌ إلى القاضي بما يَترجح عنده مِن الأدلة والقرائن والبينات التي هو مُخَوَّلٌ بالنظر فيها والترجيح بينها عند تعارضها؛ فإذا ثَبَتَ عنده أن القائمة أو الشبكة أو بعضهما هو المَهر أو جزءٌ منه قَضى بِرَدِّه للزوج كما سبق إيضاحه».

الحقوق التي تردها الزوجة عند الخلع
في الرابع من أبريل 2006م، ورداً على السؤال عن ماذا يجب على المرأة من حقوق إذا اختلعت من زوجها؟، أجاب فضيلة الأستاذ الدكتور علي جمعة محمد، مفتي الديار المصرية آنذاك، بأن: «على الزوجة التي ترغب الخُلع من زوجها أن ترُد إليه المهر الذي أخذته منه بسبب الزوجية، ومنه الشَّبْكَة، ومقدم الصداق، ومتاع الزوجية الذي أتى به، كما أنها تتنازل عن حقوقها في نفقتي العدة والمتعة والمؤخر». وفي تفاصيل هذه الفتوى، قال فضيلة المفتي: «الخلع شرعاً: هو إزالة ملك النكاح بعِوضٍ بلفظ الخلع، وهو جائزٌ شرعاً عند عامة الفقهاء سلفاً وخلفاً، ودليل جوازه قوله تعالى في محكم كتابه: ﴿وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ الله فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ﴾ [البقرة: 229]، وحديث ابن عباس رضي الله عنهما: أن امرأة ثابت بن قيسٍ أتت النبيَّ صلى الله عليه وآله وسلم، فقالت: يا رسول الله، ثابت بن قيسٍ ما أعتب عليه في خُلُق ولا دين، ولكني أكره الكفر في الإسلام. فقال الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: «أَتَرُدِّينَ عَلَيْهِ حَدِيقَتَهُ؟» قالت: نعم. قال: «اقْبَل الحَدِيقَةَ وَطَلِّقْهَا تَطْلِيقَةً» رواه البخاري.
ومن الثابت والمقرر أن العُرف الذي لا يخالف الشرع الشريف هو أحد أركان التشريع الإسلامي؛ لما جاء في الأثر عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنهما: “فَمَا رأى المسلمون حَسَنًا فهو عِندَ الله حَسَنٌ، وما رَأَوْا سَيِّئًا فهو عِندَ الله سَيِّئٌ” رواه أحمد. وقد جرى العُرف على أن الشَّبْكَة جزءٌ من المهر.
وبناءً على ذلك: فعلى الزوجة التي ترغب في أن تَخْتَلِع من زوجها أن ترُد إليه المهر الذي أخذته منه بسبب الزوجية – الشَّبْكَة، ومقدم الصداق، ومتاع الزوجية الذي أتى به – وأن تتنازل عن حقوقها المستقبلية في نفقتي العدة والمتعة وفي المؤخر».

هل الخلع اللاحق للحكم بمتجمد النفقة يسقطها؟
في السابع من فبراير 2008م، وفي فتوى منشورة على موقع دار الإفتاء المصرية، قالت السائلة: حكم لي القضاء بمتجمد نفقة عن ثلاث سنوات لم يكن ينفق عليَّ فيها، ثم لاحقًا أقمت دعوى خلع قضى به القضاء، فهل الخلع اللاحق للحكم بمتجمد النفقة يسقط هذا المتجمد؟ ورداً على هذا السؤال، أجاب فضيلة الأستاذ الدكتور علي جمعة محمد، مفتي الديار المصرية آنذاك، بأن: «متجمد النفقة هو دَين من الديون، والدَّين لا يسقط إلا بالأداء أو الإبراء، والخلع المعمول به في القضاء المصري أخذاً من أقوال بعض أهل العلم يتضمن تنازلاً عن المهر: مقدَّمِه ومؤخره، وعن المتعة، وعن نفقة العدة، ولا يتضمن تنازلاً عن ديون الزوج لزوجته المختلعة منه، ومنها نفقة زوجيتها التي طالبَت بها، وحكم المحكمة بمتجمد النفقة يعني أن الزوجة طالبت بها، وصارت في إطار الديون التي لا تسقط بمجرد الخلع، بل بالأداء أو بإبراء الزوجة قبل خلعها أو بعده.
وعليه: فلا يُسقِط الخلعُ الذي حَكَمَ القضاء لكِ به مُتَجَمِّد نفقتِكِ، إلا أن تُسقطيه أنتِ».

زر الذهاب إلى الأعلى