مَوْقِفُ التَّشْرِيعِ المِصْرِيِّ مِنَ اتِّفَاقِيَّةِ التربس وَتَأْثِيرهَا عَلَى الدَّوَاءِ

كتب: الأستاذ/ فرج الخلفاوي

أثار تأثير قواعد حماية حقوق الملكيَّة الفكريَّة على صحة الفقراء جدلا واسعا، فبالرغم من أن هذا الجدل كان موجودا قبل اتفاقيَّة التربس إلا أن هذا الجدل قد أخذ في الازدياد في أثناء التفاوض بشأن التربس، وبلغ هذا الجدل أشده بعد تنفيذ اتفاقيَّة التربس والانتشار المأساوي لمرضى نقص المناعة البشرية (الإيدز) ولاسيما في الدول النامية ؛ حيث إن الدول النامية سعت جاهدة لمنع إقحام حقوق الملكيَّة الفكريَّة في مجال التفاوض، ثم بعد فشلها في ذلك حاولت على الأقل تهذيب قواعد حماية حقوق الملكيَّة الفكريَّة على نحو يتوافق مع وضعية الدول النامية.

اولا : طوائف الملكية الفكرية فى اتفاقية التربس التى تؤثر على الصناعات الدوائية في الدول النامية:

(1) براءة الاختراع :

الزمت المادة 27الفقرة 1 من اتفاقية التربس الدول الأعضاء في منظمة التجارة العالمية بأن تتيح إمكانية الحصول على براءات اختراع لكافة الاختراعات سواء كانت منتجات أم عمليات صناعية في كافة ميادين التكنولوجيا، طالما توافرت في الاختراع شروطا ثلاثة هى: الجدة، والخطوة الإبداعية ، والقابلية للتطبيق الصناعي، كما أوجبت على الدول الأعضاء أن تمنح البراءة ويتم التمتع بحقوق ملكيتها دون تمييز بين الاختراعات على أساس مكان الاختراع ، أو المجال التكنولوجي الذى ينتمى إليه أو ما إذا كانت المنتجات مستوردة أم منتجة محليا.

وقد أوجب هذا الحكم على الدول الأعضاء في منظمة التجارة العالمية التى كانت تستبعد الاختراعات الدوائية من الحماية عن طريق براءة الاختراع، أو الدول التى كانت تقصر حمايتها على منح براءة للطريقة الصناعية دون براءة المنتج أن تعدل تشريعاتها الوطنية لتمنح الحماية لكافة الاختراعات عن طريق البراءة في جميع ميادين التكنولوجيا ، ودون تمييز بين الاختراعات الدوائية وغيرها، ودون تمييز بين براءة المنتج وبراءة الطريقة  الصناعية.

ولا يجوز للدول الأعضاء تطبيقاً لحكم المادة 27/1 أن تميز في المعاملة بين الاختراعات التى ابتكرت في داخل إقليمها والاختراعات التى تم التوصل إليها في الخارج سواء فيما يتعلق بإمكانية الحصول على البراءة ، أو الحقوق التى تمنح لأصحابها . وهذا يعني أن تطبيق مبدأ  المساواة بين الاختراعات الدوائية وغيرها لا يقتصر على المساواة فيما بينها من حيث إمكانية حصولها على البراءة ، بل يمتد ليشمل التمتع بكافة الحقوق التى تخولها ملكية البراءة لصاحبها.

(2) المعلومات غير المفصح عنها:

وضعت اتفاقية التربس نظاماً لحماية الأسرار التجارية  أطلقت عليه “المعلومات غير المفصح عنها” undisclosed information ، وأدخلته فى عداد الملكية الفكرية . وهذا النظام يتفق فى كثير من الوجوه مع نظام حماية أسرار التجارة trade secrets فى القانون الأمريكى ، على الرغم من اختلاف المسميات .

وأكدت اتفاقية التربس فى المادة 39 فقرة أولى بشكل  واضح  حماية المعلومات غير المفصح عنها عن طريق قواعد المنافسة غير المشروعة التى تنص عليها المادة 10 مكرر من اتفاقية باريس.

وتناولت المادة 39 (2) من اتفاقية التربس الشروط العامة لحماية المعلومات غير المفصح عنها , وهى تتفق بوجه عام مع شروط حماية أسرار التجارة trade secrets فى القانون الأمريكى ، وتوجب توافر شروط معينة فى المعلومات حتى يمكن حمايتها قانوناً ، هى :  السرية ، وأن يكون للمعلومات قيمة تجارية نظرا لكونها سرية ، وأن يتخذ حائز المعلومات تدابير جدية للمحافظة على سريتها .

وخصت اتفاقية التربس الصناعات الدوائية والصناعات الكيميائية الزراعية بنوع خاص من الحماية دون غيرها من الصناعات أو المجالات التكنولوجية الأخرى ، عن طريق حماية البيانات السرية أو المعلومات الأخرى التى يلزم تقديمها الى الجهات الحكومية المختصة من أجل الحصول على ترخيص بتسويق الأدوية أو المنتجات الكيميائية الزراعية التى تحتوى على كيانات كيميائية جديدة  new chemical entities، إذ أوجبت المادة( 39الفقرة3) من الاتفاقية على الدول الأعضاء فى منظمة التجارة العالمية حماية تلك البيانات أو المعلومات من الاستخدام التجارى غير العادل ومن الإفصاح عنها إلا عند الضرورة .

و يعد نظام “حماية المعلومات غير المفصح عنها” الذى استحدثته اتفاقية التربس من أكثر طوائف الملكية الفكرية التى تؤثر سلبا على الصناعات الدوائية فى الدول النامية، وذلك لأن حماية بيانات الاختبارات السرية والمعلومات الأخرى التى يلزم تقديمها إلى الجهات الحكومية المختصة للحصول على ترخيص بتسويق الأدوية والمنتجات الكيميائية الزراعية تعرقل نشاط شركات صناعة الدواء فى الدول النامية، إذ لا يغيب عن البال أن نشاط هذه الشركات يعتمد بصفة أساسية على إنتاج الأدوية غير المحمية ببراءة اختراع generic drugs التى ابتكرتها شركات الأدوية الكبرى وسبق لها اختبار صلاحيتها من خلال التجارب التى أجريت عليها للتأكد من الأمان safety والفاعلية efficacy , و من الغنى عن البيان أن نظام المعلومات غير المفصح عنها يحرمها من  الاستفادة من بيانات الاختبارات ونتائج التجارب التى سبق إجراءها وتقديمها للوزارة  المعنية ويضطرها الى إعادة الاختبارات والتجارب على ذات الأدوية التى سبق اختبار صلاحيتها من جديد.

ثانيا : المبادئ المنصوص عليها فى اتفاقية التربس لتحفيف الأثار السلبية فى الدول النامية:

نصت المادة 27 من اتفاقية التربس فى فقرتها الاولى على المبدأ العام وهو أن جميع الاختراعات تصلح لأن تكون محلأ للحماية عن طريق البراءة وجاءت الفقرتان الثانية والثالثة منها لتقرر بعض الاستثناءات على هذا المبدأوالتى يجوز للدول الاعضاء تبنيها.

كما أجازت المادة 30 من اتفاقية التربس للدول الاعضاء منح استثناءات محدودة من الحقوق الاستئثارية الممنوحة بموجب براءة الاختراع شريطة ألا تتعارض هذه الاستثناءات بصورة غير معقولة مع الاستخدام العادى للبراءة وألا تخل بصورة غير معقولة بالمصالح المشروعة لصاحب البراءة ، مع مراعاة المصالح المشروعة للغير.

ولقد اتبع المشرع المصري نهجا تشريعيا للحد من غلو أحكام اتفاقيَّة التربس وتأثيرها السلبي على الدواء أخذا في الاعتبار ضرورة المحافظة على الصحة العامة، وقد ظهر ذلك من خلال ما يلي:

1- الأخذ بالحد الأدنى لمدة حماية الاختراع عن طريق البراءة، وهو عشرون سنة، وتعميم ذلك على كافَّة الاختراعات بما فيها (المنتجات الدوائيَّة والكيمائية أو عن طريق صناعتها).

2- استبعاد منح براءة الاختراع في بعض المجالات الحيوية التي تمس الصحة العامة ؛ حيث إن القانون استبعد طائفة من الاختراعات في مجال الحماية عن طريق البراءة طبقًا للمادة 2 من القانون رقم 82 لسنة 2002على النحو التالي:

أ – الاختراعات التي يكون في استغلالها مساس بالأمن القومي، أو الإخلال بالنظام العام أو الآداب، أو الإضرار الجسيم بالبيئة، أو الإضرار بحياة وصحة الإنسان أو الحيوان والنبات.

ب – الاكتشافات والنظريات العلميَّة والطرق الرياضية والبرامج والمخططات.

ج – النباتات والحيوانات أيًّا كانت ندرتها أو غرابتها، وكذلك الطرق التي تكون أساسها بيولوجية لإنتاج الحيوانات ماعدا الكائنات الدقيقة.

د- طرق التشخيص وجراحة الإنسان والحيوان.

م – الأعضاء  والأنسجة والخلايا الحية والحمض النووي والجينوم.

وبناء على ما سبق تستبعد طائفة مهمة من المنتجات الدوائيَّة التي يتم استخلاصها من المواد الطبيعية من نطاق الحماية، كما يستبعد أيضًا من الحماية عن طريق البراءة أي دواء يعتمد في تصنيعه على الكائنات الحية أو مكوناتها أو أجزائها الأعضاء , الأنسجة ,الخلايا الحية, الحمض النووي، والجينوم , ولذلك أهمية جمة بعد الإعلان عن مشروع الجينوم الذي سيكون المفتاح السحري للتقدم بخطى سريعة في العلاج الجيني.

–  الترخيص الإجبارية :

وضع المشرع المصري إطارا تنظيميا على نحو مفصل للتراخيص الإجبارية في مجال الدواء؛ حيث أجاز قانون حماية حقوق الملكيَّة الفكريَّة رقم 82لسنة 2002لمكتب براءات الاختراع أن يمنح تراخيص إجبارية باستغلال الاختراع إذا طلب وزير الصحة في أية حالة من حالات عجز كمية الأدوية المحمية بالبراءة عن سد احتياجات البلاد أو لانخفاض جودتها أو للارتفاع غير العادي في أسعارها ، أو إذا تعلق الاختراع بأدوية الحالات الحرجة أو الأمراض المستعصية والوقاية من هذه الأمراض، سواء تعلق الاختراع بالأدوية أو بطريقة إنتاجها أو بالمواد الأساسية التي تدخل في إنتاجها أو بطريقة تحضير هذه المواد.

وأيضًا وضع المشرع المصري ضوابط للحد من ارتفاع الأسعار أو عدم توفير المنتجات المشمولة بالحماية عن طريق البراءة في السوق أو طرحها بشروط مجحفة؛ حيث نصت المادة (23الفقرة خامسًا) من القانون رقم 82لسنة 2002على اعتبار هذه الأفعال من قبيل الممارسات المضادة للتنافس، وأجازت لمكتب براءات الاختراع منح تراخيص إجبارية في هذه الحالات، كما منحت لمكتب البراءات إسقاط البراءة إذا تبين بعد مضي سنتين من منح الترخيص الإجباري أن ذلك الترخيص لم يكن كافيا لتدارك الآثار السلبيَّة التي لحقت بالاقتصاد القومي بسبب تعسف صاحب البراءة في استعمال حقه.

– تقرير مبدأ الاستنفاد الدولي:

نصت المادة (10) من القانون رقم 82 لسنة 2002 على أنه:(تخول البراءة مالكها الحق في منع الغير من استغلال الاختراع بأية طريقة، ويستنفذ حق مالك البراءة في منع الغير من استيراد أو استخدام أو بيع أو توزيع السلعة، إذا قام بتسويقها في أية دولة أو رخص للغير بذلك)، ويسمح ذلك بتوفير المنتجات المشمولة بالحماية عن طريق البراءة في السوق المصري بأقل الأسعار السائدة عالميًّا عن طريق الاستيراد الموازي.

وكذلك أجاز المشرع المصري في المادة(10 الفقرة 1)على استخدام المنتج المشمول بالحماية عن طريق البراءة في كافَّة أغراض البحث العلمي دون أن يعد ذلك اعتداء على حقوق مالك البراءة؛ إذ يسمح ذلك لشركات الأدوية بدراسة المنتجات المشمولة بالحماية عن طريق البراءة وتحليلها . كذلك أجازت المادة (10الفقرة 5) قيام الغير بصنع أو تركيب أو استخدام أو بيع المنتج في أثناء فترة حمايته بهدف استخراج ترخيص لتسويقه، على ألا يتم التسويق إلا بعد انتهاء تلك الفترة.

وأكدت المادة 4 من القانون رقم 82 لسنة 2002 على الاستفادة من فترة السماح الإضافية ؛ حيث إن المادة (65فقرة 4) من اتفاقيَّة التربس أجازت للبلدان النامية الاستفادة منها عن طريق تأجيل تطبيق الأحكام المتعلقة بالتوسع في حماية المنتجات التي لم تكن مشمولة بالحماية في تشريعاتها عن طريق البراءة لفترة خمس سنوات إضافية تنتهي في 31 ديسمبر 2004.

وألزم المشرع المصري بنص المادة 13من القانون رقم 82لسنة 2002على أنه (إذا كان الطلب متعلقًا باختراع يتضمن مواد بيولوجية نباتية أو حيوانية أو معارف تقليدية طبية أو زراعية أو صناعية أو حرفية، أو تراثًا حضاريًّا أو بيئيًّا، فيجب أن يكون المخترع حاصلًا على مصدرها بطريقة مشروعة (  ، ويهدف المشرع المصري من ذلك الحد من استفادة الدول المتقدمة بمفردها من الثروات البيولوجية للدول النامية .

كما ألزم القانون مقدم طلب الحصول على البراءة ( إذا تعلق الأمر بكائنات دقيقة) بالإفصاح عن هذه الكائنات وإيداع مزرعة حية منها لدى الجهة التي تحددها اللائحة التنفيذية طبقًا لنص المادة(13الفقرة4) ، ومن الجدير بالذكر أن الكائنات الدقيقة تستخدم على نطاق واسع في مجال الأدوية .

ثالثأ : كارثة الايدز في جنوب أفريقيا وإعلان الدوحة :

1- انتشار فيروس الإيدز في جنوب أفريقيا ونتائج تطبيق اتفاقية التربس:

تعد جنوب أفريقيا من أكثر الدول التى اصيب سكانها بفيروس الإيدز إذ بلغ عدد المرضي فيها المصابين بهذا الفيروس 4.2 مليون مريضاً . ولما كانت الأدوية اللازمة لعلاج هذا الوباء مشمولة بالحماية ببراءات اختراع وتحتكرها شركات الأدوية الكبري وتبيعها بأسعار مبالغ فيها ليست في متناول المرضي ، فقد أصدر الرئيس نيلسون مانديلا في 12 ديسمبر 1997 قانونا خول بمقتضاه وزير الصحة صلاحيات اتخاذ تدابير من أجل توفير الدواء بأسعار معقولة تتناسب مع دخل المرضى وقد أجاز هذا القانون استيراد الأدوية المحمية ببراءات اختراع إلى جنوب افريقيا طالما أنها طرحت بمعرفة الشركات الدوائية صاحبة البراءات في الخارج مقررا بذلك مبدأ الاستيراد الموازي.

وفى أعقاب ذلك تعرضت حكومة جنوب افريقيا لضغوط وتهديدات من الدول الكبرى بزعامة الولايات المتحدة الامريكية لتغيير هذا القانون بزعم أنه يتعارض مع ما تفرضه اتفاقية التربس على جنوب افريقيا من التزامات خاصة المادة 6 من الاتفاقية التى تحظر الاستنفاد الدولي ، غير أن حكومة جنوب أفريقيا لم تستجب لهذه الضغوط والتهديدات.

وفي مارس 2001 أقامت مجموعة من شركات الأدوية الكبرى بلغ عددها 39 شركة دعوى قضائية ضد حكومة جنوب افريقيا طالبة إلغاء القانون المذكور، بزعم تناقضه مع الدستور، بالإضافة إلى مخالفته لأحكام اتفاقية التربس.

وفي ابريل 2001 اضطرت شركات الأدوية المذكورة – استجابة للرأي العام- إلى الانسحاب من القضية خشية افتضاح أمرها أمام العالم وظهورها بوجه قبيح يكشف تعطشها لتحقيق مكاسب وأرباح طائلة دون تقدير لأى جوانب انسانية ، ولو كانت تلك الأرباح على حساب أجساد وأرواح المرضى.

2- إعلان الدوحة بشأن اتفاقية التريس والصحة العامة:

يعد إعلان الدوحة من القررات الهامة الصادرة عن منظمة التجارة العالمية، وعقد المؤتمر الوزاري الرابع لمنظمة التجارة العالمية في الدوحة في الفترة من 9-14 نوفمبر سنة 2001 في أعقاب انسحاب شركات الأدوية متعددة القوميات (وعددها 39 شركة) من القضية التى رفعتها على حكومة جنوب أفريقيا . وقد كشفت هذه القضية أن تطبيق اتفاقية التربس قد يؤدي إلى آثار سلبية بالغة الخطورة على الصحة العامة في الدول النامية التى تنتشر فيها الأوبئة الفتاكة بسبب احتكار الشركات الدوائية متعددة القوميات للأدوية الجديدة والمغالاة في أسعارها.

لذلك شغلت قضية التربس والصحة العامة اهتمام المؤتمر الوزاري الرابع لمنظمة التجارة العالمية وأصدر المؤتمر الوزاري إلى جانب الإعلان الوزاري الذى تضمن برنامج عمل المنظمة فى المرحلة القادمة إعلاناً وزارياً آخر بشأن اتفاقية التربس والصحة العامة.

وتضمن الإعلان الأخير أن الدول الأعضاء في منظمة التجارة العالمية تدرك خطورة مشكلات الصحة العامة في الدول النامية والأقل نمواً ، وخاصة الدول التى ابتليت بأوبئة الإيدز والسل والملاريا وغيرها من الأوبئة الأخرى ، كما تدرك مايثيره تطبيق اتفاقية التربس من مخاوف تتعلق بإرتفاع أسعار الدواء، ولذلك فهي تؤكد وجوب تفسير اتفاقية التربس وتطبيقها بما يدعم حق الدول الاعضاء في المحافظة على الصحة العامة ، ولاسيما تأكيد إمكانية حصول الجميع على الأدوية.

وتضمن الإعلان تأكيد حق الدول الأعضاء في منظمة التجارة العالمية في الاستفادة الكاملة من أحكام اتفاقية التربس التى تنطوى على قدر مناسب من المرونة للمحافظة على الصحة العامة .

وناقش الإعلان بعض الأحكام الواردة في التربس التى تنطوى على مرونة ملائمة تسمح للدول الأعضاء بتحقيق هذا الغرض مؤكداً المبادئ التالية:

(أ )     ينبغي تفسير كل نص من نصوص اتفاقية التربس في ضوء هدف الاتفاقية والغرض منها، وهو ما أفصحت عنه الاتفاقية فى المادة 7 (الأهداف)  و المادة 8 (المبادئ) على وجه الخصوص.

(ب)    تأكيد حق الدول الأعضاء في منح التراخيص الإجبارية وتحديد الحالات التى تمنح فيها هذه التراخيص. وهذا يعني أن الحالات التى ذكرتها المادة 31 من اتفاقية التربس لمنح الترخيص الإجباري ليست واردة على سبيل الحصر وإنما وردت على سبيل المثال ، ومن ثم يجوز للدول الأعضاء في منظمة التجارة العالمية، إذا توافرت الشروط التى ذكرتها المادة 31، أن تمنح تراخيصاً إجبارية في الحالات الأخرى التى تقدرها خلاف الحالات التى ذكرتها المادة 31 تربس وهى: وجود طوارئ قومية أو أوضاع ملحة جداً ، الاستخدام غير التجاري لأغراض عامة ، تصحيح ممارسات مضادة للتنافس ، ارتباط الاختراع باختراع سبق منحه براءة.

(ج)     تأكيد حق الدول الأعضاء في تحديد معني الطوارئ القومية أو الأوضاع الملحة جداًَ ، ويمكن أن يدخل في عداد ذلك أزمات الصحة العامة المتعلقة بالايدز والعدوى بفيروسه ، والسل والملاريا وسائر الأوبئة الأخرى.

(د)      أن ماورد في اتفاقية التربس من استنفاد حقوق الملكية الفكرية (المادة 6 تربس) يتيح لكل الدول الأعضاء حرية تقرير مبدأ الاستنفاد في تشريعها الوطني كما يتراءى لها دون الاعتراض على ذلك من قبل أى دولة أخرى.

وتضمن البند السادس من الإعلان إقرار الدول الأعضاء في منظمة التجارة العالمية بصعوبة استفادة الدول النامية أو الأكثر نمواً استفادة فعالة من أحكام الترخيص الإجباري لعدم قدرتها الصناعية على تصنيع الأدوية، ولذلك فقد كلف الإعلان الوزاري مجلس التربس بأن يحد حلاً سريعاً لهذه المشكلة ، وأن يرفع تقريراً بما يقترحه إلى المجلس العام لمنظمة التجارة العالمية قبل نهاية عام 2002.

أما البند السابع والأخير من الاعلان فقد تضمن تحديد المهلة المقرره في اتفاقية التربس للدول أقل نمواً فيما يتعلق بالمنتجات الدوائية بحيث لا تلتزم هذه الدول بتطبيق وتنفيذ القسمين 5 ، 7 من الجزء الثاني من الاتفاقية وهما خاصين بمعايير براءة الاختراع ، والمعلومات غير المفصح عنها، كما لا تلتزم بإقرار الحقوق المنصوص عليها في هذين القسمين حتى أول يناير 2016 ، دون المساس يحق الدول أقل نموا فى طلب تجديدات أخرى للفترة الانتقالية .

3- قرار المجلس العام لمنظمة التجارة العالمية الصادر في 30 أغسطس2003 تنفيذاً للبند السادس من إعلان الدوحة بشأن التربس والصحة العامة:

وبتاريخ 30 اغسطس 2003 اصدر المجلس العام لمنظمة التجارة العالمية قراراً بتنفيذ البند 6 من إعلان الدوحة حول التربس والصحة العامة تضمن أن هناك ظروفاً استثنائية تبرر إيقاف تطبيق الفقرة (و) والفقرة (ح) من المادة 31 من اتفاقية التربس فيما يتعلق بالمنتجات الدوائية.

وتضمن هذا القرار إيقاف تطبيق ما يقضى به نص المادة 31 (و) من إلزام الدولة المصدرة للمنتجات الدوائية المحمية بالبراءة بأن يكون الترخيص الاجباري الذى تمنحه أساساً لتغطية احتياجات السوق المحلي ، وذلك  بالشروط التالية:

(أ)أن تقوم الدولة المستوردة للدواء بإخطار مجلس التربس على يتضمن الإخطار ما يلى:

1- تحديد اسماء الأدوية والكمية المتوقعة التى تحتاجها.

2- تأكيد أن الدولة المستوردة المؤهلة ليس لديها القدرة على تصنيع المنتج الدوائى ، أو أن قدرتها ضعيفة.

3- عندما يكون الدواء المستورد محمياً ببراءة اختراع فى الدولة المستوردة يجب أن تكون قد منحت أو لديها النية في أن تمنح ترخيصا إجبارياً وفقا لشروط المادة 31 تربس ، وهذا القرار.

(ب)    يجب أن يتوافر في الترخيص الإجباري الذى تمنحه الدولة المصدرة للدواء الشروط التالية:

1- أن يحدد الترخيص الإجباري الكمية الضرورية التىستصنع لتلبية احتياجات الدولة المستوردة، والتى تم إخطار مجلس التربس بها.

2- يجب تمييز المنتجات محل الترخيص الاجباري بوضوح للدلاله على أنه يتم انتاجها وفقا للنظام الصادر به هذا القرار، وذلك عن طريق تغليفها بأغلفة أو عبوات مميزة أو وضع علامات عليها أو تلوينها أو اتخاذ شكل مميز للمنتجات ذاتها ، بشرط أن يكون تمييزها ظاهراً، ولا يكون له تأثير يذكرعلى سعرها.

3- يجب على المرخص له ( في الدولة المصدرة) قبل بدء الشحن أن ينشر على الموقع الالكتروني المعلومات التالية:

– الكميات التى سوف يتم شحنها بموجب الترخيص الإجبارى.

– الملامح المميزة للمنتجات محل الترخيص الإجبارى.

(ج)     يجب على الدولة المصدرة إخطار مجلس التربس بأنها أصدرت الترخيص الإجباري وبيان الشروط الخاصة بإصداره ويجب أن تشمل المعلومات التى تقدمها اسم وعنوان المرخص له ، والمنتجات محل الترخيص ، الكميات التى تم الترخيص بها، الدولة أو الدول التى سيتم الشحن إليها، ومدة الترخيص. ويجب أن يشمل الإخطار عنوان الموقع الإلكترونى المشار إليه فيما تقدم.

كما تضمن القرار وضع قواعد بشأن كفاية التعويضات التى تدفع لصاحب البراءة وعدم ازدواجها ، حيث يقضى القرار أنه عندما يتم منح ترخيص اجباري في الدولة المصدرة فإن التعويض الذى يمنح لمالك البراءة فى الدولة المصدرة  يجب أن يكون كافيا وفقاً للمادة  31 (ح) ، ويدفع في الدولة المصدرة مع الأخذ في الاعتبار القيمة الاقتصادية لاستعمال هذا المنتج الدوائي محل الترخيص في الدولة المستوردة. وعندما يتم منح ترخيص اجباري في الدولة المستوردة من أجل الاستيراد يوقف الزامها بدفع تعويض لمالك البراءة مقابل الترخيص الاجبارى بشأن تلك المنتجات التى سبق دفع تعويض لمالك البراءة مقابل إنتاجها.

و بالإضافة إلى ذلك ألزم القرار الدولة المستوردة للدواء أن تتخذ التدابير المعقولة بما يتناسب مع قدرة جهازها الإدارى و حجم مخاطر تهريب المنتجات لمنع إعادة تصدير المنتجات التى تم استيرادها إلى إقليمها. فإذا واجهت الدول المستوردة سواء كانت دولاً نامية أو أقل نمواً صعوبات في اتخاذ هذه التدابير يجب على الدول المتقدمة تقديم مساعدات إليها.

كما ألزم القرار الدول الأعضاء فى منظمة التجارة العالمية أن توفر في تشريعاتها الوسائل القانونية الفعالة لكي تتجنب تسرب الأدوية وتهريبها وبيعها فى أراضيها ، وذلك فيما يتعلق بالأدوية التى تم تصنيعها بموجب ترخيص اجباري من أجل تصديرها إلى دولة معينة وفقاً للقواعد المتقدمة .

4- مبادرة كندا بتفعيل قرار المجلس العام الصادر في أغسطس 2003:

لاشك أن استفادة الدول التى لا تملك القدرة التكنولوجية على تصنيع الأدوية من قرار المجلس العام الصادر في أغسطس 2003 مرهون بإدخال تعديلات تشريعية في قوانين براءات الاختراع فى الدول الأعضاء خاصة في الدول المتقدمة. وقد أخذت كندا زمام المبادرة في هذا الشأن وكانت أول دولة تصدر قانوناً لتفعيل قرار المجلس العام للمنظمة الصادرة في أغسطس 2003 هو قانون The Jean Chrétien Pledge to Africa Act (Bill C-9)  . وقد أدخل هذا القانون تعديلاً على قانون براءات الاختراع الكندي بما يسمح لشركات الأدوية الـgeneric  بالحصول على ترخيص اجبارى لتصنيع أدوية محمية ببراءات اختراع من أجل تصديرها إلى الدول التى لا تملك القدرة الصناعية على انتاجها.

ومن أهم ملامح هذا القانون أنه أوجب على الحكومة الكندية التأكد من توافر الأمان والفاعلية في الأدوية التى يتم تصديرها لهذا الغرض بما يتفق مع المعايير الكندية من أجل ضمان جودة الأدوية المصدرة.

وتضمن القانون حق مالك البراءة في اللجوء إلى القضاء الفيدرالي للمطالبة بإلغاء الترخيص الإجباري إذا خالف المرخص له شروط الترخيص ، أو حدث تهريب للأدوية إلى دول أخرى خلاف الدولة المعنية التى يجب تصدير الأدوية إليها.

كما وضع القانون ضوابطاً للتعويض الذى يحصل عليه  مالك البراءة فى الترخيص الإجباري تضمن عدم المبالغة في تقديره، وهى تقضي بأن التعويض (الإتاوة) الذى يدفعه المرخص له يجب أن يتناسب مع مستوى نمو الدولة التى يصدر إليها الدواء ، وقيمة العقد، ولاشك أن هذه الضوابط من شأنها توصيل الدواء بسعر رخيص إلى الدوله النامية أو الأقل نمواً التى لاتملك القدرة على تصنيعه.

5- قرار المجلس العام لمنظمة التجارة العالمية بتعديل المادة 31 تربس:

وفى 6 ديسمبر 2005 اتخذت الدول الأعضاء في المجلس العام لمنظمة التجارة العالمية قراراً بتعديل المادة 31 تربس بما يتفق مع القرار السابق الصادر في 30 أغسطس 2003 بإيقاف تطبيق الفقرتين(و) و (ح) من المادة 31 تربس.

وبذلك تم تحويل القرار المؤقت بإيقاف تطبيق الفقرتين(و) و (ح) من المادة 31 تربس إلى تعديل دائم للفقرتين.

وبموجب هذا التعديل أضيفت المادة 31 مكرر إلى اتفاقية التربس وهى تشمل 5 فقرات تسمح بتصدير المنتجات الدوائية التى تم تصنيعها بموجب الترخيص الاجباري للدول التى لا تملك قدرة على تصنيع الأدوية ، بالإضافة إلى منع إزدواج التعويض التى يمنح لمالك البراءة في حالة الترخيص الاجباري بحيث لا يحصل إلا على تعويض واحد في الدولة التى صنعت الدواء بموجب الترخيص الاجباري بغرض تصديره،  علاوة على التأكيد على جوانب المرونة التى وردت في اتفاقية التربس .

وبالإضافة إلى المادة 31 مكرر التى أضيفت إلى التربس فقد تضمن التعديل أيضا إضافة ملحق جديد للتربس شمل مسائل متفرقة مثل التعويضات ، الإخطارات، تجنب تسرب المنتجات الدوائية إلى دول أخرى غير الدولة التى تم منح الترخيص الإجباري لتغطية احتياجاتها.

وقد تم إرفاق نص المادة 31 مكرر بالإضافة إلى ملحق التربس ببروتوكول التعديل الذى وافق عليه المجلس العام لمنظمة التجارة العالمية، وفتح باب إقرار الدول لهذا التعديل واتخاذ إجراءات التصديق حتى أول ديسمبر 2007.

وسوف يدخل التعديل حيز التنفيذ بعد التصديق عليه من ثلثي الدول الأعضاء فى منظمة التجارة العالمية.

زر الذهاب إلى الأعلى