من حديث الخاطر
نشر بجريدة الوطن الجمعة 19 / 6 / 2020
بقلم: أ. رجائي عطية نقيب المحامين
- قد عرف الآدميون من قديم، فضل وقيمة الانتفاع بالعقل في رحلة الحياة، وعرفوا بالعقل قيمة وجدوى الاستقامة، مثلما خافوا به من أخطار ومغبات الخروج عليها في عالم معظمه «غيب» بالنسبة لهم، وبهذا العقل اهتدوا إلى مسئولية الإنسان عن أفعاله، وضرورة هذه المسئولية والإحساس القوى الفطن بها وبلزومها لضبط وقيادة خطوات البشرية، وتحسس طريقها بشعور جاد من الالتفات والتيقظ للأخطار والمخاوف والعقبات، والتعلق الواعي بحبل الأمل والرجاء في قابل أفضل وأجمل وأرشد.
- قد يكون الحديث تلقيحًا للعقول، وترويحًا للقلوب، وتسريحًا للهموم، وتنقيحًا للأدب.
- البدن إذا كَلَّ طلب الراحة، كذلك النفس، إذا ملّت طلبت الترويح.
* * *
- من يراقب شرود الغريزة، يلفاه مصحوبًا دائمًا باعتياد وإلحاح وإدمان.. هذا الشرود موجود منه في كل سن وطبقة وجماعة، وكثرته غير العادية أمارة انحلال «وتدهور» وقرب هلاك الشاردين وغير الشاردين في الجماعة، لأنه إمعان في إعدام الروابط الضرورية لاستمرار وجودها ذاته، فضلاً عن نموها وتطورها، كأن ذلك ناموس كوني من نواميس فناء الجماعات البشرية غير اللائقة للبقاء.. في العلاقات الجنسية المثلية بين الذكور أو بين الإناث، يتوقف حتمًا عمل ناموس التكاثـر، فتكـون نهايتهـا الفنـاء للطرفين أي انقطاعهمـا بلا عقب، فإن صار الشذوذ غالبًا في الجماعة زالت تلك الجماعة بأسرها من الوجود بهذا السبب وحده، فضلاً عما يلازمه قبل الفناء المحتوم !، من نواقص أخرى تابعة لهذا الشذوذ، كالجرأة الوقحة على الغير، وقلة ضبط النفس، والاستهانة بذلك الضبط، وفقدان الحيـاء بالمـرة، بإعلام أو إظهار ذلك الشرود إلى حد الزهو به على الملأ الآخرين ناهيك بما انحدر إليه الحال من إباحة وتقنين زواج المثليين!!
- الطمع لا تعوزه العلل لينال ما يريد ويبتغى !
* * *
- احتياج الحـي إلـى مـا يقيم أوده عـن طريق محيطه أو المحيطيـن به، واحتياجـه إلى طرد بقايا ما بداخله، غريزة لم يبرأ من حكمها إنسان ما، لكنها عرضة للمبالغة أو القصور عمـا هو ملائم لحياة الحـي.. فيأخذ هذا الشرود صاحبه إلى ما فيه أذاه الذي يمرضه أو يقتله ! .. هذا الشرود لم يسلم منه غالبية الناس في جميع الأعمار، جاهلهم وعارفهم ومنذ الأزل، يرتبط هذا الشرود عند الآدميين من طريق الاعتياد بمنحنيات الغريزة الجنسية إيجابًا وسلبًا، ويستخدم غالبًا في محاولة إيقاظ هذه الغريزة خاصة عند الكهول والشيوخ.
ومعظم هذا الإيقاظ وهم يسرع بهم إلى الاعتلال أو الهلاك.. ولهفة الكهول والشيوخ إلى ذلك «الإيقاظ» من طريق الأكل والبلع والحقن مشهودة في كل مجتمع وزمن، تساندها المصدقات والاعتقادات وحـرص المروجين لذلك «الإيقاظ» على الربح أو تلقي المدائح أو التشكرات عن المساعدة المبذولة أو المتبرع بها !.
- قال بعض العارفين: الخوف والرجاء زمامان على النفوس، وقالوا: الرجاء أحد جناحي قلب المؤمن، والخوف ثانيهما، وفي الحديث القدسي: «عبدي ما عبدتني ورجوتني، ولم تشرك بي شيئًا غفرت لك على ما كان منك، ولو استقبلتني بملء الأرض خطايا وذنوبًا، استقبلتك بملئها مغفرة، وأغفر لك ولا أبالي».
- من أحب العمل بصدق، لا يكترث للثمرة والجزاء.
* * *
- غريزة حب المال، غريزة متأصلة في النفس الإنسانية.. لم يخل أي آدمي في أي زمان إلا نادرًا جـدًا ـمـن قـدر من الحرص على المال أو ما يقوم بالمال أو يمكن أن يقوم مقامه، وربما كان هذا أيضًا غريزيًا في جنسنا قابلاً من هذه الجهة للتقوية ومنها إلى المغالاة التي يصعب الوقوف بها عند حد معقول، فيصبح المال بأنواعه وأشكاله وصوره، ورغبة تنميته بكل حيلة ووسيلة، سعارًا يشغل صاحبه فيصير همه الرئيسي الذي يصحو وينام عليه غارقًا فيه، وهذا شرود خطير الآثار والعواقب، لأنه يدفع بالشارد إلى الاندفاع في المشاركات والمغامرات والمضاربات والجموحات، فيفقده العناية اللائقة والواجبة بترقية عقله ونفسه وذوقه وأهله ومن تتوثق صلتهم به، كما يعرضه للنكبات وأنواع الحسرات والدمار !!
- الإخلاص على مراتب، ومقامات:
إخلاص العوام، وهو خلوص الأحوال من شوائب الرياء
وإخلاص الخواص، وهو خلوص النية من شوائب النظر إلى الدارين وفى الحديث: «إنما الأعمال بالنيات ولكل امرئٍ ما نوى».
وإخلاص الأخص، وهو خلوص الجوهر الإنساني عن شوب الوجود وشينه.
- يصبر على البلوى، من يتطلع لحلاوة النجوى.
* * *
- يبدو أن كل ما اكتسبه ويكتسبه الآدمي مؤقت مرتبط بزمن وظروف، لأن ما نكتسبه فيه دخل قليل أو كثير للمخيلة، والمخيلة لا تعمل خارج الزمن والظروف، سواء أكان عملها واعيًا أو غير واع، إراديًا أو غير إرادي، ولولا الوعي واستعداده للنمو والحافظة وقدرتها على الاختزان، والمخيلة ووثبها على الزمن والمكان ونشاطها الذي لا ينقطع في الحلم واليقظة، ولولا اختلاف الأعمار والأجناس ودرجات الاستعداد لانقضى كل ما يكتسبه بسرعة كما ينقضي كل ما يكتسبه أي من تلك الأحيـاء الأخرى التي ليس لأجناسها وأنواعها عدد، ولعل هذا هو سرّ عدم المبالاة الذي يقابل به عالم الأحياء جميع ما حققه الأدمي وما بناه وما عرفه وما يحاول أن يحققه أو يبنيه أو يعرفه، مما نسميه خيرًا أو شرًا، جميلاً أو قبيحًا، منفردًا أو مجتمعًا !
- قيل في المعصية إنها سبب لهوان العبد على ربه، وسقوطه من عينه، وفيها قال الحسن البصري: هانوا عليه سبحانه فعصوه، ولو عزوا عليه لعصمهم، ومن هان على ربه لم يكرمه أحد.. يقول رب العزة: «وَمَن يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ» (الحج 18)
- روى الحاكم في صحيحه من حديث عائشة رضى الله عنها، قالت: قال رسول الله: «لا يغني حذر من قدر، والدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل، وإن البلاء لينزل فيلقاه الدعاء فيعتلجان إلى يوم القيامة».
وفى صحيح الحاكم من حديث أنس عن النبي: «لا تعجزوا في الدعاء: فإنه لا يهلك مع الدعاء أحد».
- قال بعض السلف الصالح، إن كان ابن آدم محتاجًا إلى نصيبه من الدنيا، فإنه إلى نصيبه من الآخرة أحوج !.
* * *
- ألفاظ اليقين والجزم والتأكيد والإطلاق، لا يستعملها البشر إلا توسعًا في نطاق تلك النسبية الزمنية، إذ هم يعبرون بها عن مقدار التصديق الداخلي الذي يشعر به الإنسان في ضميره وأعماقه، وهي لا تخرج عن كونها أحكامًا بشرية بنت لزمانها ومكانها، فليس معنا نحن البشر مطلق نخاطب به المطلق: الحق تبارك وتعالى، وكل ما معنا هو ما منحه سبحانه لكل فـرد مـن وعي وفهم وعقل وعاطفة وذاكرة وحواس وأعصاب وخلايا!
- مصالحة النفس تنهاها عن الشرود!
- قوة المؤمن في قلبه.. كلما قوى قلبه صح بدنه.
- لا يبحث الرحالة غير المقيم عن علاقات دائمة، ولا يبالي باكر بما قرّ عليه في يومه وأمسه!
- تتحول الحياة إلى تعاسة دائمة حينما لا تفطن إلى المودع فيها!
* * *
- كثرة أحداث الشرود وصوره في هذا الزمن، سببها الرئيسي فيما يبدو للمخضرم الملتفت هو سرعة الانتقال والتحرك والتغير والتغيير مع ضيق صدور الناس الآن، وقلة ما معهم من الصبر مما كان مع آبائهم ومن القدرة على تحمل أعباء الحياة ومشاقها طويلاً، ذلك بسبب إسراع عجلة التقدم الجارف في العلوم الوضعية والمعارف المبنية عليها والأجهزة ووسائل الإنتاج والأدوات المستحدثة نتيجة لها، وفى طرق وأنواع الإنتاج الجديد، وفي انتشار هذه وتلك في العالم كله غربًا وشرقًا وشمالاً وجنوبًا، وفى أساليب التوزيع التي لا آخر لها برًا وبحرًا وجوًا، وهي كلها أمور لم يسبق لها مثيل في الماضي القريب والبعيد.
- ينزرع الحياء من الله في قلب المؤمن، لأنه يفكر في دوام إحسانه عز وجل إليه، ويعلم بأنه بعينه سبحانه في منقلبه ومثواه، ويذكر وقوفه بين يديه كل لحظة، ويوم يقوم الأشهاد.