من توابع الفوضى ! (8)
من توابع الفوضى ! (8)
نشر بجريدة الوطن الجمعة 30 / 4 / 2021
بقلم: الأستاذ/ رجائي عطية نقيب المحامين
والمادة 25 من الإعلان الدستوري الصادر 30 مارس 2011، والمعمول به حتى مجيء حكومة الإخوان، ولم يعرض له قرار الرئيس الإخواني في 12 أغسطس 2012 بأي سوء، تنص على أن: « رئيس الدولة هو رئيس الجمهورية، ويسهر على تأكيد سيادة الشعب وعلى احترام الدستور وسيادة القانون وحماية الوحدة الوطنية والعدالة الاجتماعية وذلك على الوجه المبين بهذا الإعلان والقانون، ويباشر فور توليه مهام منصبه الاختصاصات المنصوص عليها بالمادة (56) من هذا الإعلان عدا المبين في البندين 1 و 2 منها ».
ويبدو واضحًا أنه فات فيما فات ـ لدى إصدار قرار رئيس الجمهورية (الإخواني) 12أغسطس 2012، وما تضمنه من إعلان دستوري من الرئيس إلى الرئيس، فات الالتفات إلى أن هذا الإعلان الفردي الذي تعوزه المرجعية الدستورية والقانونية ـ يتصادم ويتعارض مع صريح نص المادة 25 من الإعلان الدستوري الأصيل الصادر 30 مارس 2011، التي استثنت صراحة سلطة التشريع والموازنة العامة، والمبينة في البندين 1، 2 واللتين استثناهما النص صراحة ـ من السلطات التي يباشرها الرئيس إلى أن يتم استكمال البناء الدستوري للدولة، وفات فيما فات أن رئيس الجمهورية لا يملك وليس من سلطته تعديل الإعلان الدستوري 30 مارس 2011، وأن أي تعرض منه بالتعديل لأي مادة من مواد هذا الإعلان الدستوري يقع معدومًا لا أثر له في القانون !
فأمامنا في هذه الفوضى ضاربة الأطناب، تعارض صارخ وتناقض زاعق بين الإعلان الدستوري الفردي من الرئيس إلى الرئيس الصادر 12 أغسطس 2012 بلا مرجعية دستورية أو قانونية، وبين صريح نص المادة 25 من الإعلان الدستوري الأصلي الصادر 30 مارس 2011، والذي كان لا يزال معمولًا به ويتصدر ديباجة كافة القرارات الجمهورية التي يصدرها الرئيس الإخواني.
فالإعلان الدستوري الفردي 12 أغسطس، يعطى الرئيس سلطة التشريع التي حظر الإعلان الدستوري الأصلي الصادر 30 مارس 2011 إعطاءها إليه هي والموازنة العامة ـ وهذا التناقض لا يصطدم فقط بما أقسم الرئيس على احترامه، وإنما يتعارض ويصطدم بإعلان دستوري أصلى قائم وسار وله بلا مراء مرجعية غير متوافرة للإعلان الدستوري الفردي، الأمر الذي يعنى طبقًا لقواعد التفسير ـ أن إعلان 12 أغسطس 2012 ـ قد ورد باطلًا على غير محل، للحظر القائم في إعلان 30 مارس 2011 الأصيل والساري والمعمول به للآن والذي لا يملك الرئيس تعديله!
رب قائل يقول وقد ضربت الفوضى في كل شيء، ما الذي يمنع الرئيس من أن يلغى إعلان 30 مارس 2011 بدوره، والجواب أن هذا الإلغاء معناه ضرب كل قواعد المشروعية التي تسير عليها البلاد منذ 30 مارس 2011، بما في ذلك الانتخابات الرئاسية ذاتها، فقد جرى ذلك كله وفق هذا الإعلان الدستوري الذي تضمن فيما تضمنه التعديلات الدستورية التي جرى الاستفتاء عليها في 19 مارس 2011، وأقرها الشعب في نتيجة الاستفتاء التي أعلنت 23 مارس، ومثلت مع تغيير أرقام المواد فقط ـ مثلت عصب الإعلان الدستوري الأساسي الصادر 30 مارس، الأمر الذي لا يستقيم معه إلغاء هذا الإعلان الدستوري أو تعديل أي مادة من مواده الآن، لما لذلك من توابع خطيرة تؤدى إلى انهيار تام لن ينجو منه شيء !!!
هذا التصادم والتعارض القائم، له بالتأكيد توابع، إنْ تراخى ظهورها اليوم فسوف تظهر باكرًا، وسوف يؤدى ذلك إلى توابع وآثار تهدد كل ما يَجْرى ويُجْرى، وتسدل أستارًا كثيفة لا يُعرف متى تنقشع، على ثورة عقدنا الآمال عليها، فأخذتها الفوضى إلى دروب ومسالك ما أنزل الله بها من سلطان. فهل من عقل يستنقذ مصر من وهدة هذه المخاوف المتبدية في الأفق، والتي لا يشيح عن رؤيتها بصير ؟!!!
ومن توابع الفوضى، أنه بدا أن الانتفاضة أو الثورة هي مزيد من الإغراق في الفوضى، هي بداهة أبعد جدًا من أن تكون فوضى خلاقة، فهل كان ما عقدنا عليه الآمال الكبار مجرد فرصة لسيطرة وهيمنة فصيل واستحواذه على كامل المشهد، حتى إذا ما دانت له الأمور سارع بنقض ما قامت الثورة ـ في أيامها الثمانية عشر الأولى ـ للقضاء عليه ؟!!! وهل كان من مقتضيات هذه الثورة أن تُؤَخْوَنَ الدولة، ومناهج التعليم والتربية الوطنية، وتضرب الصحافة القومية، ونستبدل عنف البلطجة بعنف الإدارة، وننزل بسن الزواج إلى أعمار الطفولة لنقضى على براءتها ونحول أطفالنا إلى أشباه سبايا في سوق النخاسة، لإشباع غرائز من هرموا وشاخوا ولا يستحون من أن يبنوا بطفلات في سن أحفادهم ؟!!!
ومن العوارض التي طفت على السطح، شخصنة الدولة، أو شخصنة الأمور في الدولة.. رأينا شيئًا من ذلك في صيغة اليمين المعدلة التي أدى بها القَسَمْ ــــ رئيس المخابرات العامة وهيئة الأمن القومي، فالولاء يجب أن يكون للدولة ونظامها ودستورها وقانونها ـــ لا للأشخاص، فمصر هي الباقية، والأشخاص أيًا كانوا إلى رحيل وزوال.
وافتراض العصمة لغير الأنبياء غير جائز، ولا محل له، ونقل ولاء القَسَمْ إلى الشخص بدلًا من الدولة، يحمل نذرًا يمكن أن تكون وخيمة إذا ما فرط من الوالي ما يدخله في دوائر الخطأ والمساءلة والحساب، وهو ما تجيزه وتنظمه دساتير العالم، ومنها ـ فيما كان ـــ دستور 1971، فقد كان يبيح محاكمة رئيس الجمهورية، سواء عن الجرائم الجنائية، أم عن ما قد يُعَد خيانة عظمى !
ماذا يفعل من أقسم بالولاء للشخص لا للدولة، إذا ما خرج الحاكم عن الدستور والشرعية، أو فرط منه ما يستوجب مساءلته.. هل يساير في الخطأ التزامًا بالقسم، أم يبقى على ولائه للوطن الذي هو بكل المقاييس فوق الجميع ؟!!!
شخصنة القَسَمْ فرع على شخصنة الدولة، وهذا باب كبير للفوضى واضطراب الأمور وانبهام المقاييس.
تعرف النظم القانونية نوعين من العفو، العفو عن العقوبة ويكون بقرار من رئيس الدولة، والعفو الشامل ولا يكون إلاّ بقانون صادر عن السلطة التشريعية، وهو لا يقف عند العفو عن العقوبة، وإنما يمتد إلى آثارها، ويمحو الإدانة ذاتها.
والعفو بنوعيه، يكون في الأحوال العادية تداركًا لعدل فات، أو ظلم وقع، أو دواع إنسانية أو اجتماعية أو قانونية طرأت. وفحوى ذلك أن فكرة « العدالة » هي الحاضرة الدافعة للعفو عن العقوبة أو العفو الشامل في الأحوال والظروف العادية.
على أن ممارسة هذه السلطة، وهى بغض النظر عن الالتباسات التي نجمت عن الفوضى ومست القواعد المفترض أن ترعاها المبادئ الدستورية ويكفلها القانون ـ يجب أن تكون بصيرة بما تفعل , مميزة بين العفو الذي يرعى عدالة فاتت، وله ضوابطه لأنه مراجعة قد لا تكون حميدة أو صائبة لأحكام قضائية لها حجيتها واحترامها، وبين العفو الذي ينصف النظام الجديد من سياسات النظام الآفل، وهو إنصاف قد لا ينبع عن فكرة العدالة، وإنما حافزه السياسة. ولذلك قصره العارفون على العقوبات أو الأحكام الصادرة في جرائم سياسية.