من تراب الطريق (957).. أمن الجوار والأمن القومي لمصر
بقلم: رجائى عطية
نشر بجريدة المال الأحد 18/10/2020
رأينا الموقف الحازم الأخير والذي اتخذته مصر إزاء التحركات التركية حماية لأمن ليبيا باعتباره امتدادًا للأمن القومى لمصر، ورأينا كيف حددت مصر خطًّا لا يقبل تجاوزه محذرة تركيا وميليشياتها الإرهابية من العواقب التى من المؤكد أن تترتب على ذلك ، فى إنذار لا تخفى الدبلوماسية نذيره الواضح.
على أن الموقف المبدئى لمصر، لم يقتصر على ليبيا، المتاخمة لحدودنا الغربية، فرأينا دورًا فاعلاً فى إتفاق السلام بجنوب السودان تحقيقًا للسلام بين الشمال والجنوب بعد أن استهلك الخصام كثيرًا من طاقة السودان بعامة .. شماله وجنوبه . وهو ما وصفه نائب رئيس جنوب السودان بأنه دعم رائد لاتفاق السلام الذى تحقق ، واصفًا العلاقات بين جوبا والقاهرة بأنها متميزة للغاية ، وأن مصر كانت من أوائل الدول التى دعمت الجنوب عقب الاستقلال بافتتاح سفارة لها بالجنوب ، فضلاً عن إنشائها « العيادة المصرية » بالعاصمة « جوبا »، ودعمها مستشفى جوبا وعيادات الغسيل الكلوى ، واستقبالها نحو 70% من مواطنى جنوب السودان المسافرين إلى مصر طلبًا للعلاج، حتى صارت الجالية الجنوب سودانية من أكبر الجاليات الأفريقية من حيث العدد فى مصر . وقد جاء الدعم المصرى لاتفاق السلام ثمرة للعلاقات المصرية الخاصة بين كل من شمال السودان وجنوبه .
ومصر حاضرة بوضوح فى محاولات حل الأزمة السورية ، بمـا يحفـظ لسوريـا وحدة أرضها ووحدة شعبها ، فأمن مصر مرتبط إرتباط لزوم بكل دول الجوار ، العربية وغير العربية . فى الأسبوع الماضى استقبل الرئيس المصرى وزير خارجية العراق وسفيرها بالقاهرة ، لمناقشة سبل التعاون بين الدولتين ، سواء فى الاطار الثنائى بينهما ، أو فى الاطار الثلاثى مع الأردن ، وأكدت مصر فى هذا اللقاء على ثوابت السياسة المصرية فى دعم وتعزيز دور العراق القومى العربى ، فذلك يصب فى دعم الدور القومى لمصر ، وفى تحقيق أمنها .
هذا الأمن القومى المصرى ، هو حافز مصر على حماية الأمن القومى والمصالح القومية لكل من اليونان وقبرص إزاء تطلعات تركيا غير المشروعة إلى حقول الغاز الواقعة فى مياههما الإقليمية ، وكذلك فى حماية أمن الدول المطلقة على البحر الأحمر من خلال الرقابة البحرية الفاعلة على مضيق باب المندب ، وهو دور مكنت مصر منه تنامى قواتها البحرية والجوية ، مما دعم سياستها فى حماية أمنها القومى وحماية أمن الجوار باعتباره امتدادًا للأمن القومى لمصر .
لم يعد عالم اليوم يسمح بالانقطاع عن قضايا العالم ، لا سيما دول المحيط التى ينعكس ما يجرى فيها أو لها على الدول المجاورة لها ، وهو ما نجحت فيه مصر فى زمن وجيز استعادت فيه دورها الإقليمى والعربى ، باعتبارها قاطرة العالم العربى ، بوزنها فى العالم ، وبقوتها العسكرية التى وضعت جيش مصر فى مرتبة متقدمة بين جيوش العالم القوية .
لا يتحقق السلام إلاَّ للقادر على الحرب !