من تراب الطريق (954) لا شرف مع اللصوصية
من تراب الطريق (954)
لا شرف مع اللصوصية
نشر بجريدة المال الثلاثاء 13/10/2020
بقلم: أ. رجائي عطية نقيب المحامين
درجنا من الصغر على قراءة روايات « اللص الشريف » أرسين لوبين ، التي كتبها المؤلف الفرنسي الشهير موريس لبلان ، وترجمها لنا عمر عبد العزيز أمين ، في سلسلة روايات الجيب ، وقرأنا عن دون جوان وسطواته ، وقليلون من عرفوا أن أدهم الشرقاوي بدأ حياته بالسطو والاغتيال ، وذاع صيته حينما سطا وعصابته على قطار كان من حظه أنه محمّل به أسلحة إنجليزية ، فاعتبر السطو عليها من أعمال البطولة ، وصارت عُدة أدهم في صولاته وجولاته وتعدياته ، ومع ذلك تحول إلى أسطورة مبناها انعكاس الصورة !
هل يمكن أن تعود الإنسانية في حاضرها المعاصـر إلـى أحبولة « اللص الشريف » ؟! .. إن كثيرًا مما نشاهده الآن فصول تكاد تكون معادة ـ ولكن بأثواب مختلفة ـ لظاهرة اللص الشريف ، مشاهيرها لصوص سرقوا المال العام أو أفسدوا وأمعنوا في الإفساد ، ثم ارتدوا مخادعين ثوب الشرف والعطاء العام فانطلى أمرهم على الغافلين ، وأفسحوا لهم المجال ، وربما أقاموا لهم الميادين أو أطلقوا أسماءهم على الشوارع والطرقات والأماكن !
هل يوجد أشر وأدعى للرثاء من هذه المشاهد الجهولة التي غاب فيها العقل وغابت الفطنة وأصيبت العيون بالعماء؟!
وعندي أنه مع اليقين بأن حياة الآدميين جميعًا واعية أو غير واعية وكل حياة أخرى في الوجود من أول الزمان إلى آخره مصدرها الخالق وعنايته ورعايته عز وجل ، فإن واقع الآدمي قد يخلو من الالتفات لهذا اليقين ـ بالانشغال أو بالنسيان ـ لأن ذكره لله سبحانه وتعالى ربما صار آليًّا باللسان أو بالتمتمة ، دون أن يكون التفاتًا حيًّا في وعيه وواقعه ، فيكون من نتيجة ذلك حرمانه من هذه النعمة الكبرى .. هذه النعمة التي يتعين أن تكون حاضرة في وعينا فيما نؤديه من الفرائض والنوافل .. العبادات لا تتغيّا ذكرًا متفرقًا في أثناء أداء الفرائض والنوافل ، ينقطع ويتصل لينقطع ، وإنما تتغيَّا حضورًا دائمًا في واقعنا الواعـي ، صريحا لا ضمنيًّا ، أصيلاً مقصودًا لا عرضيًّا ! فالمؤمن مدعو إلى ذكر ربه كثيرًا بالعشى والإبكار ، وفى نفسه ـ تضرعًا وخيفةً ـ وبالغدو والآصال .. هذا الذكر هو الذى به يتصل الآدمي بربه اتصالاً يكون واقعًا حاضرًا دائمًا فـي وعيه ، هــذا الحضور الدائم بالذكر هو الذى به تطمئن القلــوب : « أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُــوبُ » ( الرعد 28 ) .. هذا الذكر الذى فيــه قـال القـرآن المجيد : « وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ » ( العنكبوت 45 )
هذا ولا يغفل المتأمّل عن أن الثروة قد تغولت وترعرعت في بر مصر ، واستشرى وتفشى فيها الفقر والفقراء ! ومن الغريب اللافت أن الثروة لا تتفطن للخطر القادم من الفقر والإملاق ! لو تفطنت الثروة للغضب المنحبس في الصدور ، لاعتدلت وارعوت قبل أن يأتي طوفان لن يميز بين الغنى والفقير !!!
بقى أن أقول لكم إن كل مجتمع يحاسب مخطئيه أو مجرميه ـ حسابًا إجماليًّا يقف عملاً عند ثبوت أو عدم ثبوت ماديات الحدث ومرتكبه أو مرتكبيه والقضـاء بالعقوبـة أو البراءة !.. لا يريد أي مجتمع أن يجد ويدرس ويتمعن ولا أن يتكلف ماديًّا ومعنويًّا على نحو جاد ـ أكثر من هذا القدر الرسمي الذى اعتاد عليه استسهالاً وتحاشيًا للجهد والعناء ، وهو يترك للقالة العامة عملية التلطيخ أو التطهير ـ بناء على نفس الرؤية البسيطة البدائية التي أخذها بالظاهر دون تأمل أو دون تأمل كثير ، فيفترس بعض الناس سيرة الآخر وسمعته ، ويشيد بعضهم به وبشرفه ، وبين هؤلاء وأولئك يتوه المدقّقْ الذى يريد التزام الحياد ووزن الأمور عن بصيرة وتفطن !
إن الطريق إلى الله ـ سبيله قطع بادية الوجود بقدم الصدق ، وأن من عرف الله تعالى ، استقام سبيله ، ولا يخفى عليه شيء .