من تراب الطريق (1233)
بقلم: الأستاذ رجائى عطية نقيب المحامين
ـــ
الإمام الطيب
والقول الطيب (66)
نشر بجريدة المال الأربعاء 1/12/2021
ــ
الأزهر وأفريقيا
الجذور والتاريخ
ـــــــــ
أُلقيت هذه الكلمة فى حفل افتتاح المقر الإقليمى الدائم لشمال أفريقيا لاتحاد الجامعات الأفريقية بجامعة الأزهر ، فى 5 رجب 1440هـ / 12 مارس 2019 م .
لا مراء أن تدشين مقر اتحاد الجامعات الأفريقية فى مصر حدث تاريخى ، ولا شك أيضًا أن يعبِّر عن عمق العلاقات المصرية بكل دول القارّة ، وعن انفتاح هذه العلاقات على كل الثقافات والحضارات والأديان .
ومصر التى قال الله عنها : « ادْخُلُواْ مِصْرَ إِن شَاء اللّهُ آمِنِينَ » ( يوسف 99 ) ، هى الدولة الأفريقية المؤهَّلة ـ بقادتها وشعبها وعلمائها وقواتها المسلحة ورجال شُرطَتِها ـ لحمل رسالة اتحاد الجامعات الأفريقية ، وتوصيل رسالتها العلمية والثقافية ليس إلى القارَّة الأفريقية فحسب ، بل إلى قارّات العالم أجمع .
هذا وتجدُر الإشارة إلى أن الأزهر الشريف يدرس فى أروقته العلمية فى المرحلة الجامعية وما قبلها وما بعدها أكثر من ستة آلاف طالب وطالبة من قارّة أفريقيا من بينهم أكثر من ثمانمائة طالبة ، وتُقَدِّم مصر منحًا دراسية مجانيّة لألفى طالب وطالبة من أبناء هذه القارّة ، تتحمل نفقات تعليمهم ، بدءًا من تذكرة سفر القدوم ، وانتهاءً بتذكرة سفر العودة .
هؤلاء الطالبات والطلاب يَدرُسون العلم فى الأزهر ويتعلمون اللغة العربية ، ويتعرفون على سماحة الإسلام واحترامه للأديان والثقافات الأخرى .
ومنذ ثلاث سنوات سابقة على تاريخ إلقاء هذه الكلمة ، فتح الأزهر أبوابًا جديدة للطلاب الأفارقة زيادة على كليات أصول الدين واللغة العربية والشريعة والقانون والدعوة والدراسات الإسلامية ، وتمثلت هذه الأبواب الجديدة فى فتح كليات الطب والهندسة والصيدلة والزراعة وغيرها من الكليات العملية للطلاب الأفارقة .
وتجربة أخرى بدأها الأزهر فى أفريقيا منذ أكثر من عام ، وبدأت تؤتى ثمارًا طيبة مبشرة ، وهى : اختيار النُّبهاء من الطلاب الأفارقة ، المتخرجين من كليات أصول الدين واللغة والشريعة ، ومن الحاصلين على تقدير « امتياز » أو « جيد جدًّا » ، لإيفادهم إلى بلدانهم على نفقة الأزهر ؛ لينشروا الفكر الإسلامى الصحيح الذى تعلّموه فى الأزهر ، وليُفقِّهوا المسلمين هناك بمبادئ هذا الدين الحنيف ، وذلك بعد تدريب هؤلاء « الخريجين » وتعريفهم بالتحديات المعاصرة التى تتقنَّع باسمِ الإسلام ، وكيفيّة التصدِّى العلمى لهذه التحديات بما يكشف زيفها وضلال دُعاتها .
وعلاقة القارّة الأفريقية بالأزهر علاقة ضاربة بجذورها فى تاريخ هذا المعهد العلمى العريق الذى مضى على إنشائه أكثر من ألف عام ، وهو يتحمل مسئولية تعليم الإسلام : قرآنًا وسنةً ولغةً وشريعةً ، فى منهجٍ خالصٍ نقىٍّ ، لا تُعكّر صفوه ولا تُسمّمه الأجندات السياسية أو المذهبية أو القُطريّة ، التى آلت إلى ما نعرف من تطرّف وعُنف وإرهاب .
وقد لا يعلم كثيرون من تاريخ العلاقة القديمة بين الأزهر الشريف ودول أفريقيا أن أروقة الأزهر كانت مسمّاة بأسماءٍ أفريقيّة ، مثل الرّواق الذى كان يسكنه أهل تشاد وما جاور بُحيرتها .. ورواق « السنارية » المخصص لطلبة السودان ، وما جاوره غربًا ، وهو من أشهر أروقة الأزهر ، وكذلك رواق « المغاربة » المخصص لبلاد المغرب : ليبيا وتونس والجزائر وموريتانيـا ، ورواق « الدكارنـة » ، ورواق « إقليم غرب أفريقيا » ، ورواق « الجبرت » وغيرها .. واليوم تحل « مدينة البعوث الإسلامية » محل هذه الأروقة ، وللطلاب الأفارقة منها نصيب الأسد .
واليوم أيضًا يُقدِّم الأزهر ثمانمائة منحة سنوية للطلاب الأفارقة للدراسة بكلياته النظرية والعملية ، وللأزهر ستة عشر معهدًا أزهريًّا فى كلًّ من نيجيريا وتشاد والنيجر والصومال وجنوب أفريقيا وأوغندا ؛ يمدُّها بمدرسين أزهريين على نفقته الخاصة ، كما يزوِّدها بالكتب الدراسية والمناهج ، ويُمنح الطلاب المتخرجون فى هذه المعاهد شهادات معتمدة من الأزهر الشريف .
ومما يعتزُّ به الأزهر فى مجال التعاون مع الدول الأفريقية قوافل البعثات الطبية والإغاثيّة لبعض هذه الدول ، مثل النيجر والصومال والسودان وتشاد وأفريقيا الوسطى ونيجيريا وبوركينا فاسو ، وهذا قليل من كثير ممّا يقدمه الأزهر وعلماؤه للأشقاء فى هذه القارّة الشقيقة .