من تراب الطريق (1222)
الإمام الطيب والقول الطيب (55)
نشر بجريدة المال الثلاثاء 16/11/2021
ــ
بقلم: الأستاذ/ رجائى عطية نقيب المحامين
الأزهر ووحدة المسلمين
ــــ
أصل هذا الفصل , محاضرة ألقاها فى صفر 1432 هـ / يناير 2011 م ــ الدكتور أحمد الطيب فى اللقاء التحضيرى لمؤتمر « أهل السنة والجماعة » ــ الأشاعرة والماترديدية أهل الحديث ــ دعوة إلى الوحٌدة والتسامح ونبذ الفرقة والتطرف .
المدخل إلى هذا الحديث , الأعراض الشبيهة بالأمراض المتوطنة , التى صارت تعانيها الأمة التى أنارت العالم كله بعد أن كان قد أطبقت عليه الكلمات , وصححت بالقرآن الكريم , وبسنة رسولها العظيم , مسار البشرية , وكفلت للإنسانية وضعها الصحيح .
إن المتأمل فى عظمة الحضارة الإسلامية التى تأسست على العدل والإنصاف , ليعجب كثيرًا لما آلت إليه الآن , من الضعف والإنزواء , إن لم يكن من الزوال أو الفناء !
ومن مدهشات هذه الحضارة , أنها وهى تعانى ما باتت تعانيه من الهزال , لا تزال تبعث الأمل فى التعافى والإحياء والتجديد .
بل أن المتأمل ليلاحظ أن هذه الحضارة الإسلامية رغم ضعفها وركودها الآن , لا تزال تقلق أبناء الحضارة الغربية , هذه الحضارة العملاقة باتت تخشى تيقظ قوة المسلمين الكامنة , وتعمل على بقاء المسلمين غافلين , يتكففون مظهرهم ومشربهم وملبسهم ومركبهم من
الغرب , ويحدث هذا رغم ما يمتلكه المسلمون من منابع ومصادر الثروات , ومن الطاقات البشرية القادرة على إستخدام هذه الثروات وصناعة الحياة النشطة المعطاءة .
بيد أن داء هذه الأمة , هو الفرقة والتشتت , والإختلاف والتنازع , حتى صار يتمثل فيها جدوى سياسة « فرق تسد » .
ومن المؤسف حقًا أن يتخذ الأعداء من هذه الفرقة والإقتتال فيما بين المسلمين , يتخذون منها عدة وعتادًا فى تحقيق أغراضهم وتكفيهم مؤنة نقل الجيوش وتكاليف الحروب .
الحرب الضريرة التى استمرت بين العراق وإيران عشر سنوات , بددت الثروة وبددت القوة التى كانت تنعم بها الدولتان , وليس أرضى للأعداء من تتكفل الدولتان الأسلاميتان بتبديد ثروتهما وقوتهما جميعًا , بفعلهما الضرير !!
يحدث هذا , فيما يقول الإمام الطيب , والقرآن الكريم الذى نردده صباح مساء ونتسابق فى تحفيظه للأطفال ونتباهى بقدرة الصغار على حفظه , هذا القرآن الكريم يحذر المسلمين ويقرع سمعهم بقوله تعالى : « وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ » ( الأنفال 46 ) .
والذى يجب التفطن إليه أن الأزهر الشريف بات يواجه الآن تحديات لا مفر من مواجهتها , وعليه أن يتحمل مسئوليات مهما كانت أثقالها , ليتابع طريقه فى الإصلاح الذى بدأ منذ عهد الشيخ مصطفى المراغى حتى الآن .
ما يجب على الأزهر , ويجاهده اليوم , هو المضى قدمًا برسالته , فى الطريق الصحيح , وقوامه :
(1) الحفاظ على وحدة المسلمين وجمع كلمتهم .
(2) السلام الوطنى والإقليمى , ثم العالمى , إنطلاقًا من جوهر الرسالة المحمدية التى تجلت فى قوله تبارك وتعالى له « وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ » (الأنبياء 107 )
بيد أن المؤسف أن خطاب الدعوة المنوط به جمع الشمل , صار هو المسئول الأول عن فرقة المسلمين وشتاتهم وتمزقهم !
القضايا المهمة توارت !
وحل محلها الإهتمام بالتفاهات !
هل يعلم شبابنا عن القدس والمسجد الأقصى , مثل ما يعلمه عن الخلافيات بين المذاهب ؟!
وهل يشغل ذهنه بالبحث عن واقع أمنه , مثل ما يشغله عن خلافيات تافهة ولى زمانها !
وهل يقبل الشباب على مقرارته العلمية , بمثل إقباله على كتيبات توقع فى المتاهات ؟!
ألم تصرفنا معركة النقاب , وهو فى الحقيقة عادة وليس فرضًا ولا عبادة , عن غزو الأمريكان للعراق , والمعارك التى أداروها فى أفغانستان والصومال والسودان ؟!
بل كيف أعرض شبابنا عن الفرض المحتم اللازم , وتفرغ لفقه يختلط فيه المندوب بالواجب والمكروه بالمحرم ؟!
لقد تلاشت الفروق أو كادت بين الأحكام الشرعية الخمسة , وإنشغلت الأسر المسلمة بثانويات لا خطر فى تركها , ولا إلزام فى فعلها . كالعقيقة وخروج السيدات للصلاة فى المساجد , فى الوقت الذى أخل فيه ببر الوالدين , وقيمة العمل , وقيمة الوقت , والرحمة بالناس .
ما يدفع الأمة فى اتجاه بائس ــ محاولات العبث الواضح بفقه الأئمة الأربعة , وفرض فقه جديد يوجب على الناس ما لا يجب ، فضلاً عن العبث بأمهات كتبنا التراثية بالحذف والإضافة .
أين هذا من المبادئ المتفق عليها : لا يُكفر أحدٌ من أهل القبلة . لا يخرج من الإسلام إلاَّ محو ما أدخله فيه . الصلاة صحيحة خلف البر الفاجر .
وأخيرًا فإن المأمول لتحقيق الهدف الأسمى , طرح قضية الإختلاف فى إطار الوحدة , وقضية التكفير , والإقصاء , والعداء المتبادل , والثأر , وغيرها من القضايا الواجب طرحها على بساط البحث بكل مصارحة , حتى تستأنف الأمة الإسلامية المضى فى طريقها التى إنصرفت عنه !!