من تراب الطريق (1217)

بقلم/ الأستاذ رجائي عطية نقيب المحامين

الإمام الطيب والقول الطيب (50)

نشر بجريدة المال الثلاثاء 9/11/2021

مكتبة الأزهر

تستحق مكتبة الأزهر أن يفرد لها هذا العنوان ، وقد قُيض لى لعضويتى بمجمع البحوث الإسلامية ، أن أطلع عليها ، وأن أتعامل معها ، وأستعير منها ، ولكنى على خلاف عديد من المستعيرين ، حرصت على أن أرد لهذه المكتبة العظيمة الهائلة ما إستعرته منها .

وخيرًا فعل الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب ، بإهتمامه بالحديث عنها ، مقدمًا لحديثه الطيب بأن عمر مكتبة الأزهر هو عمر الجامع نفسه ، ممهدًا بأن الحديث عنها نشأة وتطورًا أكثر من ألف عام ، لا يمكن أن يتسع له المجال ، ولكنه لا يحب أن يمضى دون إبداء بعض الخطوط العريضة بشأنها . قال :

« إن هذه المكتبة الحالية الموجودة الآن ليست هى المكتبة القديمة التى يتحدث عنها المؤرخون ، وإنما المكتبة القديمة أنشئت بعد إنشاء الجامع الأزهر بعشرين عامًا ، وعليه ؛ فإن تاريخ مكتبة الأزهر يعود إلى عام 381 هــ ، الموافق 991 م .

وقد تناول المؤرخون تطور هذه المكتبة عبر العصور استنادًا إلى الشذرات والمقتطفات المتناثرة التى فى بعض كتب الأخبار والأنباء والمواعظ والإعتبار ؛ كالمقريزى ، وابن الميسر ، وابن خلكان ، وابن إياس ، وغيرهم .

وربما كان أقدم إشارة تتعلق بمكتبة الأزهر ـ ما أورده ابن الميسر من أن أمانة المكتبة كانت تعد من الوظائف الكبرى , وأنه فى سنة 517 هـ / 1123 م أسندت وظيفة أمانة المكتبة إلى خطيب الجمعة فى الجامع الأزهر ، وان مكتبة القصر الفاطمى كانت تحتوى على أكثر من مائتى ألف مجلد ، فى سائر العلوم العلوم والفنون ؛ فى الفقه ، والحديث ، والتاريخ ، والأدب ، وغيرها ، نقل نصفها إلى الجامع الأزهر بأمر الحاكم بالله .

ويؤخذ من هذه القبسات التاريخية أمران :

أولاً : ان عمر مكتبة الأزهر هو : 1012 عامًا تقريبًا .

ثانيًا : أن هذه المكتبة قد زودت بمائة ألف كتاب فى القرن الرابع الهجرى ، العاشر الميلادى .

ولنا بعد ذلك أن نتصور عظمة وخطر مكتبة بهذا الحجم وهذا التاريخ .

وفيما يتعلق بوضع المكتبة فى العصر الحاضر ؛ فإن من المهم أن نشير إلى أن التاريخ الحديث لهذه المكتبة يرتبط بدعوة الإمام محمد عبده ( 1849 ــ 1905 م ) مفتى الديار المصرية إلى إنشاء مكتبة مركزية ، تجمع شتات الكتب المتناثرة فى المساجد والأروقة والمدارس ، والتى كانت تتبع مكتبة الأزهر ..

وقد تقدم بهذ المشروع إلى الشيخ : حسونه النواوى ، شيخ الأزهر (1839 ــ 1924م ) ، والذى أصدر قرارًا بإحصاء الكتب وتجميعها وحفظها فى مبنى يخصص لهذا الغرض ، وتم تنفيذ الفكرة فى أول محرم , من سنة : 1314 هـ / 1897 م ، ونقلت الكتب والمخطوطات إلى الأماكن التى خصصت لها .

ولم تقتصر دعوة الإمام محمد عبده على تجميع الكتب فى الأماكن المخصصة ، بل دعا إلى المشاركة فى تزويدها بالتبرع بالمكتبات المتوارثة إلى مكتبة الأزهر ، وكان أول المستجيبين لهذه الدعوة شيخ الأزهر الشيخ حسونة النواوى ، الذى تبرع بمكتبته للأزهر ، وأيضًا ورثة المرحوم سليمان باشا أباظة ، الذين اهدوا مكتبة والدهم إلى مكتبة الأزهر .

أما المبنى الجديد للمكتبة ؛ فإن قرار إنشائه يعود إلى الشيخ محمد مصطفى المراغى

(1881 ـ 1945م) الذى تولى مشيخة الأزهر عام / 1928 م , لكنه لم يُنفَّذ فى ذلك الوقت ، وظل يتعثر حتى عهد الإمام الأكبر الدكتور عبد الحليم محمود شيخ الأزهر ( 1910 ــ 1978 م ) ، الذى أحيا قرار المشروع من جديد ، ودفع به إلى مرحلة الإتفاق على إنشاء المبنى ، غير أن تنفيذ المبنى لم يتم إلاَّ فى عهد الشيخ جاد الحق ( 1917 ــ 1996 م ) ، الذى تولى مشيخة الأزهر فى : 17/3/1982م ؛ حيث وُضِع المشروع موضع التنفيذ الفعلى ، وأنشئ المبنى الحالى ، والمكون من أربعة عشر طابقًا فى حديقة الخالدين بالدراسة بالقاهرة .

وعندما تولى الأستاذ الإمام الدكتور محمد سيد طنطاوى مشيخة الأزهر تابع تحديث المكتبة بالتنسيق مع مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء ؛ وذلك بإنشاء قواعد بيانات ببليوجرافية لجميع مقتنيات المكتبة ، تيسر استدعاء المعلومات المطلوبة ، باستخدام أحدث نظم التصنيف العالمية ، والفهرسة ، واستخدام برنامج المكتبات الآلية , لكن هذا التحديث ما زال فى مراحله الأولى ، الأمر الذى يجعل اكتشاف المخطوطات فى هذه المكتبة والتعرف عليها أمرًا صعبًا ، وذلك للأسباب الفنية التالية :

1 ـ أن الفهارس المنشورة للمكتبة فى تسع مجلدات لا تتضمن 15000 مجلد من المخطوطات ، وكثير منها ما يدخل ضمن المخطوطات النادرة .

2 ـ أن المكتبات الخاصة بأروقة المغاربة والشوام والأتراك ، والتى تحتوى على آلاف المخطوطات ، كانت تحت إدارة مشايخ هذه الأروقة ، ولم ينقل الإشراف عليها لإدارة المكتبة الأزهرية العامة إلا بعد صدور فهارس المكتبة ، وأخر هذه الفهارس طُبع سنة : 1978 م ؛ وعليه فلم تدخل محتويات تلك المكتبات فى هذه الفهارس ، ويبلغ العدد التقريبى لتلك المخطوطات : خمسة عشر ألف مخطوط ، فى مختلف فروع العلوم الإسلامية.

3 ـ أن هناك آلافًا من المخطوطات كانت موزعة فى مكتبات المعاهد الأزهرية خارج القاهرة ، وتم تجميعها فى المكتبة الأزهرية منذ أربع سنوات ، لكنها لم تفهرس فهرسة آلية فى الحاسب ، ولا حتى فهرسة ورقية فنية .

أما رؤية الإمام الطيب المستقبلية لهذه المكتبة العظيمة النادرة ، فموضع حديثنا القادم بمشيئة الله .

زر الذهاب إلى الأعلى