من تراب الطريق (1207)
الإمام الطيب والقول الطيب (40) رؤية الإمام الأكبر
نشر بجريدة المال الثلاثاء 26/10/2021
ـــ
بقلم: الأستاذ/ رجائي عطية نقيب المحامين
حسبي كفكفةً لنفسي، وما صدمت به من بناء مشروع « التراث والتجديد » ، فى مبناها وفى صياغتها وفى مقاصدها ، أن أختم بما ختم به فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب ، بعد أن قرع الأجراس ، وأثار الانتباه إلى اتجاهٍ رأى بحق أنه يحتاج إلى مناقشة وردود . قال فضيلته :
« أولاً : ثمة فرقٌ بين التجديد وبين التغيير ؛ الأول : حفاظ على الأصول وإضافة إليها ، ونفضٌ لما يتراكم عليها من غبار يحجبها عن الأنظار . والثانى : هدمٌ وبدءٌ جديدٌ من فراغ يتم تحت أى مسمَّى .. إلاَّ مسمَّى التجديد ، اللهم إلاَّ إذا كان القصد تغييب الوعى أو خداع الجماهير .
« ثانيًا : إن مفهوم مشروع التراث والتجديد ينتهى بنا فى التحليل الأخير ـ إلى المتاهات الآتية :
المتاهة الأولى : اعتبار الإسلام معطى تاريخيًّا ، وواقعةً حضاريةً حدثت فى التاريخ يهمنا منه ما نشأ بوصفه حضارة ، وليس مصدره : من أين أتى ؟ تهمنا حضارته بعد حدوثه بالفعل ، وتجديد التراث ليس هو البحث عن النشأة بل عن التطور .
المتاهة الثانية : البداية العملية للتغيير تعنى البدء بالواقع واعتباره المصدر الأول والأخير لكل فكرة .
المتاهة الثالثة : تحريم عملية التغيير على الطبقة البورجوازية أو من ينتمى إليها ، وإسناد المهمة بكاملها إلى الطليعة المنتسبة نفسيًّا ونضاليًّا إلى الطبقة العاملة .
« ومن حقنا أن نقرر ـ فيما يبدى الإمام الأكبر ـ : أن « التراث والتجديد » ـ فى هذا الإطار ـ نظرة خاصة وشخصية إلى أبعد حد ممكن ، وأنه لا يعبر عن آلام وآمال الجماهير ، بل جاء تعبيرًا عن آمال فئة محدودة العدد جدًّا ، وإلى الحد الذى يُسقطُها من حساب النسبة والتناسب ، ومن حقنا أيضًا أن نقول : إن تجديد التراث الإسلامى لا يحسنه إلاَّ عالم ثابت القدمين فى دراسة المنقول والمعقول ، فاهمٌ لطبيعة التراث ولطبيعة المناهج وأدوات التحليل الفكرى المستخدمة فى البحث والتقصى ، وهل تتلاءم مع طبيعة تراث يعتمد على أصول ثابتة موجهة للواقع وحاكمة عليه ، أو تتنافر معه منذ الخطوة الأولى من البحث .
« والذى لا شك فيه أن مشروع « التراث والتجديد » هذا , بل أكثر مشاريع التجديد ـ قد خلا من هذه الشروط الضرورية ، ونظر إلى تراثنا فى أصوله الثابتة من منظار منهج تطورى أُولَى مُسلَّماته : أن لا ثابت ولا مقدَّس ، ومن ثم فلا شك ـ والأمر كذلك ـ أن تجىء النتائج كلها مضطربةً متناقضةً ، الأمر الذى يجعلنا نتساءل عن أهداف مثل هذه الدراسات ، وهل هى ـ حقيقةً ـ تجديد لتراث الأمة الإسلامية ، وبحثٌ عن هويتها ، وتأكيدٌ لذاتيَّتها ، أو هو استئصال لما تبقى من عناصر قوتها وحيويتها ، تأكيدًا لاستمرار التبعية واستلاب الذات .
« كما نسجل أيضًا ـ والحديث للإمام الأكبر : أن مشروع « التراث والتجديد » قد أهدر كثيرًا من دلالات النصوص اللغوية والتاريخية لحساب رؤية خاصة لم تحل الإشكال ، بل زادته اضطرابًا وغموضًا .
« ثالثًا : لا ننكر أننا فى حاجة إلى التجديد ، بل مشكلتنا الأم : هى غيبة التجديد ، لكن شريطة الوضوح والفصل بين مجال الثوابت ومجال المتغيرات ، والتفرقة الحاسمة بين أصول الدين وتراث أصول الدين .