من تراب الطريق (1196)
الإمام الطيب والقول الطيب (29)
نشر بجريدة المال الأحد 10/10/2021
ـــ
بقلم نقيب المحامين الأستاذ : رجائى عطية
ـــ
تجديد الدين , أو تجديد أمر الدين فى كل زمان ومكان , لم يعد قابلاً للجدل , ولا للتخاذل عنه من باب أولى .
فالقرآن الكريم ملىء بالاشارات التى تلفت إلى أهمية التجديد والتغيير فى كافة شئون الحياة , فهى فى صيرورة دائمة لا تتوقف عن التطور والتغيير . وقد كانت الاشارات القرآنية إلهامًا لكثيرين من علماء المسلمين , من المتكلمين ومن الفلاسفة , وهذه الصيرورة عبر عنها المتكلمون بنظرية الكون المتجدد فى كل لحظة , بل وقرر آئمة الأشاعرة أن الغرض لا يبقى زمانين , بل يتجدد كل لحظة .
يقول الإمام الطيب :
« كما ذهب بعض المتكلمين : إلى أنَّ الأجسام الحاملة للأعراض لا تبقى زمانين , وأَّنها تتجدَّد كذلك حالاً فحالاً , ولحظةً بعد أخرى , وقد تعلَّمنا فى قسم الفلسفة بكلية أصول الدين أن الفيلسوف المسلم صدر الدِّين الشيرازى ( ت. 1059 ه ــ 1649 م) سبقَ الفيلسوف الفرنسى ــ هنرى برجسون ــ ( ت. 1941 م ) بالقول بصيرورة الكون وديمومة العالم بثلاث مئة عام , وذلك حين قرر صدر الدِّين فى كتابه « الأسفار الأربعة » أنَّ الكون بعالمَيه : السُّفلى والعُلوى لا يكُف لحظة واحدة عن التَّجدُّد والتَّغير , يقول هذا الفيلسوف : « إنَّ حال الشمس والقمر , كحال زيد وعمرو , فى تبدلهما وانقضائهما ودثورهما وفنائهما , من جهة اشتمالهما على الطَّبيعة الجرمية السَّيالة الزَّائلة … وأنَّ الحَمل والثور والسُنبلة , فى عالم السماء , كالحمل والثور والسنبلة فى عالم الأرض , من حيث إنَّ أشخاص الكُلِّ متجددة فى كل حين » .
ويقول فى نص آخر: « فَمن اكتحلت عينُه بنور الإيمان , وتَنَوَّر قلبُه بسطوع آيات القرآن , يجد أعيان العالم متبدلة , وتَعَيُّناتِها المترادفة متزايلة , خلقًا من بعد خلق , وطورًا من بعد طور , سائرة , …إلى طريق الآخرة , متوجهة إلى اللَّه راجعة إليه » .
ويستند الشيرازى إلى اشارات قرآنية يستلهمها فى نظرتيه هذه , وردت فى قوله تعالى : « وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ » ( النمل 88) , وقوله سبحانه : « أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ » ( ق 15 ) .
وهذه الآية الثانية ألهمت الشيخ الأكبر : محيى الدين بن عربى ( ت . 638 ه ) بخيال خصيب فى نظرية تجدد الكون فى كل لحظة , عبَّر عنه بقوله : « إن الموجود كلَّه متحرِّك على الدوام دنيا وأخرى » .
عفوًا لإيراد ما أبداه الإمام الطيب بلفظه , فذلك لازم لنرى دقة النظر ودقة الاستشهاد بالآيات القرآنية التى تؤكد أن التفكير فريضة , وأن مسايرة التطور حكمة واجبة لازمة .