من تراب الطريق (1193)

الإمام الطيب والقول الطيب (25)

نشر بجريدة المال الاثنين 4/10/2021

ـــ

بقلم : الأستاذ رجائى عطية نقيب المحامين

ـــ

لماذا المذهب الأشعرى ؟

والأزهر فيما أبدى إمامه الأكبر الدكتور الطيب فى كلمته البحثية , وإنْ كان قد تبنى ـ منذ القدم ـ المذهب الأشعرى , فذلك لأنه وجد فيه العلاج الناجح لأمراض وعلل أصابت الفكر المتصل بالدين , وبخاصة فى القرنين الأخيرين الماضيين , وكان ذلك بسبب فرض المذهب الواحد والرأى الواحد , وهو ما أدى إلى القضاء على مكمن القوة فى أمة الإسلام وتقهقر بها فى قائمة الأمم .

على أنه مع تمسك الأزهر وعلمائه ـ فيما أبدى الإمام الأكبر ـ بالمذهب الأشعرى , فإنه يفسح المجال واسعًا لكل المذاهب الكلامية الأخرى , وينظر إليها بحسبانها مذاهب إسلامية تستظل بدوحة الإسلام الوارفة التى يستظل بها كل من يشهد بالشهادتين ويصلى إلى القبلة ويأتى أركان الإسلام والإيمان .

والأزهر وهو يتبنى مذهب الإمام أبى الحسن الأشعرى , لا يتبناه فيما أوضح الإمام الأكبر تعصبًا لمذهب ولا لإمام من الأئمة , ولكن لأن هذا المذهب لم يكن مخترعًا ولا محدثًا فى الدين , بل كان انعكاسًا صادقًا أمينًا لما كان عليه النبى عليه الصلاة والسلام وصحابته وتابعوهم , من يسرٍ وبساطةٍ فى الدين : عقيدةً وشريعةً وأخلاقًا .

وما أقدم عليه الإمام الأشعرى , هو صياغة مذهب عقدى ينصر فيه القرآن والسنة , بدلالات العقول وبيان أن نصوص الوحى تستقيم على طريق العقل الخالص المتجرد من شوائب الهوى ولجاج الجدل والأغاليط .

اتصال المسلمين بالغرب

لقد اتصل المسلمون بالغرب منذ أكثر من قرنين من الزمان , وكانت هذه الفترة كافية ليقظتهم , ولوقوفهم الآن فى مصاف الدول التى تقدمت كاليابان وغيرها من الدول التى لم تنهض سلفًا إلاَّ بعد نهضة العالم العربى إبان نهضته , إلاَّ أن ماكينة « التكفير » والإقصاء والجدل العقيم , مضت تقتحم الساحة وتفشى آثارها المدمرة , ولم تدع فرصة لمفكرى العرب والإسلام وعلمائهم ـ للانصراف الهادئ إلى ترسيخ ثقافة تدفع بأوطانهم إلى المكانة اللائقة بأمة حملت مشعل الحضارة قرونًا , وتختزن فى أراضيها ثروات هائلة , فضلاً عن الطاقة البشرية بما يمكنها ـ لو أرادت واستقامت مسيرتها ـ من استثمار هذه الثروات بما يعود بالنفع على الإسلام والمسلمين .

الانصراف إلى المهجور والهامشيات !

وقد كان من معالم هذا التراجع , ترك فقه الأولويات , وترك اللباب والجوهر إلى القشور والهامشيات , فإذا بالبعض يهول فى قضايا لم يعد لها وجود , أو انحسرت فى ظل تقدم المدنية , وإذا بالبعض يفتعل المعارك حول الردة , وما حدها أو جزاؤها , مع أن مجمع البحوث الإسلامية أفتى برأيه الواضح الصريح المستقيم أكثر من مرة بأنه لا حَدَّ على الردة , ومع أن أحدًا لا يقيم الآن حدًّا للردة أو يطالب به , وتتزايد فى بعض الفضائيات برامج تتحدث عن « أوهام » و« أشباح » لا وجود لها فى واقع المسلمين , فى الوقت الذى يزعم فيه هؤلاء اللاغون أن العناية الإلهية قد بعثت بهم ليجددوا فى الإسلام !

لقد حدثت من جراء هذه الهجمات الضريرة على الإسلام ـ شجون وآلام , توازت معها أجندات التفجير والتدمير والإهلاك والنسف من الجذور , بهدف أو مأرب لا يغيب عن فطنة العارفين , ألا وهو تدمير الأمة وضرب استقرارها وزرع بذور الفتنة التى تؤدى إلى التحلل والتفكك والضياع !

التـجديد

لا يغيب عن علم العارفين ، أن التجديد خاصيةٌ لازمة من خواص دين الإسلام ، نبه إليها وأكد عليها النبى عليه الصلاة والسلام فى قوله الشريف : « إنّ الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها » ، وهو حديث سنده صحيح ورواته كلهم ثقات ، وأخرجه الإمام أبو داود فى سننه (4291) ، والإمام الطبرانى فى المعجم الأوسط (6527) ، والحاكم فى المستدرك (8593) ، واعتمده أئمة وعلماء الحديث .

وهذا الحديث على رأس الأدلة النقلية فى وجوب التجديد فى الدين ، ويلحق به الأدلة العقلية المستفادة من كون الإسلام ـ الدين الخاتم ـ رسالة عامة للناس جميعًا ، وأنها باقية قائمة برسالتها وصالحة لكل زمان ومكان ، ومستفادة أيضًا من كون النصوص محدودة والحادثات لا محدودة ، الأمر الذى فرض ويفرض وجوب التجديد لمعرفة حكم الله فى الحوادث المستجدة اللا محدودة .

زر الذهاب إلى الأعلى