من تراب الطريق (1183)
الإمام الطيب والقول الطيب (15)
نشر بجريدة المال الاثنين 20/9/2021
ـــ
بقلم: الأستاذ رجائي عطية نقيب المحامين
يقيم الإمام الطيب الدليل على صدق ما استوقفه ، إندلاع فتنة طائفية بين المسلمين والأقباط لم يكن لها قبل ذلك هذا الوجود الساخن المحتدم ، وكيف طالت الفتنة السنة والشيعة ، فإندلعت بينهما الصراعات وسفك الدماء ، مع أن دينهم واحد ، ونبيهم واحد ، وكتابهم واحد ، وقبلتهم واحدة .
بل تضمنت أجندة التمزيق محاولات لشق وحدة الصف القبطى فى مصر ، ووحدة الكنيسة الأرثوذكسية ، ووحدة المرجعية الدينية للأقباط ، وهو أمر لا يقدر عليه الشيطان لو فكر فيه وأراده .
ثم الكارثة العظمى التى حلت بوحدة الصف الفلسطينى ، وكدنا ننسى من هولها العدو الحقيقى ، وهو أمر مراد ومقصود .
وفى هذا السياق تجرى كل مظاهر التفرقة التى تبعثها الخلافيات الفقهية ، والتى يشعلها البعض تحت لافتة السنة والبدعة ، وهنا بيت القصيد , وهو أن علماء المسلمين , سواء كانوا أئمة مساجد ، أم دعاة فضائيات ، أم أساتذة ــ يجب فى دعوتهم إلى الله وجوبًا شرعيًا يحاسبون عليه أمام الله تعالى أن يتنبهوا إلى المقصد الأول من مقاصد القرآن فى الدعوة إلى الله ، ألا وهو : وحدة الصف أولاً ، فهذا قدس الأقداس إن صح التعبير ، والذى يحرم المساس به ، والذى لو مس بضر فإن أى مجهود يبذل بعد ذلك فى مجال الدعوة لن تزيد قيمته على أصفار تصف على الجانب الأيسر .
حدث ويحدث ذلك دون أن نلتفت أو نتفطن لوصايا القرآن المجيد لنا ألا نتنازع فنفشل وتذهب ريحنا . فيقول الله عز وجل : « وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ » ( الأنفال 46 ) .
وعلى وفق هذا تعددت الأحاديث النبوية مثل : « يد الله مع الجماعة ومن شذَّ شذَّ فى النار » ، « من أراد بحبوحة الجنة فيلزم الجماعة » .
رُوى بإسناده عن الرسول عليه الصلاة والسلام قوله : « إقرءوا القرآن ما إئتلفت عليه قلوبكم ، فإذا إختلفتم فقوموا عنه » .
فى باب الفتن ، عن أنس بن مالك ، أن النبى عليه الصلاة والسلام ، قال : « إن أمتى لا تجتمع على ضلالة ؛ فإن رأيتم إختلافًا فعليكم بالسواد الأعظم » .
ويحدثنا الإمام الطيب ، بأن هذا الحديث نص قاطع فى أن المرجعية الواجب الاعتصام بها عند الإختلاف هى السواد الأعظم ، أى ما عليه جمهور المسلمين ..
هذا الحديث يتسق صدره مع عجزه بصورة معجزة ، فصدر الحديث قضية تُقرر أن الله تعالى لا يجمع هذه الأمة على بدعة ، ولا على ضلالة ، وما دام الأمر كذلك ؛ فالسواد الأعظم هو الذى يجب أن يتبع ؛ لأنه لن يكون على ضلالة ولا بدعة بنص الحديث ، وهذا ما يُقَررِّه عجزُ الحديث ؛ حين يأمر بلزوم السواد الأعظم .
ولو توقفنا قليلاً عند لفظتى بدعة وضلالة ، والعلاقة بينهما ، واسترشدنا بقوله ـــ عليه الصلاة والسلام : « إن أمتى لا تجتمع على ضلالة » , وقوله ــ عليه الصلاة والسلام ــ « كل بدعة ضلالة » ، لعلمنا يقينًا أن البدعة أخص والضلالة أعم ، بمعنى : أنه يصح القول بأن كل بدعة ضلالة ، ولكن لا ينعكس هذا القول فيقال كل ضلالة بدعة , لأن الضلالة قد تكون بالكفر الذى هو أعم من البدعة ، ولأن البدعة لا تتنافى مع الإيمان والإسلام ، فقد يكون المرء مبتدعًا متأولاً وهو مسلم ومؤمن .
ما يهدف إليه الإمام الطيب من هذا الإستطراد , هو أن البدعة أخص من الضلالة ، وأن الحديث إذا نفى عن السواد الأعظم للأمة وصف الاتفاق أو الإجتماع على ضلالة ، فبالضرورة ينتفى عنهم وصف الإبتداع فى أفعالهم ، ومن ثم تثبت حجية السواد الأعظم فى هذه الخلافيات ، لأنه لا يتهم بالإبتداع ، بل إن الإبتداع حينئذ ينحصر فى اتباع هؤلاء الذين ينشقون على جماعة المؤمنين ، ويخرجون عليهم بمحرمات لا سند لها عندهم ، إلاَّ أنها لم تكن على عهد النبى عليه الصلاة والسلام .
فما هى البدعة ؟
البدعة فى اللغة تدور حول اختراع أمر ما ، أو استحداثه ، سواء كان فى أمور الدين أو الدنيا ، وبحيث يكون الأمر المخترع جديدًا فى شخصه وذاته ، وليس له مثال سابق .
أما السنة فى اللغة : فهى انتهاج الطريق والسير فيه ، وتطلق على الطريقة والعادة التى ينتهجها الشخص فى حياته ، سواء أكان ذلك فى أمور الدنيا أم الدين ، وقد تكون سنة حسنة ، أو سيئة .