من تراب الطريق (1169)
من تراب الطريق (1169)
نشر بجريدة المال الثلاثاء 31/8/2021
بقلم: الأستاذ/ رجائي عطية نقيب المحامين
الإمام الطيب والقول الطيب (1)
أهداني مشكورًا فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب مجموعة رائعة من تأليفه من ثلاثة مجلدات، عنوانها « القول الطيب ».. مشتق من لقبه، وهو لقب على مسمّى، شهدت ذلك وأشهد عليه من تعامل قريب امتد قرابة عشرين عامًا، بدأ بمجمع البحوث الإسلامية الذي ضمتنا عضويته تحت رعاية المغفور له الإمام الأكبر الدكتور محمد سيد طنطاوي شيخ الأزهر السابق، وامتدت هذه الصداقة الدافئة عبر السنوات التي شغل فيها دار الإفتاء ورئاسة جامعة الأزهر، إلى أن استقر بمشيخة الأزهر إمامًا أكبر خلفًا للحبيب الإمام الأكبر الراحل الدكتور محمد سيد طنطناوي.
المجلدات الثلاثة بعنوان « القول الطيب » من كلمات ومحاضرات الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب. أحب قبل أن أتحدث عنها أن أعرض ما قاله وداعًا للإمام الراحل الدكتور محمد سيد طنطاوى، وهي سنة قليلاً ما نراها، ناهيك بأن نراها بهذه المحبة والإجلال والوفاء والإكرام. يقول في محاضرته في المتلقي الخامس للرابطة العالمية لخريجي الأزهر عن الإمام أبو الحسن الأشعري، إمام أهل السنة والجماعة، الملقاة في 24 من جمادى الأولى 1431 هـ ـ 8 مايو سنة 2010 ـ يقول:
« اسمحوا أيها العلماء الأجلاء في بداية كلمتي هذه ؛ أن أذكر شيخنا الراحل، الأستاذ الدكتور: محمد سيد طنطاوي، شيخ الأزهر الشريف، الذي رحل عن عالمنا منذ شهرين مضيا، وترك رحيله المفاجئ فراغًا كبيرًا، لم نكن لندرك حجمه وثقله قبل أن يرحل هذا الشيخ الجليل.
وإننا ـ أبناء الأزهر الشريف شيوخه وعلماءه وطلابه ـ إذ نحتسب عند الله تعالى فقيد الأمة الإسلامية كلها، لنذكر من محاسنه ـ رحمه الله ـ أنه كان رجلاً تقيًّا، نيِّر الوجه، رقيق القلب، صلب الإرادة، شجاعًا فيما يراه حقًّا، صبورًا، متواضعًا، حمولاً للأذى، بكَّاءً، زاهدًا فيما عند الناس، متقنًا لحفظ القرآن الكريم، يجمعه في صدره، ويعلَمه ويعلِّمه؛ تفسيرًا، وأحكامًا، وقصصًا، ومحكمًا، ومتشابهًا.
كان دائمًا وكأنه على موعد مع الموت، يتوقعه وينتظره في كل حركاته ونشاطاته.
لقى ربه غريبًا، نائيًا عن الأهل والوطن، متخففًا من الأحمال، حتى من حقيبة يده التي تركها في مكتبه، ورحل على مدينة الرياض، وكأنه كان يحدس بدنوّ الأجل، فلم يُبق من ضرورات الدنيا إلاّ ما يستر به جسده.
وقد لقى ربه هناك، وحُمل إلى المدينة المنورة، حيث صُلّى عليه في المسجد النبوي الشريف، ودُفن إلى جوار النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في البقيع، مع الصحابة والتابعين وصالحي المؤمنين.
رحم الله الشيخ الجليل، وأجزل له الأجر والمثوبة؛ إنه واسع المغفرة. وهو أرحم الراحمين ».
بقى أن أقول لك إن الإمام الطيب كان قد زكى مع الإمام الراحل الدكتور محمد سيد طنطاوي، انضمامي إلى مجمع البحوث الإسلامية من قرابة عشرين عامًا، فكان من حظي أن أنضم إلى مشيخة الأزهر بترشيح وتزكية إمامين أكبرين، الإمام طنطاوي، والإمام الطيب. وكما امتدت حبال الود والمحبة بيني وبين الدكتور طنطاوي، امتدت بيني وبين الدكتور الطيب، ولازلت أنعم بعطرها حتى الآن؛ وإلى المتلقي غدًا إن شاء الله.