من أرشيف الخارجية والسياسة المصرية
من أرشيف الخارجية والسياسة المصرية
نشر بجريدة أخبار اليوم السبت 3/7/2021
بقلم: الأستاذ/ رجائي عطية نقيب المحامين
ليس صحيحًا ما يعتقده البعض، أن الدكتور مراد غالب صاحب صفة استثنائية في تاريخ مصر حالة كونه الطبيب الوحيد ـ فيما يجزم ! ـ الذي أصبــح وزيرًا للخارجية. لا شك أن للدكتور غالب صفات جعلت له مكانة متميزة، ولكنه لم يكن الطبيب الأول ولا الوحيد الذي تولى وزارة الخارجية. سبقه إلى هذا المنصب بنحو أربعين عامًا طبيب الأطفال الدكتور حافظ بك عفيفي. عين وزيرًا للخارجية بوزارة محمد محمود باشا الأولى المعروفة بوزارة اليد الحديدية، (1928/1929)، ثم عاد ( باشا هذه المرة ) وزيرًا للخارجية أيضًا في وزارة إسماعيل صدقي باشا الأولى (1930/1933).
والدكتور حافظ عفيفي باشا شخصية خلافية في تاريخ مصر السياسي ما بين ثورتي 1919 و1952، كانت بداياته بالحزب الوطني القديم، واشترك في الحرب ضد الغزو الإيطالي في طرابلس، وكان أحد اثنين اختارهما سعد زغلول ليمثلا شباب الحزب الوطني في عضوية الوفد، واعتمد عليه اعتمادًا شخصيّا مع النحاس وويصا واصف في مصر إبان وجود الوفد في أوروبا، وانضم إلى الوفد 1918، ولكنه مال أواخر 1920 إلى من اختلفوا مع سعد، ونشط في تشكيل « جمعية مصر المستقلة » التي حصل باسمها على امتياز إصدار « جريدة السياسة » التي صارت لسان حال حزب الأحرار الدستوريين الذي شارك حافظ عفيفي في تأسيسه، ولم يغفر له الوفديون ترك الوفد إلى الأحرار الدستوريين الذي ترأسه عدلي يكن، ثم عبد العزيز باشا فهمى الذي استقال سنة 1926، وظل موقعه شاغرًا إلى أن تولاه محمد محمود باشا بعد فترة وجيزة من تشكيل وزارته ( 1928) التي دخلها حافظ عفيفي وزيرًا للخارجية ثم عاد وحمل حقيبتها في وزارة صدقي باشا التي شكلت 1930.
إلى جوار خطه السياسي، عرف حافظ عفيفي باشا بنشاط اقتصادي كثيف، وشغل رئاسة وعضوية مجالس إدارات كثير من الشركات، والبنك الأهلي والبنك العقاري، وتولى رئاسة بنك مصر بعد استقالة طلعت حرب 1939، وكان ملمًا إلمامًا واسعًا بتاريخ وأحوال الإنجليز.. انعكس في كتابه « الإنجليز في بلادهم ».. وهو كتاب مميز، اشتمل على دراسة عريضة في الدستور البريطاني والحياة الدستورية في إنجلترا منذ ما قبل ثورة 1648، وأوضاع السلطتين التنفيذية والتشريعية، فضلاً عن مقومات الرأي العام في الصحافة والأحزاب، والنظام القضائي الإنجليزي.
لم يكن الدكتور مراد غالب إذن هو الطبيب الوحيد الذي شغل منصب وزير الخارجية، وإنما سبقه إلى هذا الموقع، بنحو أربعين عامًا، طبيب الأطفال الدكتور حافظ عفيفي الذي تبوأ هذا المنصب مرتين، وترأس الديوان الملكي. فهلا عرفنا التاريخ قبل الاجتراء عليه والإفتاء فيه ؟!
ظني أنه صار سُنّة محمودة، أن صارت محفظة الخارجية المصرية في العقود الأخيرة إلى الدبلوماسيين المتخصصين، الذين عركوا السياسة الخارجية، وامتلكوا أدوات العمل فيها، تسندهم خبرة طويلة، ومعرفة واسعة بآليات المجتمع الدولي بكافة صورها وأشكالها، ومواطن القوة والتأثر فيها، وأسلوب الاقتراب من القضاء الدولي اقترابًا مدروسًا يتكاتف معها فيه أجهزة تمتلك العلم بخبايا ما يدور في العالم، لتغدو السياسة الخارجية فنًّا يجيده ويباشره أصحابه، هذا فضلاً عن ما يتعين الإحاطة به للقيام بالمهام المتنوعة العديدة التي صارت السفارات والقنصليات في الخارج تنهض بها، سواء في التواصل مع المصريين المقيمين بالخارج أو توثيق واقعات الميلاد والوفاة والسفر، وتيسير سبل وإجراءات العلاج، وعقد وتوثيق العقود بأنواعها، والرعاية الاجتماعية، والعلمية والثقافية والدراسية للعاملين وللدارسين المصريين لدى الجامعات الأجنبية هناك، إلى متابعة البعثات، والهجرة، والتعاون في مجال الإنتربول، وفي تنفيذ الأحكام، إلى غير ذلك من المهام المتنوعة باعتبار السفارات ممثلة كاملة لمصر ولكافة سلطاتها بأنواعها بالخارج، حتى صارت السفارات قائمة بمهام كثيرة تخص الجهات السيادية والخارجية والداخلية والأمنية والعدالة والتعليم والثقافة والصحة والشئون الاجتماعية والأحوال الشخصية والسياحة والآثار وما قد تستلزمه من الحفاظ على آثارنا والمطالبة باسترداد ما تم تسريبه من مصر والاستيلاء عليه بطرق غير مشروعة، إلى غير ذلك من المهام الآخذة في الاتساع والتي تتطلب من السفارات أن تكون في الإجمال ممثلة للدولة المصرية في خارج البلاد.