من أحكام «النقض» بشأن الدفع بعدم القبول
أكدت محكمة النقض في حكمها بالطعن رقم 11692 لسنة 86، أن الدفع بعدم القبول الذي تستنفذ به المحكمة ولايتها في نظر موضوع الدعوى وفقاً للمادة 115 مرافعات، هو الدفع الذى يرمى إلى الطعن بعدم توافر الشروط اللازمة لسماع الدعوى، وهي: الصفة، والمصلحة، والحق في رفعها، باعتباره حقًا مستقلاً عن ذات الحق الذي ترفع الدعوى بطلب تقريره، أما حيث يتعلق الأمر بإجراء أوجب القانون اتخاذه حتى تستقيم الدعوى، فإن الدفع المبنى على تخلف هذا الإجراء يعد دفعاً شكليًا، ويخرج عن نطاق الدفع بعدم القبول الوارد في المادة 115 سالفة الذكر؛ فلا تستنفد به محكمة أول درجة ولايتها في نظر الدعوى بالحكم بقبوله.
المحكمة
بعـد الاطلاع علـى الأوراق وسمـــاع التقريـــــر الـذى تلاه السيـــــد القاضي المقـــرر/ د. أحمد فاروق عوض نائب رئيس المحكمة والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية:
وحيث إن الوقائع على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق تتحصل فى أن الطاعنين أقاموا على المطعون ضدهم الدعوى رقم 323 لسنة 2011 مدني كلى أسوان الابتدائية بطلب الحكم بقبول طعنهم شكلاً، وفى الموضوع بندب خبير لتقدير قيمة الأرض المبينة بصحيفة الدعوى وما كان عليها من مغروسات ومقابل الانتفاع بها من تاريخ الاستيلاء عليها حتى تاريخ صرف التعويض والفوائد. وقالوا بيانا لذلك إنه صدر قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 1098 لسنة 2004 باعتبار مشروع امتداد كورنيش النيل بمحافظة أسوان من أعمال المنفعة العامة وتم الإعلان عن عرض كشوف التعويض بتاريخ 28/6/2011 متضمنة تقديرات تقل عن قيمتها الحقيقية، فأقاموا الدعوى. ندبت المحكمة خبيراً أودع تقريره، ثم حكمت بعدم قبول الدعوى لرفعها بعد الميعاد. استأنف الطاعنون هذا الحكم أمام محكمة استئناف قنا – مأمورية أسوان – بالاستئناف رقم 52 لسنة 34 ق، فقضت بتاريخ 30/5/2016 بتأييد الحكم المستأنف. طعن الطاعنون فى هذا الحكم بطريق النقض، وقدمت النيابة مذكرة أبدت فيها الرأي بنقضه وإذ عُــــــــــــرض الطعن على هذه المحكمة في غرفـــــــــة مشورة فحددت جلسة لنظره، وفيها التزمت النيابة رأيها.
وحيث إن الطعن أقيم على سببين ينعى بهما الطاعنون على الحكم المطعون فيه الخطأ فى تطبيق القانون والفساد فى الاستدلال إذ أيد الحكم الابتدائي القاضي بعدم قبول دعواهم المقامة طعناً على تقدير قيمة أطيان التداعي لرفعها بعد الميعاد المنصوص عليه فى المادة السابعة من القانون رقم 10 لسنة 1990 رغم عدم إخطارهم بميعاد عرض كشوف التعويض عن نزع الملكية، محتسباً ميعاد الطعن من تاريخ إخطارهم بالتعويض عن استيلاء مؤقت صدر به قرار المحافظ المختص عن ذات الأطيان سابق على صدور قرار المنفعة العامة، مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعى فى أساسه سديد، ذلك أن تطبيق القانون على وجهه الصحيح هو واجب القاضي الذي عليه من تلقاء نفسه أن يبحث عن الحكم القانوني المنطبق على الواقعة المطروحة عليه وأن ينزل هذا الحكم عليها، وأن أسباب الحكم تعتبر مشوبة بالفساد فى الاستدلال إذا انطوت على عيب يمس سلامة الاستنباط ويتحقق ذلك إذا استندت المحكمة فى اقتناعها إلى أدلة غير صالحة من الناحية الموضوعية للاقتناع بها أو إلى عدم فهم الواقعة التي ثبتت لديها.
وكان المقرر فى قضاء هذه المحكمة أن حماية الملكية الخاصة وحرمتها تعد من المقاصد الأساسية فى أي نظام قانونى فقد حرصت الدساتير المتعاقبة منذ دستور 1923 على النص بأن الملكية الخاصة مصونة فلا تنزع إلا للمنفعة العامة ومقابل تعويض عادل، وقد تردد هذا النص فى هذه الدساتير بمدلوله ومعناه، وإعمالاً لهذا المبدأ الدستوري المستقر وتقنيناً لقواعده نصت المادة 805 من القانون المدني على أنه لا يجوز أن يحرم أحد من ملكه إلا فى الأحوال التي يقررها القانون، وبالطريقة التي يرسمها، ويكون ذلك مقابل تعويض عادل .
ولذلك نصت المذكرة الإيضاحية لمشروع القانون المدني تعليقاً على نص المادة 805 على أن أول وسيلة لحماية المالك هو ألا تنزع منه ملكيته بغير رضاه إلا في الأحوال التي قررها القانون، وبالطريقة التي رسمها، وفى مقابل تعويض عادل يدفع مقدماً. فهناك إذن قيود ثلاثة لحرمان المالك من ملكه دون رضاه وتستمر المذكرة الايضاحية فتبين أن الشرط الأول أن تكون الحالة قد نص عليها القانون وتضرب مثلاً بنزع الملكية للمنفعة العامة. وأن الشرط الثاني هو اتباع الإجراءات التي رسمها القانون. أما الشرط الثالث فهو دفع تعويض عادل للمالك يستوفيه مقدماً قبل أن يتخلى عن ملكه ويرسم القانون إجراءات تكفل للمالك تقدير هذا التعويض العادل فيما إذا اختلف في تقديره مع نازع الملكية ، فأنشأ المشرع بذلك النص التزاماً مصدره المباشر القانون الذى بين أركانه وحدد نطاقه ومداه وفرض بموجبه على الحكومة ألا تنزع الملكية الخاصة جبراً عن أصحابها قبل استيفاء الشروط الثلاثة سالفة البيان مجتمعة فإذا تخلف أحد هذه الشروط – التي هي في حقيقتها ضمانات تكفل حماية الملكية الخاصة – فإن نزع الملكية يصبح عملاً غير مشروع وعدواناً على حق الملكية الخاصة .
وجاءت نصوص القانون رقم 10 لسنة 1990 – المعدل بالقوانين 1 لسنة 2015، 24 لسنة 2018، 187 لسنة 2020 – فى ذات السياق لتضع منظومة متلاحقة من الإجراءات لنزع ملكية العقارات للمنفعة العامة تبدأ بتقرير المنفعة العامة فى الحالات التي عددها القانون على سبيل الحصر بقرار من رئيس الجمهورية أو من يفوضه لتبادر اللجنة المنصوص عليها فى المادة الخامسة من القانون بحصر وتحديد العقارات والمنشآت التي تقرر لزومها للمنفعة العامة، ثم يقدر التعويض بواسطة اللجنة المنصوص عليها فى المادة السادسة من القانون.
على أن تعرض كشوف حصر المنشئات وتقدير التعويض عنها بعد إخطار الأطراف بمواعيد عرض الكشوف واتخاذ إجراءات اللصق والنشر، لينفتح لذوى الشأن من الملاك وأصحاب الحقوق ميعاد الاعتراض على ما تضمنته الكشوف من بيانات فى الميعاد الذى حددته المادة الثامنة من القانون أمام الجهة القائمة بإجراءات نزع الملكية ثم الطعن فى قرارها الصادر فى هذا الاعتراض أمام المحكمة الابتدائية المختصة، كما ينفتح لهم وللجهة طالبة نزع الملكية ميعاد الطعن فى تقدير التعويض خلال أربعة أشهر من تاريخ انتهاء مدة عرض الكشوف أمام ذات المحكمة، وفقا لما نصت عليه المادة التاسعة.
وتضمن القانون فى المادتين 11 ، 12 النص على أن يوقع أصحاب العقارات والحقوق التي لم تقدم في شانها معارضات علي نماذج خاصة بنقل ملكيتها للمنفعة العامة، أما الممتلكات التي يتعذر فيها ذلك لأي سبب كان فيصدر بنزع ملكيتها قرار من الوزير المختص، وتودع النماذج أو القرار الوزاري في مكتب الشهر العقاري المختص، ويترتب علي هذا الإيداع بالنسبة للعقارات الواردة بها جميع الآثار المترتبة علي شهر عقد البيع، وعلى سقوط قرار المنفعة العامة فى حال عدم إيداع النماذج أو القرار الوزاري خلال سنتين من تاريخ نشر قرار المنفعة العامة في الجريدة الرسمية، – وعدلت هذه المدة بالزيادة إلى ثلاث سنوات بالقانون رقم 187 لسنة 2020 -.
فيعد القرار فى تلك الحالة كأن لم يكن بالنسبة للعقارات التي لم تودع النماذج أو القرار الخاص بها، حرصاً على التلاحق السريع للإجراءات صيانة لحق الملكية وليكون التعويض مكافئاً لقيمة العقار وقت نزعها. وإذ كانت الملكية تظل باقية لأصحابها وتظل حيازة العقارات التي تقرر لزومها للمنفعة العامة بيد أصحاب الحقوق فيها لحين انتقال الملكية للجهة طالبة نزع الملكية وهو ما قد يتعارض والاعتبارات العملية فى تنفيذ المشروعات ذات النفع العام فقد نصت المادة الرابعة عشرة من القانون على جواز استيلاء الجهة طالبة نزع الملكية بطريق التنفيذ المباشر علي العقارات التي تقرر لزومها للمنفعة العامة، بقرار يصدر من رئيس الجمهورية أو من يفوضه، ينشر في الجريدة الرسمية ويشمل بياناً إجمالياً بالعقار وأسماء المالك الظاهر مع الإشارة إلي القرار الصادر بتقرير المنفعة العامة.
ويترتب على نشر هذا القرار اعتبار العقارات مخصصة للمنفعة العامة ويكون لذي الشأن الحق في تعويض مقابل عدم الانتفاع بالعقار من تاريخ الاستيلاء الفعلي إلى حين دفع التعويض المستحق عن نزع الملكية. كما نظم القانون بالمادتين 15، 16 في حالة حصول غرق أو قطع جسر أو تفشي وباء، وسائر الأحوال الطارئة أو المستعجلة، الأمر بالاستيلاء مؤقتاً على العقارات اللازمة لإجراء أعمال الترميم أو الوقاية أو غيرها، وحدد مدة الاستيلاء المؤقت علي العقار بانتهاء الغرض المستولي عليه من أجله أو بثلاث سنوات من تاريخ الاستيلاء الفعلي أيهما أقرب فإذا دعت الضرورة إلي مد مدة الثلاث السنوات المذكورة وتعذر الاتفاق مع ذوي الشأن علي ذلك، وجب علي الجهة المختصة أن تتخذ قبل مضي هذه المدة بوقت كاف إجراءات نزع الملكية، وأناط القانون بذات اللجنة المنصوص عليها فى المادة السادسة فى حالتي الاستيلاء بالتنفيذ المباشر، والاستيلاء المؤقت تقدير مقابل الانتفاع المستحق لذوى الشأن على أن يكون لهم حق الطعن علي هذا التقدير علي النحو المبين بالمادة (9) من هذا القانون.
ومن ثم فإن إجراءات تعويض الملاك وأصحاب الحقوق عن قيمة العقارات والأراضي التي تقرر لزومها للمنفعة العامة، تغاير إجراءات تعويضهم عن مقابل عدم الانتفاع بملكهم فى حالتي الاستيلاء المؤقت والاستيلاء بطريق التنفيذ المباشر على هذه العقارات قبل نقل ملكيتها لاختلاف محل كل منهم. لما كان ما تقدم، وكان الثابت بتقرير الخبير المودع أمام محكمة أول درجة أن محافظ أسوان سبق وأن أصدر قراراته الرقيمة 70، 74، 203 لسنة 2000، 114 لسنة 2001 بالاستيلاء المؤقت على أطيان التداعي وحررت بشأن ذلك كشوف عرضت فى الفترة من 22/10/2001 وحتى 22/11/2001، ثم صدر قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 1098 لسنة 2004 – المنشور بالجريدة الرسمية بتاريخ 22 / 6 / 2006 – باعتبار مشروع امتداد كورنيش النيل الجديد بأسوان رقم 298 طرق من أعمال المنفعة العامة، وعرضت الكشوف عن هذا القرار فى الفترة من 28/6/2011 وحتى 27/7/2011.
وتم إدراج أسماء الطاعنين فيها كملاك ظاهرين. وإذ قضى الحكم الابتدائي بسقوط حق الطاعنين فى دعواهم بطلب التعويض العادل عن الأطيان المملوكة لهم لإقامتها بتاريخ 27/11/2011 على ما أورده من أنها مقامة بعد أكثر من عشر سنوات من إعلانهم بعرض الكشوف، رغم اختلاف المحل بين ما تتضمنه الكشوف المنصوص عليها فى المادة السادسة من القانون 10 لسنة 1990 فى حالة تقدير التعويض عن نزع ملكية العقار وما تتضمنه فى حالة تقدير مقابل الانتفاع عند الاستيلاء المؤقت عليه، ولم يعمل الأثر القانوني لعدم إيداع نماذج نقل الملكية فى غضون سنتين من تاريخ نشر قرار المنفعة العامة فى الجريدة الرسمية، والمتمثل فى سقوط القرار واعتباره كأن لم يكن فلا تكون مطالبة الطاعنين بالتعويض عن ملكيتهم مقيدة بميعاد سواء صيغت دعواهم فى شكل طعن على تقدير الجهة الإدارية للتعويض، أو طالبوا بالتعويض عن غصب ملكيتهم دون اتباع الاجراءات القانونية. وإذ أيده فى ذلك الحكم المطعون عليه، فإنه يكون معيباً بما يوجب نقضه.
وحيث إن المقرر فى قضاء هذه المحكمة أن الدفع بعدم القبول الذى تستنفذ به المحكمة ولايتها فى نظر موضوع الدعوى وفقاً للمادة 115 مرافعات هو الدفع الذى يرمى إلى الطعن بعدم توافر الشروط اللازمة لسماع الدعوى وهى الصفة والمصلحة والحق فى رفعها باعتباره حقا مستقلاً عن ذات الحق الذى ترفع الدعوى بطلب تقريره أما حيث يتعلق الأمر بإجراء أوجب القانون اتخاذه حتى تستقيم الدعوى فإن الدفع المبنى على تخلف هذا الإجراء يعد دفعاً شكليا ويخرج عن نطاق الدفع بعدم القبول الوارد فى المادة 115 سالفة الذكر فلا تستنفد به محكمة أول درجة ولايتها فى نظر الدعوى بالحكم بقبوله، وكان الحكم الصادر من محكمة أول درجة بعدم قبول الدعوى لرفعها بعد الميعاد هو قضاء في شكل النزاع وليس فصلاً في موضوعه فلا تستنفد به ولايتها بنظر الموضوع ويتعين الإحالة اليها.
فلهذه الأسباب
نقضت المحكمة: الحكم المطعون فيه وألزمت المطعون ضدهما الأول والثاني بصفتهما بالمصاريف، وحكمت فى موضوع الاستئناف رقم 52 لسنة 34 ق قنا – مأمورية أسوان – بإلغاء الحكم المستأنف وإحالة القضية إلى محكمة أول درجة للفصل فى موضوعها وألزمت المستأنف ضدهما الأول والثاني بصفتهما بالمصاريف الاستئنافية ومبلغ ثلاثمائة جنيه مقابل أتعاب المحاماة.
أمين السر نائب رئيس المحكمة