منه فيه ! (1)

من تراب الطريق (1096)

منه فيه ! (1)

نشر بجريدة المال الأحد 9/5/2021

بقلم: الأستاذ/ رجائي عطية نقيب المحامين

لا أقصد بهذه العبارة النكتة التي ظل الفنان المرحوم سعيد صالح يرددها في إحدى المسرحيات، متمثلاً في رسم النفاق وتوابعه ومشتقاته « بالأستك » فالأستك منه فيه، وظلت هذه العبارة تستدعى ضحك المتفرجين كلما رددها..

ما قصدت هذه العبارة، ولا مغزاها، بل التعبير عن شجاعة النقد الذاتى.. حين يكون الناقد هو المنقود.. وقد فعلها المرحوم عبد المجيد بك عبد الحق، المحامى الكبير في جيله.. كتب مقالاً للهلال الشهرى في مايو 1947 بعنوان صعب: « أتهم المحامين ! ». ولكن عبد المجيد عبد الحق فعلها غير متوجس ولا متحسب غضبة المحامين. وكيف لا يغضبون وهو يتهمهم باتهامات مرة.

فهو يتهمهم بأنهم بوصفهم جماعة، انتحلوا زعامة الجماعات وقيادة الجماهير، وانصرفوا عن نشر رسالة الزعماء والقادة في شعب أحوج ما يكون إلى انتاج الرؤوس المفكرة وتوجيه العقول. ولا أحسب أن هذا الاتهام صحيح، وإنتاج المحامين الأدباء والمفكرين يشهد بعكس ذلك. كتب عبد الرحمن الرافعى المحامى المؤرخ، سلسلة راقية عن تاريخنا القومى، اهتم فيها بسير الزعماء.. عرابى، ومصطفي كامل، ومحمد فريد.. وكتب يحيى حقى ــ المحامى، كتب كثيرًا عن صفحات التاريخ المصرية، وعن مشاهد مأثورة وعميقة لهذا وذاك من الزعماء، وكذلك فعل فتحى رضوان في كتابه « عصر ورجال »، لم يترك فيه زعيمًا إلاَّ تناوله بالحديث، وإن كان قلمه قد اشتط في نقد أو التجنى على بعضهم ـ ومن هذا العقد الفريد الدكتور محمد حسين هيكل، أوغل ابتداءً في الحديث عن كبار أو زعماء الصحابة، فكان كتابه « الفاروق عمر » ـ أعظم ما كتب عن هذا الصحابى الزعيم، كما كتب عن الصديق أبو بكر، أما درته التي فاقت كل ما كتب، فهى كتابه الذى تجاوزت طبعاته ثمانين طبعة.. « حياة محمد »، وتحدث طويلاً عن الزعماء المعاصرين في مذكراته المطولة « في السياسة المصرية »، واستغرقت ثلاث مجلدات ضخمة.

ولعل النقد الواجب أو الأوجب، يكمن في انسلات البعض في زماننا من المحاماة، حتى أدى بهم ذلك إلى إهمال سير كبار المحامين في تاريخها العريض، إنْ لم يتطاول عليهم البعض، ويقذفونهم بالأحجار.. جاء هذا الجنوح مع المنافسات النقابية التي خرجت عن غايتها وانحرفت إلى الطعن واللعن.. وهذا غريب بالغ الغرابة عن المحاماة ـ فهى أدب. أدب السلوك، وأدب العبارة.. حملتُ في حياته، وبعد رحيله، إجلالاً كبيرًا للأستاذ الكبير محمد عبد الله محمد. استقللت ما كتبته عنه في مقالات متفرقة، فأصدرت كتاب: « في صحبة محمد عبد الله محمد »، ولم يهمل جيلنا الكتابة عن رسالة الزعماء.. وربما جاز لى أن أذكر كتاب « ثوار فرسان »، والذى صدر في كتاب الهلال، تحدثت فيه تفصيلاً عن رسالات الزعماء: محمد كريم، وعمر مكرم، وعبد الله النديم ـ وأحمد عرابى والعرابين، ومصطفي كامل، ومحمد فريد.. أما أعلام المحاماة، فقد حفل كتاب « رسالة المحاماة »، ( دار الشروق 2008 )، بالكثير عن زعماء المحامين، وما اضطلعوا به في السياسة، والوطنية، والفكر، والأدب، وفي الصحافة، وفي حمل الحقائب الوزارية، وملء البرلمانات المصرية المتعاقبة حركة ونشاطًا.. وهو ما حدانى للعودة للكتابة عن أهرامات المحاماة بصحيفة الأهرام، حيث بدأت بمكرم عبيد، وثنيت بعبد العزيز فهمى، ولايزال في الأفق عديدون آتون رفعوا راية المحاماة والمحامين.

زر الذهاب إلى الأعلى