منارة العقاد (3)

من تراب الطريق (1141)

منارة العقاد (3)

نشر بجريدة المال الخميس 15/7/2021

بقلم: الأستاذ/ رجائي عطية نقيب المحامين

حرص العقاد على مجانية الثقافة

وكان في مقدمة أسباب هذا التواصل الحى، بين جامعة الأستاذ العقاد الحاضنة، وبين متابعيه، حرصه الحريص على التزام مبدأ مجانية الثقافة، فلم يكن يلجأ إلى الطبعات القشيبة المكلفة غالية الثمن، وإنما كان على العكس حريصًا على الكتابة في السلسلات الدورية التي تباع بقروش معدودة، وفي مقدمتها سلسلة « كتاب الهلال » التي كانت تصل إلى البلدان العربية، وسلسلة « اقرأ » التي تصدرها دار المعارف، والتي قامت هي ودار الهلال بتيسير الثقافة والأدب بكتب بالغة التميز والأهمية ـ فيما كان ثمنه ( الزهيد ) يدور بين خمسة وعشرة قروش للكتاب، ولا يتجاوز بحال اثنى عشر قرشًا في الطبعات الممتازة للكتب الضخمة.

إلى ذلك كله كان الأستاذ العقاد ييسر مقالاته، ومنها ما ضمته كتب ومجاميع فيما بعد، في الدوريات والصحف والمجلات السيارة، فيجدها القارئ ميسورة أمامه فيما يتابعه في هذه الدوريات التي تضم ـ بثمن زهيد ـ العديد من المقالات والأعمال الأدبية، والقصص القصيرة، والروايات التي تنشر مسلسلة، إلى عرض أهم الكتب والمطبوعات التي تصدر في الشرق والغرب.

استطاع القراء أن يطلعوا على كثير من مؤلفات الأستاذ العقاد التي كانت تنشر مسلسلةً في هذه الدوريات، وتستطيع أن تجد كثيرًا من أعماله الكبرى منشورة تباعًا في هذه الصحف والدوريات، تجد متتابعات « عبقرية محمد »، مثلما تجد متتابعات « ابن الرومي »، وتستطيع إذا مررت مرورًا بدليل مدينة العقاد بالمجلد الأول، أو بمجلدىْ العقاد بموسوعة أعلام الأدب المعاصر في مصر، أن تجد معظم مؤلفاته منشورة بالتتابع في دوريات الدستور (القديمة)، والبلاغ، والضياء، وعكاظ، والمؤيد، والجريدة، والمقتطف، والأهالي (القديمة)، وكل شيء، والرسالة، والرجاء، والمشكاة، والأفكار، والبيان، والمحروسة، والجديد، وروز اليوسف اليومية (القديمة)، والجهاد، والأساس، والكتلة، والكتاب، والمواهب، والوادي، وصوت الشرق، وقافلة الزيت، والاثنين، والسياسة، والشبان المسلمون (وليس الإخوان)، والرياض، والكواكب، وفي غيرها من الصحف والمجلات التي لا تزال تصدر حتى اليوم كالهلال الشهري، والمصور، والأزهر، ومنبر الإسلام، وآخر ساعة، وأخبار اليوم، والأخبار، والأهرام، والإذاعة، والعربي، والثقافة، فضلاً عن مجلة مجمع اللغة العربية.

أتاح الأستاذ العقاد نفسه وإنتاجه القيم لكل من يريد، وبلا ثمن لمن يعييهم بذل الثمن، وقد كان هذا ركيزة أساسية ليس فقط لانتشار إنتاج الأستاذ العقاد، وإنما للقيام بدوره التنويري كحاضن ـ وإِنْ على البعد ـ للمواهب وللقراء الجادين في القراءة والراغبين في الحصول على ما ينفع ويثرى ويجدى في إنارة العقول وتوسيع دوائر الثقافة.

هو منارة إذن

لقد أربت كتب الأستاذ العقاد على المائة كتاب، في الفكر، والعقائد والمذاهب، وفي الإسلام، وفي السير والتراجم، وفي الفلسفة والتاريخ، وفي الأدب والشعر والنقد، وفي الحضارة وتطوراتها، وفي الوطنية والسياسة، وفي السيرة الذاتية.. وكتب آلاف المقالات ـ خلاف هذه الكتب ـ في شتى المجالات، وفي العديد من الصحف والمجلات والدوريات، على مدى أكثر من نصف قرن منذ بدأ كتاباته الأولى عام 1907 حتى لاقى ربه في مارس 1964، فكان ـ رحمه الله ـ نسيج وحده، وجامعة تنويرية حاضنة لكل المواهب ولكل الراغبين في المعرفة والاستنارة، وملهمًا ومؤثرًا لأدباء ومفكرين، لم يقابلهم ولم يقابلوه، وإنما تلقوا كتاباته مثلما تلقوا إجاباته التي كان حريصًا على بذلها لكل سائل جاد يتجه إليه بالسؤال طلبًا للعلم والمعرفة، والأدب والثقافة.

ما أحوجنا إلى « جامعة » تستطيع أن تنهض بما نهض به الأستاذ العقاد بمفرده !

زر الذهاب إلى الأعلى