مقال تاريخ القضاء الدستوري المصري


بقلم: أحمد سعيد نصر –  المحامى

رغم أن عمر القضاء الدستورى فى مصر 50 عاماً إلا أن مسألة رقابة القضاء على دستورية القوانين فى مصر على المستوى الفقهى والقضائى تم طرحها قبل بمدة طويلة.
فمن الناحيه الفقهيه أيد الفقه حق المحاكم فى مراقبة دستورية القوانين التى تطرح عليها والامتناع عن تطبيقها فى النزاع المعروض عليها دون التعرض للقانون ذاته أو القضاء ببطلانه وكان أول من قال بذلك المستشار برنتون رئيس محكمة الاستئناف المختلط، فى محاضرة ألقاها عام 1920 بعنوان (مهمة السلطة القضائية فى المسائل الدستورية بالولايات المتحدة ومصر).
وبمراجعة الأحكام الصادرة من المحاكم المصرية فيما يختص برقابة دستورية القوانين – بعد صدور دستور 1923- نجد أن القضاء لم يتخذ طريقة واضحة لتحديد سلطته فى هذا الموضوع
حيث أثير أمر الدستورية لأول مرة عام 1924 أمام محكمة جنايات الإسكندرية عند نظرها الطعن المقدم من الدفاع فى الدعوى المرفوعة من النيابة العامة ضد محمود حسن العرابى وأنطون مارون وآخرين، لأنهم فى المدة ما بين 13 سبتمبر 1923 و2 مارس 1924 فى الإسكندرية وطنطا وغيرها من بلاد القطر المصرى، نشروا أفكاراً ثورية حبذوا فيها تغيير الأنظمة الأساسية للهيئة الاجتماعية، وحكمت المحكمة فى 16 أكتوبر 1924 حضورياً بالسجن ثلاث سنوات بمقتضى المادة 151 فقرة 2، 3، فطعن على هذا الحكم باعتبار المادة المذكورة مقيدة لحرية الرأى المكفولة بنص المادة 14 من الدستور
وفى أواخر عام 1925 عدلت وزارة زيور باشا قانون الانتخاب أثناء غيبة البرلمان رفض بعض العمد تسلم دفاتر الانتخاب وأضربوا عن العمل فقدمتهم النيابة إلى المحاكمة بتهمة مخالفتهم تنفيذ الأوامر الصادرة إليهم من رؤسائهم طبقاً للائحة العمل وجاء فى دفاع هؤلاء المتهمين أن هذا القانون غير دستورى وعلى ذلك فامتناعهم عن عمل مشروع لا يصح معاقبتهم من أجله وقد قضت المحكمة بتاريخ 3 يناير 1926 بتغريم كل منهم عشرة جنيهات لمخالفتهم الأوامر الصادرة إليهم
وأوردت المحكمة فى هذا الحكم فيما يتعلق بالدفع بعدم الدستورية قولها «اتفق علماء الدستورية أنه مع اعترافهم بحق المحاكم فى تقدير دستورية القوانين لا يخولونها حق إلغاء هذه القوانين غير الدستورية عملاً بنظرية فصل السلطات بل كل ما للمحاكم هو أن تمتنع عن تنفيذ قانون لعدم دستوريته وبدون أن يغير ذلك من قيام القانون المذكور واحتمال أن تحكم محاكم أخرى بدستوريته وكان هذا الحكم بمثابة أول الأحكام التى قررت صراحة حق القضاء فى رقابة دستورية القوانين و لكن تم إلغاؤه أمام محكمة الاستئناف عندما تم الطعن عليه.
وبالنظر لدور محكمة النقض فى التعرض لمسألة دستورية القوانين نجد أن محكمة النقض ظلت مترددة فى موضوع الدستورية ولم تشأ أن تقطع فيه برأى إلى أن صدر الحكم الذى امتنعت فيه المحكمة عن تطبيق نص فى قانون الإجراءات الجنائية نظراً لخروجه على قاعدة عدم رجعية قوانين العقوبات المقررة فى دستور 1923.
بل أن الدساتير المصرية المتعاقبة ابتداء من دستور 1923 حتى دستور 1964 المؤقت، خلت من نص ينظم مسألة الرقابة على دستورية القوانين سواء بتقريرها أو بمنعها.
وجاءت أول محاولة رسمية لتنظيم رقابة دستورية القوانين على المستوى التشريعى، من خلال نص مشروع وضع الدستور عام 1953  على إنشاء «محكمة عليا دستورية» يناط بها وحدها مهمة رقابة دستورية القوانين تتألف من تسعة قضاة من بين المستشارين وأساتذة القانون ورجال الفقه الإسلامى الجامعيين، ومن المحلفين لدى محكمة النقض  وقد راعت لجنة وضع الدستور فى تشكيل المحكمة تمثيل السلطات الثلاث ثلاثة يعينهم رئيس الجمهورية  وثلاثة ينتخبهم البرلمان مجتمعاً فى هيئة مؤتمر أول كل فصل تشريعى وثلاثة ينتخبهم القضاء العادى والإدارى والشرعى  وتنتخب المحكمة رئيسها من بين أعضائها  ومدتها اثنتا عشرة سنة وتجدد جزئياً، غير أن هذه المحاولة لم يكتب لها النجاح إذ إن رجال ثورة 23 يوليو رفضوا مشروع لجنة الخمسين وعهد إلى بعض المتخصصين بإعداد مشروع دستور يتمشى مع أهداف الثورة.
وكانت أول تجربة لإنشاء محكمة دستورية متخصصة يناط بها دون غيرها مهمة رقابة دستورية القوانين و هى تجربة «المحكمة العليا» التى أنشأها القرار بقانون 81 لسنة 1969 والتى تولت مهمة الرقابة بالفصل وباشرتها مدة تقترب من العشر سنوات اعتباراً من 25 أغسطس 1970 وحتى تاريخ تشكيل المحكمة الدستورية العليا فى 9 أكتوبر 1979.
ويعد دستور 1971 هو أول الدساتير التى تضمنت نصوصاً تنظم رقابة دستورية القوانين، وأوكل أمر هذه الرقابة إلى محكمة خاصة سماها «المحكمة الدستورية العليا» وقد نظم الرقابة القضائية على دستورية القوانين واللوائح فى خمس مواد منه من المادة 174 حتى المادة 178.
وحرصت الوثائق الدستورية التى صدرت فى أعقاب الثورات التى مرت بها البلاد، على بقاء دور المحكمة الدستورية العليا فى الرقابة على دستورية القوانين واللوائح قائماً، وتكرس هذا الاختصاص من خلال دستور 2012، وراعت لجنة الخمسين، التى نيط بها وضع التعديلات الخاصة بدستور عام 2014 على بقاء دور المحكمة الدستورية العليا شامخا ً عالياً فأفردت لها فصلاً خاصاً يختلف عن باقى الجهات والهيئات القضائية

 

زر الذهاب إلى الأعلى