مفتاح الفرج !

مفتاح الفرج !

نشر بجريدة أخبار اليوم السبت 26/12/2020

بقلم: الأستاذ/ رجائي عطية نقيب المحامين

الصبر في كتب الأديان سجية سامقة، وفي القرآن الحكيم أنه أميز هذه السجايا، وأنه نصف الإيمان، ويوصف فيه بأنه من « عزم الأمور » . هذا « العزم » هو مصدر كل خلق جميل حثت عليه شريعة القرآن ..« وإن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الأمور »، « فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل »..« واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور »..« ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور» .. الصبر في القرآن المجيد صفة المؤمنين الصالحين، والتواصي به بين المؤمنين واجب: « وتواصوا بالصبر وتواصوا بالمرحمة ».. والاستعانة به مع الصلاة دعوة متكررة، « اسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ » الصابرون أحباب إلى الله يحبهم سبحانه ويحبونه، « وَاللّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ »، أنواع الصبر التي دعا إليها القرآن شملت الصبر على العبادة: « فاعبده واصطبر لعبادته »، والصبر على الصلاة: « وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها »، والصبر على البذل والمرابطة: « اصبروا وصابروا ورابطوا »، وعلى البلاء والمحن، وعلى النكال والتعذيب .. والصبر مناط الإمامة وطريقهـا .. « وجعلنـا منهـم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا ».. « وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُواْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ».. ولهم الخير والبشارة ومحبة الله وعقبى الدار بما صبروا: « سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار ».. لا ينالهم كيد الكائدين: « وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا » .. لهم الغلبة بصبرهم .. دعاؤهم إلى الله: « ربنا أفرغ علينا صبرًا ».

العناية الإلهية بسجية الصبر والصابرين، والحث عليها، وبيان بشارتها وخيرها، وجدواها وثوابها، وقيمتها وعقباها، وفائدتها وقوتها وأمانها وحصنها ـ تسربت بالضرورة إلى وجدان الناس، واحتلت صفحة وعيهم، فجرت كلمة الصبر في عباراتهم الدارجة، وفي لغة تخاطبهم، وفي أمثالهم العامية: « الصبر طيب ».. « الصبر مفتاح الفرج ».. « إن الله مع الصابرين ».. تسربت الكلمة إلى أسمائهم وألقابهم، إناثًا ورجالاً، وكيف لا وهذه هي منزلة الصبر، والصبور اسم من أسماء الله الحسنى .. درج الناس على أسماء: صبري، وصابر، وصابرين، وصابرة، وصبيرة، وعبد الصبور .. تنتقل الكلمة من لغة التخاطب والأمثال إلى منظومات الشعراء، وترنيمات الأغاني والأهازيج .. تنساب الأغنيات عن « الصبر والإيمان »: جنة المحروم، مثلما تنساب في خطاب المحبين والعاشقين، يتفنن الرصافون في المعاني والصور، فهذه تنادى العطـارين أن يدلـوها على منبـع الصبـر، « يا عطارين دلوني الصبر فين أراضيه . ولو طلبتم عيوني، خدوهـا بس ألاقيه ».. وهذا يتشكى من ملامته على صبر قلبه على استمراره في حب محبوبه الذي هان الود عليه، وهذه تشكو سراب الصبر: « وصفوا لي الصبر لقيته خيال وكلام في الحب يدوب ينقال ».. لا صبر علـى بعـاد المحبوب الذي اعتادت العيون رؤياه: « لـو كنت خدت على بعادك، كنت أقدر أصبر واستنى ».. ولا هي في حيرة دليلها قادرة على الصبر على البعاد، تصبر قلبها الحائر باسترجاع المسرات وكلمات المحبات: « أفضل أصبر روحي بكلمة يوم قلتها لي » !.. حتى إذا لم يعد في قوس الصبر منزع، تنفجر اللواعج: « للصبر حدود ».. « ما تصبرنيش بوعود، وكلام معسول وعهود .. أنا ياما صبرت زمان ! »..

الصبر قوة وعزيمة وفرع على « عزم الأمور » كما قال القرآن المجيد، وهو قوة إيجابية مانحة لقدرات تصاحب الصبر وتدفع المتسم المتمسك به المالك لزمامه وناصيته، ألا يفقد خيط الأمل، أو تتعثر عزيمته فتخبو روحه وتنطفئ شعلته .. الأمل كما قلنا قاطرة الإنسان والإنسانية، والصبر هو الجناح الثاني للأمل، والواقي الذي يحصن العزيمة ويقويها على مدافعة اليأس والقنوط، والتمسك بحبل الأمل والرجاء .

زر الذهاب إلى الأعلى