مـحمد فريد الزعيم النبيل الشهيد (3)
من تراب الطريق ( 1259 )
نشر بجريدة المال الأحد 13/2/2022
ــــ
بقلم نقيب المحامين الأستاذ / رجائي عطية
مـحمد فريد
الزعيم النبيل الشهيد (3)
ديوان وطنيتى
سارعت السلطـات إلى ضربة رادعة ، انتهزت فيها صدور ديوان «وطنيتى» للأستاذ على الغاياتى المحرر « باللواء » فى يوليو 1910 ، بتقديم ( سابق ) من محمد فريد الذى لم يطالع الديوان وكان بخارج البلاد عند صدوره ، وكان قد حرر هذا التقديم سابقا قبل سفره ، كما قدمه الشيخ عبد العزيز جاويش ، فرأت السلطات أن هذا الديوان فرصة لضرب ثلاثة عصافير بحجر واحد ، بقالة إن بعض قصائده تنطوى على تحبيذالجرائم والتحريض على ارتكابها فضلا عن إهانة هيئات الحكومة ، وكانت النيابة العامـة قـد غضت عنه النظر لسابقة نشر جميع قصائده فى الصحف ، إلاّ أن الحكومة طفقت توعز إلى النيابة بالتحقيق فيما ورد بالكتاب ، فأمرت بمصادرته وشرعت فى التحقيق مع الشيخ على الغاياتى والشيخ عبد العزيز جاويش ، وأرجأت الأمر بالنسبة لمحمد بك فريد لحين عودته من خارج البلاد ، وأحالت كلا مـن المؤلفالشيخ على الغاياتى والشيخ عبد العزيز مع آخرين بتهمة مدح وإطراء الكتاب إلى محكمة الجنايات .
نظرت قضية كتاب أو ديوان « وطنيتى » فى أغسطس 1910 أمام محكمة الجنايات برئاسة محمد مجدى بك ، وعضوية على ذو الفقار بك ، والمسيو سودان ، وجلس فى كرسى النيابة محمد توفيق نسيم بك رئيس نيابة الاستئناف فى ذلك الوقت ( ورئيس الوزراء بعد ذلك أكثر من مرة) ، وجرت محاكمة الغاياتى غيابيا لأنه كان قد سافر متوجساً قبل المحاكمة إلى الآستانة ثم سويسرا ، بينما حوكم الشيخ عبد العزيز جاويش حضوريا ، فنهض بالدفاع عنه فارسانمن فرسان المحاماة والحزب الوطنى (القديم) : أحمد بك لطفى الذى رأيناه مترافعا عن إبراهيم الوردانى فى قضية اغتيال بطرس باشا غالى ، ومحمد على علوبة بك ( باشا ) المحامى الذى مر بنا فى مؤتمر هليوبوليس الذى توالى ظهوره من بعد فى المشهد المصرى فىالعديد من المواقع والمواقف .
فى 9 أغسطس1910 صدر الحكم ( غيابيا ) بحبس المؤلفالشيخ على الغاياتى لمدة سنة وحبس من أطرى الكتاب شهرين مع الإيقاف ، وحبس الشيخ عبد العزيز جاويش لمدة ثلاثة أشهر مع النفاذ جرى تنفيذها عليه فورا لأنه الحكم الثانى عليه بالحبس ، ومعالاستياء الشعبى الشديد الذى قوبل به الحكم ، أخذ الوطنيون ينتظرون ماذا سوف تفعل السلطات مع محمد بك فريد حين يعود إلى البلاد .
محاكمة محمد فريد
كان الهدفالرئيسى محمد بك فريد ، الذى يُعزى إليه دفع الحركة الوطنية بقوة ، وأبت سلطات السراى المتناغمة مع سلطات الاحتلال ، إلاَّ تحشيره في قضية « ديوان وطنيتى » ، برغم أنه كتب المقدمة في فبراير 1910 ، ولم يظهر الديوان إلاَّ في يوليو 1910 ، وحين انعقدت محكمة الجنايات لمحاكمته في يناير 1911 ، برئاسة الإنجليزى « دلبر وجلى » ، صمم محمد فريد على الحضور بمفرده ، وصمم على ألاَّ يصاحبه أحد من زملائه المحامين ، مقدرًا ومتمسكًا بأن بأقواله في التحقيق ما ينفى هذه التهمه المصطنعة .
بيد أن المحكمة كان لها نظر آخر ، فما إن أنهت النيابة مرافعتها , حتى أصدرت حكمها بحبس محمد فريد ستة أشهر مع النفاذ !
سلم الزعيم نفسه في هدوء للتنفيذ ، بينما اشتعل الغضب الشعبى ، ورفض محمد فريد العرض الذى بعث به الخديو إليه في سجن الاستئناف ، طالبًا إليه أن يتقدم بطلبٍ للعفو ، وأن الخديو سيستجيب ويقبل طلبه بالعفو عنه ، وجعل مندوب الخديوى عثمان بك غالب يلح عليه في كتابة الطلب مؤكدًا رغبة الخديو السامية في العفو عنه ، بيد أن محمد فريد ردّ بأنه لا يطلب عفوًا ، ولا يسمح لأحد بأن ينوب عنه في طلبه ، ولن يقبله إذا صدر !